يصعب على المرء أن يتصور ذلك الآن، إلا أن اقامة علاقات ودية شاملة بين الاسرائيليين والفلسطينيين كانت ذات يوم لا تبدو ممكنة فحسب بل حتمية أيضا. ففي أواسط تسعينات القرن العشرين، اكتسب حل الدولتين تأييد الطرفين. وكان نفوذ «حماس» و«الجهاد الاسلامي» قد أخذ في التلاشي. كما كانت إسرائيل تسلم مدن الضفة الغربية إلى السيطرة الفلسطينية. وبدا أن قرار وضع نهاية للصراع الذي امتد لخمسين عاما ليس بعيدا. ولكن هذا لم يحدث طبعاً. اذ تهاوى السلام عشية اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحق رابين والتفجيرات الفلسطينية من بين أمور اخرى. لكن، هل معنى ذلك أن بالإمكان إعادة الحياة إلى المسيرة أم أن حل الدولتين لا يمكن ان ينجح؟ الواقع هو أن عملية السلام طويلة وصعبة ومثبطة للعزائم، يقوم عليها طرفان متعاديان، لا يثق احدهما بالاخر. غير أن التخلي عن المفاوضات بسبب الجدار والحواجز أو حرب استنزاف لا نهاية لها، هو عمل غير مسؤول بقدر ما هو كارثي. وكان هذا هو السبب في شعورنا باليأس لدى قراءة مقال الأسبوع الماضي للنائب الاميركي جو وولش، الجمهوري عن ولاية إلينوي، الذي حمل وجهة نظر قاتمة ومتشائمة. وقد يبدو غريبا أن ننفرد بشجب آراء نائب جمهوري غير معروف تماما من حركة «حزب الشاي» (المتطرفة). لكن مقاله حمل وجهة نظر تردد الكثير من المعلقين المؤيدين لإسرائيل في التصريح بها. ولذا فانها تستحق التفنيد. قال وولش في مقاله أن كل من «يظل متعلقا بوهم حل الدولتين مخبول». وسار على درب بعض الفلسطينيين الأكثر راديكالية والذي أعلنوا أيضا أن حل الدولتين قد انتهى أجله، فدعا إلى حل الدولة الواحدة. ومفهومه لهذه الدولة الواحدة هو إسرائيل واحدة «من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط». ولما كان ذلك يعني ابتلاع معظم فلسطينيي الضفة الغربية (وربما قطاع غزة ايضا) وضم كل ذلك إلى اسرائيل، فان جو وولش يقترح على الفلسطينيين الذين لا تروق لهم هذه الخطة أن ينتقلوا إلى الاردن، أما من يبقى فيعرض عليهم «حقوق محدودة للتصويت» (إلى جانب حقوق اقتصادية ومدنية اخرى). وفي سبيل توضيح الصورة أكثر، فان ما يقترحه وولش أن بامكان الفلسطينيين أما أن يلموا عزالهم ويغادروا مساكنهم أو يقبلوا بصفة مواطنة دائمة من الدرجة الثانية، بما فيها حقوق تصويت محدودة – أيا كان ما يعنيه ذلك التعبير– داخل اسرائيل موسعة. كانت فكرة قيام إسرائيل الكبرى الممتدة من النهر إلى البحر شائعة بصورة كافية في أعقاب حرب 1967، خلال فترة حكم مناحم بيغن و«غوش مونيم» والأيام الأولى من حركة الاستيطان. إلا أن منحى التفكير هذا تلاشى بمعظمه في السنوات الماضية، أو صار على الاقل خفيا. إذ أضحى معظم الإسرائيليين يدركون أن هناك شعبا فلسطينيا في الحقيقة وأن للفلسطينيين في الواقع حقا في تقرير المصير، مثل غيرهم من الشعوب. وأدرك الإسرائيليون، إلى جانب ذلك، أن السيطرة على شؤون ملايين الفلسطينيين الذين يفضلون حكم أنفسهم بأنفسهم، ليس مسارا معقولا للوصول إلى أمن على المدى البعيد. إن هذه الايام أيام قاتمة بالنسبة إلى عملية السلام. اذ شُلت المحادثات. وتدهورت صحة العديد من الفلسطينين المضربين عن الطعام بعد أكثر من شهرين من دون طعام. وقامت إسرائيل بإضفاء الشرعية على ثلاث بؤر استيطانية مثيرة للجدل في الضفة الغربية بأثر رجعي. وتسيطر حركتا «حماس» و«فتح»، المتنافستان منذ مدة طويلة، على قطاعات منفصلة من الأراضي الفلسطينية. ثم أن الربيع العربي جعل موقف إسرائيل في المنطقة أقل أمنا. نشر وولش مقاله المفزع قبل يوم من اطلاق سرح هاغاي عمير من السجن في اسرائيل. وعمير هو شقيق قاتل رابين، وقضى 16 عاما وراء القضبان لدوره في مؤامرة اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي (إسحاق رابين)، وهي مؤامرة استهدفت إيقاف مسيرة السلام وإبعاد حل الدولتين عن مساره. وخرج عمير من السجن وهو يلوح باشارة النصر ويقول «إنني فخور بما قمت به». وما فعله هو انه سبب جرحا عميقا لعملية كانت تتقدم بصورة مضطردة إلى الأمام، ونأمل ألا يكون قد أصابها بمقتل.