حين تكون انتخابات الرئاسة التي بين أيدينا هي أول انتخابات حرة يختار فيها الشعب المصري بملء إرادته من يحكمه منذ أن عرف لمصر تاريخا مسطورا، فإنك تشهد أخي المصري – ومعك السماء تشهد- حدثا «أسطوريا»، ويكون لصوتك أهمية تاريخية. وإن كنت تؤمن بأن ثورة 25 يناير قد انبعثت ثائرة على الظلم لتقيم دولة العدل، فعليك أن تكون حكم عدل في تقديرك للأمور. وان كنت تؤمن بأن قيادة دولة عظيمه مثل مصر هي أمانة في عنق قائدها، فإن صوتك لاختيار هذا القائد هو أيضا أمانة في عنقك وعليك أن تؤديها بكل إخلاص وحرص، لأن الله سامع لك ومستبصر بك، وسيسألك عن أمانة هذا الصوت يوم الدين. «{إِنَّ 0للَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ 0لأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ 0لنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِ0لْعَدْلِ إِنَّ 0للَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ 0للَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً»} (النساء: 58). نداء إلى من لم يقرر بعد من سيختار لرئاسة مصر، هلا سمحت لي أن أعرض لك وجهة نظر في كيفية الاختيار أو بالأحرى كيف تكون بداية الاختيار. ثلاثة عشر مرشحا، وعليك أن تفاضل بينهم، وتستمع إلى برامجهم الانتخابية، وتلاحق مقابلاتهم وتراقب أقوالهم وأفعالهم ومظهرهم ولغة أجسادهم .. إلخ. إن كانت هذه هي البداية فيا لها من بداية مربكة، لكنها ليست البداية. فالبداية أبسط من ذلك، بل إن مشوار قرار الاختيار- كله- أبسط من ذلك. البداية هي أن تقرر هل ستستبعد مرشحي النظام القديم «الفلول» أم أنك لن تستبعدهم. إن لم تستبعدهم فاختيارك سيكون واحدا من اثنين؛ أما أن تفاضل بين اثنين من الفلول أو بين واحد منهم وأحد المرشحين الجدد؛ والحالتين عندي سواء، وعند ذلك اسمح لي أن أطرح عليك بضعة أسئلة. اختيار الفلول هل أنت من النظام القديم؟ هل أنت من المنتفعين بالنظام القديم؟ هل تستنكر بالثورة وترفضها؟ أم تؤمن بها ولكن لا تأتمن عليها ناصروها بل تأتمن فلولها؟ وهل من أفسد سيصلح؟ وهل ستردد مقولة «اللي نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش»؟ أوليس هذا منطق العبيد؟ أم ستردد مقولة نريد رجلا قويا يحكم البلاد؛ أوليس هذا منطق «صناع الطواغيت»؟ أما كفانا انبطاحا .. أما كفانا استبدادا؟ ألا تريد دولة الحرية، ألا تريد التغيير، ألا تريد مشروعا للنهوض؟ أم تريد .. ولكن لا تريد أن يتم ذلك على أيدى «هؤلاء المتدينين» المكروه فوزهم؟ لنفترض يا أخي فوز أحدهم، فما ظنك أنه فاعل بمستقبله ومستقبل البلاد: قطع الأيدي وتقييد الحريات وحجر النساء؟ هل هذه مخاوفك وغاية فهمك وتقييمك لهؤلاء الرجال ودينهم؟ من أي المصادر استقيت فهمك: من أفواه المتلاسنين أم من تجربة تركيا وماليزيا وإندونيسيا؟ وسؤال في الجهة المقابلة: ماذا لو فازت الفلول، هل خلصت نفسك واستقرت قوى الحراك السياسي وأمن البلاد أم اشتعلت جذوة ثورة تالية لا يعلم سوى الله عواقبها؟ استبعاد الفلول أما إذا كانت بدايتك استبعاد الفلول فالخطوة الثانية خطوة واحدة لا ثالث لها: أن تختار من بين المرشحين المرشح الذى تتصور أنه سيزيح مرشح الفلول. لا أقول مرشح حزبك أو جماعتك أو اتجاهك أو المرشح الذي يعجبك برنامجه وكلامه ومظهره، بل المرشح الذى تتصور- من بعد «قليل» من المشاهدات والمطالعات والاستطلاعات و«كثير» من البداهة- أنه القادر على كسب الانتخابات وإزاحة مرشح الفلول حتى ولو كان ذلك على حساب اقتناعك الشخصي بمرشح غيره، تود لو تعطيه صوتك. صوتك ليس رخيصا حتى يضيع على مرشح خاسر، وصوتك ليس حكرا لك، تضن به على أصوات الجموع المؤتلفة على مبدأ استبعاد الفلول في هذه الانتخابات، ثم في الانتخابات الرئاسية التالية، فلتنطلق أصوات الجميع أينما تشاء. نريد القوة والوحدة ونداء المحب إلى أحبائه مسيحيي مصر؛ أهلي وأخواني وجيراني وأصدقاء طفولتي ورفقاء شبابي وأعزاء كهولتي: القوة في الاندماج، القوة في الائتلاف، القوة في حكمة آبائكم وسماحة شعبكم، القوة في المحبة التي تملأ قلوبكم، القوة في صدى مواعظكم وشموع آمالكم. القوة في الثمار التي تجنونها من بعد كل تجربة. القوة في أن نقف صفا واحدا ونخوض معا تجربة واحدة كشعب واحد لا أنا ولا آخر. فلنقف وراء رجل بسيط ذاق طعم الظلم واختبر حرقة الآلام، ينادى كما ننادى: عيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية. سأختار الاستقرار الذي نحتاجه الآن، وتسكن إليه معظم أطياف الأمة، سأختار الوسطية التي ستقلص هذا التطرف أو ذاك، سأختار العدل الذى يمنح الناس الأمن والطمأنينة، سأختار الإسلام التقدمي الذي لن يقيد الحريات ولن يقف عند سفاسف الأمور، سأختار دولة المؤسسات وتوزيع السلطات، لا دولة الرجل الواحد واحتكار القرارات، سأختار مجمع الخبراء ومشروع نهوض يستشرف تجارب أمم لم تفرط في هويتها كما لم تنغلق على ذاتها، سأختار النظام المدني الذى سيعيد لي الكرامة داخل وطني وخارجه، سأختار التغيير، سأختار المحاولة، سأختار التجربة، سأختار الروح الجديدة والدم الجديد، سأختار أبو الفتوح لقيادة مصر في السنوات الأربع المقبلة.