ودع الأدباء والمثقفون فى العالم المفكر الإسلامي الفرنسي روجيه جارودي، عن عمر يناهز 98 عاما، يوم الأربعاء الماضى فى بلدية شينفيير فى سور مارن جنوب شرق باريس. وُولد جارودي فى 17 يوليو 1913 بمرسيليا، لأب ملحد وأم كاثوليكية، وحصل على الدكتواره من جامعة السوربون عن النظرية المادية فى المعرفة عام 1953، ثم الدكتوراه فى الحرية من موسكو عام 1954. وكان أول لقاء بين الشاب البروتستانتي جارودي والحضارة العربية والإسلامية، خلال تجنيده فى جيش بلاده إبان الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، عندما وقع فى الأسر خلال المعارك الدائرة فى شمال أفريقيا، ليقضي عقوبة السجن فى سجن الجلفة بالجزائر. وبعد عشرات السنين من البحث والتفكير، أشهر جارودي إسلامه فى 2 يوليو عام 1982 بالمركز الإسلامي فى جنيف، ليبدأ نضاله الفكري والسياسي ضد الحركة الصهيونية العالمية ودولة الاحتلال الإسرائيلي فى فلسطين. وكانت مذبحة صابرا وشاتيلا في لبنان في 16 سبتمبر عام 1982 هى أول محطات التصادم بينه وبين الصهيونية، حيث نشر مقالة فى صحيفة لوموند تحت عنوان "معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان" شن فيها حرباً ضد وحشية الاحتلال وصمت المجتمع الدولي عن ذبح اللاجئين الفلسطينيين. وفى عام 1996، واصل جارودي نضاله الفكري ضد الاحتلال الصهيوني، بإصدار كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، الذى شكك خلاله فى أسطورة الهولوكوست، مُكذباً بالحجة والدليل المغالطات اليهودية حول عدد الضحايا اليهود فى محرقة النازي، لتلاحقه عصابات الصهاينة قضائياً ويصدر ضده عام 1998 حُكم بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ من إحدى المحاكم الفرنسية. أثرى جارودي المكتبة العالمية والعربية والإسلامية بعشرات المؤلفات التى تُرجمت للعديد من اللغات، ومن أشهر مؤلفاته بعد إسلامه: وعود الإسلام، المسجد مرآة الإسلام، الإسلام وأزمة الغرب، فلسطين مهد الرسالات الولاياتالمتحدة طليعة التدهور، وعود الإسلام، الإسلام دين المستقبل، الإرهاب الغربي، جولتي وحيداً حول هذا القرن، حوار الحضارات، الإسلام وأزمة الغرب، كيف أصبح الإنسان إنساناً وحفارو القبور. ومن أشهر مقولات جارودي التى جاءت في كتابه "الإسلام دين المستقبل"، قوله: "أظهر الإسلام شمولية كبرى عن استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة، فقد كان أكثر الأديان شمولية فى استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد وكان فى قبوله لأتباع هذه الديانات فى داره منفتحا على ثقافاتهم وحضاراتهم والمثير للدهشة أنه فى إطار توجهات الإسلام استطاع العرب آنذاك ليس فقط إعطاء إمكانية تعايش تماذج لهذه الحضارات. بل أيضا إعطاء زخم قوي للإيمان الجديد: الإسلام". ويضيف: "فقد تمكن المسلمون فى ذلك الوقت من تقبل معظم الحضارات والثقافات الكبرى فى الشرق وأفريقيا والغرب وكانت هذه قوة كبيرة وعظيمة له، وأعتقد أن هذا الانفتاح هو الذى جعل الإسلام قوياً ومنيعاً". وتقديراً لدوره في خدمة الإسلام والدفاع عن العرب والمسلمين في أوروبا والعالم، حصل على جائزة الملك فيصل العالمية عن كتابيه "ما يعدُ به الإسلام" و"الإسلام يسكن مستقبلنا"، بالإضافة إلى حصوله على الدكتوراه الفخرية من جامعة "قونيا" التركية عام 1995.