في صالون المفكر الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري الشهري مساء أول أمس السبت، والذي ضم نخبة من المثقفين والناشطين المصريين، تحدث المهندس محمد سيف الدولة حول الأحكام القضائية الصادرة بحق الرئيس المخلوع وولديه وحسين سالم ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من مساعديه. وتناول سيف الدولة حزمة واسعة من الجرائم التي يمكن أن يحاكم عليها رأس النظام ورجاله بموجب القانون المصري في قضايا كبرى تتعلق بالأمن القومي وخيانة الدستور وإهدار السيادة الوطنية ورعاية مصالح الدول المعادية على حساب المصلحة الوطنية. وقد علمت التغيير أن عددا من الشخصيات الوطنية تستعد لرفع قضية بشأن هذه الجرائم. ويوم أمس الأحد، قام سيف الدولة بكتابة هذه الحزمة من الجرائم بالتفصيل على النحو التالي: _______________________________________________________________________________ فيما يلى الحزمة الأولى من الجرائم الكبرى التى ارتكبها مبارك ورجال نظامه، والتى لم يحاكم عليها بعد، اتناولها من واقع نصوص قانون العقوبات المصرى: اولا، المادة 77 التى تنص على: «يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدا فعلا يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها». - وهى جريمة ارتكبها نظام مبارك حين أهدر استقلال مصر وسيادتها وحولها إلى بلد تابع للولايات المتحدةالأمريكية، فمكنها من السيطرة على الاقتصاد وعلى التسليح العسكرى، وحين قبل بالوجود العسكرى الأمريكى والاجنبى فى سيناء. * * * ثانيا، المادة 77 (د) فقرة أولى: «يعاقب بالسجن إذا ارتكبت الجريمة فى زمن السلم، وبالسجن المشدد إذا ارتكبت فى زمن الحرب: كل من سعى لدى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها أو تخابر معها أو معه وكان من شأن ذلك الإضرار بمركز مصر الحربى أو السياسى أو الدبلوماسى أو الإقتصادى». - وهى الجريمة التى ارتكبها نظام مبارك حين قبل تجريد ثلثى سيناء من القوات المسلحة وفقا للمادة الرابعة من معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، فأضر بمركز مصر العسكرى. - وارتكبها مرة أخرى حين سلم الاقتصاد المصرى لإدارة صندوق النقد والبنك الدوليين التابعان للعدو الأمريكى وحلفائه من الدول الغربية، ونفذ تعليماتهم ببيع القطاع العام، وضرب الصناعة الوطنية المصرية لصالح المنتجات الأجنبية، وتعويم الجنيه المصري وربطه بالدولار، وتقليص الدعم للفقراء، وترك البلد لسيطرة ونهب رجال الأعمال الأجانب والمصريين بدعوى الاقتصاد الحر، والامتناع عن وضع خطة اقتصادية قومية تحقق مصالح الشعب، مما أضر ضررا بالغا بالمركز الاقتصادى لغالبية المصريين، ومن أهم مؤشراته أن 40 مليون مصرى يعيشون الآن باقل من 360 جنيه فى الشهر، مقابل 160 الف رجل اعمال يملكون 40 بالمائة من ثروة البلد. - وارتكبها مرة ثالثة للإضرار بمركز مصر السياسى والاقليمى حين قرر أن يلحق بالسياسة الأمريكية فى المنطقة، ويتنازل عن دور مصر الريادى وقيادتها للأمة العربية، والذى تمثل فى أوضح صوره فى قبوله بالمادة السادسة من المعاهدة التى تضع أمن إسرائيل فوق أمن وسلامة الأقطار العربية. وأيضا بما قدمه من تسهيلات سياسية وعسكرية للقوات الأمريكية لاحتلال العراق عام 2003، وفى دعمه لكل مشروعات الهيمنة الأمريكية على المنطقة، بما فيها تقسيم السودان، والتحالف ضد المقاومة العربية فى لبنان والعراق وفلسطين. * * * ثالثا: مادة 77(د)- الفقرة الثانية: «يعاقب بالسجن إذا ارتكبت الجريمة فى زمن سلم. وبالسجن المشدد إذا ارتكبت فى زمن الحرب: كل من أتلف عمدا أو أخفى أو اختلس أو زور أوراقا أو وثائق، وهو يعلم أنها تتعلق بأمن الدولة أو بأية مصلحة قومية أخرى». - وهى الجريمة التى ارتكبها النظام فى تصديره الغاز والبترول لإسرائيل، حين أخفى عن البرلمان وعن الرأى العام المصرى حقيقة هذه المعاملات، وهى مجرد قشة من كوم كبير لم نكتشف بعد كل خفاياه، عن حدود وحجم العلاقات مع إسرائيل فى مجالات متعددة، تشمل التنسيق الأمنى والزراعة والسياحة والثقافة وغيرها. * * * رابعا، مادة 78: «كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو من أحد ممن يعملون لمصلحتها نقودا أو أية منفعة أخرى أو وعدا بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطي أو وعد به». - وهى الجريمة التى ارتكبها رجال أعمال نظام مبارك ولا زالوا، بضرب الصناعة الوطنية المصرية، من خلال تحصلهم على آلاف التوكيلات التجارية الأجنبية وملايين الدولارات لتسويق المنتجات الأجنبية على حساب المنتجات الوطنية. - بالاضافة إلى مئات الملايين من المعونات الأجنبية التى يأخذونها تحت عنوان دعم القطاع الخاص، لضمان استمرار سيطرتهم على مقدرات البلد. وهى معونات لا زالت مستمرة بعد الثورة. هذا بالطبع بالإضافة إلى منح ومعونات ما يسمى بمنظمات المجتمع المدنى. * * * خامسا، مادة 77(ه): «يعاقب بالسجن المؤبد كل شخص كلف بالمفاوضة مع حكومة أجنبية فى شأن من شئون الدولة، فتعمد اجراءها ضد مصاحتها». - وهى الجريمة التى ارتكبها النظام فى مفاوضاته مع العدو الصهيونى فى اتفاقيات كامب ديفيد 1978 و1979 وما بعدهما، والتى أدت إلى استقالة ثلاثة وزراء خارجية، حين تم التفريط فى مصالح مصر وأمنها القومى فى معظم بنود المعاهدة وعلى الأخص عند قبوله بتجريد سيناء من السلاح كما تقدم. - واستمر فى ارتكاب ذات الجريمة 32 عاما (1979-2011) بقبوله استمرار هذه الشروط المجحفة على امتداد السنين رغم أنه كان بإمكانه أن يتحرر منها أو يخفف من قيودها بعديد من الطرق الدبلوماسية والسياسية. - وارتكب ذات الجريمة مرة اخرى حين قبل المعونة الأمريكية بشروطها، وسمح بمقتضاها باختراق أعماق مصر الاستراتيجية على كافة المستويات. - كذلك حين قبل قروض الدول المانحة والدائنة والمؤسسات الدولية بشروطها السيادية الضارة بمصالح مصر الاقتصادية كما تقدم. - وحين خضع لضغوط الإدارات الأمريكية والصهيونية المتعاقبة حين عمل على جر عديد من الدول العربية للتنازل عن فلسطين لليهود الصهاينة، وشارك فى حصار غزة وبناء الجدار العازل وضرب المقاومة، مما تسبب فى دعم شرعية وقوة العدو الصهيونى، على حساب الأمن القومى المصري والعربى. - ومرة خامسة حين فرط فى الغاز المصرى بأبخس الأسعار لصالح العدو الصهيونى. - كذلك حين قبل التنسيق الأمنى السرى مع الأمريكان والصهاينة على أوسع مدى ضد مصالح الشعب المصرى وأمنه القومى ومصالح الأمة العربية. * * * سادسا، مادة 78(ج): «يعاقب بالإعدام كل من سهل دخول العدو إلى البلاد أو سلمه مدنا أو حصونا أو منشآت أو مواقع أو موانئ أو مخازن أو ترسانات أو طائرات أو وسائل مواصلات أو أسلحة أو ذخائر أو مهمات حربية أو مؤنا أو أغذية أو غير ذلك مما أعد للدفاع أو مما يستعمل فى ذلك أو خدمة بأن نقل إليه أخبارا أو كان له مرشدا». وهى الجريمة التى ارتكبها النظام حين استبدل بقوات الاحتلال الاسرائيلى فى سيناء قوات الاحتلال الأمريكى وحلفاءها التى تتواجد هناك تحت مسمى قوات متعددة الجنسية، والتى تقوم بمراقبة مصر، والتى لا تخضع للأمم المتحدة، والتى تتمركز فى مواقع لا يسمح للقوات المصرية بالتواجد فيها على أرض سيناء المصرية، والتى لا يحق للسلطات المصرية أن تطلب انسحابها الا بعد الموافقة الإيجابية للدول الخمس الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن، وهى القوات التى قال عنها وزير الأمن الداخلى الاسرائيلى فى محاضرة عام 2008، ان وجودها فى سيناء هو ضمانة أمريكية لاسرائيل بحقها فى العودة لإعادة احتلال سيناء ان تغيرت سياسة النظام المصرى تجاه اسرائيل. * * * سابعا، مادة 78(ه): «يعاقب بالسجن المؤبد كل من أتلف أو عيب أو عطل عمدا أسلحة أو سفنا أو طائرات أو مهمات أو منشآت أو وسائل مواصلات أو مرافق عامة أو ذخائر أو مؤنا أو أدوية أو غير ذلك، مما أعد للدفاع عن البلاد أو مما يستعمل فى ذلك ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أساء عمدا صنعها أو إصلاحها وكل من أتى عمدا عملا من شأنه أن يجعلها غير صالحة ولو مؤقتا للانتفاع بها فيما أعدت له أو أن ينشأ عنها حادث». - وهى الجريمة التى ارتكبها النظام واستمر فى ارتكابها حين قبل حرمان مصر من حقها فى وجود أى مطارات أو موانئ عسكرية فى سيناء بموجب المادة الثالثة من معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية. * * * ثامنا، مادة 79: «كل من قام فى زمن حرب بنفسه أو بواسطة غيره مباشرة أو عن طريق بلد آخر بتصدير بضائع أو منتجات أو غير ذلك من المواد من مصر إلى بلد معاد أو باستيراد شيء من ذلك يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة تعادل خمسة أمثال قيمة الأشياء المصدرة أو المستوردة على ألا تقل الغرامة عن ألف جنيه. ويحكم بمصادرة الأشياء محل الجريمة فإن لم تضبط يحكم على الجانى بغرامة إضافية تعادل قيمة هذه الأشياء». مادة 79(أ): «يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز عشرة آلاف جنيه كل من باشر فى زمن الحرب أعمالا تجارية أخرى بالذات أو بالواسطة مع رعايا بلد معاد أو مع وكلاء هذا البلد أو مندوبيه أو ممثليه أيا كانت إقامتهم أو مع هيئة أو فرد يقيم فيها. ويحكم بمصادرة الأشياء محل الجريمة، فإن لم تضبط يحكم على الجانى بغرامة إضافية تعادل قيمة هذه الأشياء». - هى الجرائم التى قام بارتكابها ولا يزال عدد من موظفى النظام باختلاف درجاتهم الوظيفية وكذلك العديد من رجال الاعمال، وهو ما نطلق عليها سياسيا مصطلح التطبيع. - فإسرائيل لم تكف لحظة عن ممارسة دورها كبلد معاد ومتربص بمصر حتى بعد معاهدة السلام، ولقد حولوها كذبا وزيفا، من بلد معاد إلى بلد طبيعى بموجب معاهدة باطلة دستوريا ودوليا، تمت تحت الإكراه، وبموجب استفتاء 1979 المزور. * * * تاسعا، المواد 82 و83 و84: تنص هذه المواد على توقيع ذات العقوبات على كل من شارك فى هذه الجرائم او حرض عليها أو ساعد فيها أو اخفى أحد أدواتها أو أهمل وقصر فى الحيلولة دون وقوعها. كما يعاقب بالحبس سنة كل من علم بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى هذا الباب، ولم يسارع بإبلاغ السلطات المختصة. وهو ما ينطبق على المئات من رجال النظام الذين شاركوا فى ارتكاب هذه الجرائم بواحدة أو اكثر من الأفعال المنصوص عليها أعلاه. * * * عاشرا، المادة 86 مكرراً: «يعاقب بالسجن كل من انشأ أو أسس أو نظم أو أدار، على خلاف أحكام القانون جميعة أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة، يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو احدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها ...». - وهى الجرائم التى ارتكبها النظام ورجاله حين خرجوا عن الشرعية الدستورية بانتهاكهم لأحكام المادتين الأولى والثالثة من الدستور. - أما المادة الاولى من الدستور فتنص فى فقرتها الثانية على أن: «الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة». - والتى انتهكها النظام باعترافه الباطل بأن أرض فلسطين العربية هى أرض إسرائيل وفقا للمادة الثالثة من المعاهدة مع اسرائيل. - أما المادة الثالثة من الدستور فتنص على: «أن السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها...» والتى انتهكها النظام حين قبل انتهاك السيادة الوطنية فى سيناء وفقا للمادة الرابعة من ذات المعاهدة. - فالنظام ورجاله خارجون عن الشرعية الدستورية والوطنية منذ عقود طويلة، لكنهم تمكنوا من الاستمرار فى مراكز الحكم باستخدام القوة والارهاب ضد الشعب وقواه الوطنية على امتداد أكثر 30 عاما. * * * كانت هذه جولة فى الحزمة الأولى من جرائم نظام مبارك الكبرى، إن حاكمناه عليها، سنستكمل ثورتنا، وإن تجاهلناها، سيستمر ذات النظام ولكن بدون مبارك.