خريجو الأزهر بالغربية يحتفلون بمرور 18 عامًا على تأسيس المنظمة العالمية    أمين البحوث الإسلامية: الأزهر يرسخ وعيا حضاريا يجمع بين الأصالة والمعاصرة    تراجع أسعار العملات الأجنبية في ختام تعاملات اليوم 16 نوفمبر 2025    مدبولي يستمع لعرض حول مشروعات وزارة الاتصالات في مجال التحول الرقمي    وزير الخارجية: ناقشنا مع تشاد سبل تعزيز العمل المشترك لمواجهة الفكر المتطرف    رونالدو يحتفل بتأهل البرتغال رسميًا إلى كأس العالم 2026    ما وراء الخطط البديلة فى غزة؟    أوكرانيا تسعى لاستئناف تبادل الأسرى مع روسيا للإفراج عن 1200 مواطن    موقعة نارية في استاد القاهرة.. مصر والجزائر Egypt vs Algeria في اختبار قوة قبل كأس العرب    البرتغال يتأهل رسميًا إلى كأس العالم 2026 بفوز تاريخي على أرمينيا    وزير الرياضة يهنئ أبطال الرماية بعد تألقهم في بطولة العالم    ضبط 1020 عبوة مبيدات زراعية منتهية الصلاحية بإدكو    كشف ملابسات فيديو الاعتداء على سيدة وتكسير زجاج سيارتها بالقاهرة    "علوم" القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "أنت أقوى من المخدرات" غدا الإثنين.    خالد النبوي يكشف سر عن فيلم «الديلر»: تعلمت الروسية لتقديم «علي الحلواني»    وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان المبنى الجديد لأكاديمية الفنون    من التصوير إلى السينما.. نوري بيلجي جيلان يستعيد مراحل تكوينه الفني    هاني تمام: برنامج دولة التلاوة أعاد الريادة لمصر وجمع المصريين حول القرآن    طرق المداومة على أذكار المساء للأطفال والكبار    ما حكم الامتناع عن الإنفاق على الزوجة والأولاد؟.. أمينة الفتوى تجيب    "شبكة أطباء السودان" توثق 32 حالة اغتصاب لهاربات من الفاشر    لجنة التحقيق السورية في أحداث السويداء: أوقفنا عناصر من الدفاع والداخلية وأحيلوا للقضاء    حصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    طريقة عمل الدجاج المشوي المسحب بتتبيلة لا تقاوم    ارتياح في ليفربول بعد استبعاد صلاح من مباراة كاب فيردي    محافظ الجيزة: الشعار الجديد للمحافظة يجسد إرثها الحضاري والعلمي    تعليم دمياط يواصل لقاءات مبادرة صوتك مسموع    وزارة التعليم الفلسطينية تشكر مصر على استيعاب عدد كبير من الطلبة الفلسطينيين    محافظ أسوان يستقبل المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوى الإعاقة    بعد 3 أسابيع.. مبيعات فيلم السادة الأفاضل تصل إلى 350 ألف تذكرة    نجل محمد صبري: والدي لم يكن يعاني من أي أمراض.. وطريقة لعبه تشبهه في كل شئ    الأهلي يستعد لتجديد عقد أحمد عابدين حال عدم تلقي عرض من فاماليكاو البرتغالي    الإحصاء: ارتفاع عدد المشتغلين ل32.5 مليون فرد خلال الربع الثالث من العام الحالي    انطلاق حملة التطعيم ضد الحصبة للأطفال حتى 12 سنة بأسوان.. صور    حلا شيحة : دينا الشربينى جدعة ونيتها طيبة ومش خرابة بيوت ولكل من خاض فى عرضها اتقوا الله    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    الأزهر للفتوى: الالتزام بقوانين وقواعد المرور ضرورة دينية وإنسانية وأمانة    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    زراعة بنى سويف تعاين مزرعتى ماشية و4 للدواجن وتصدر 6 تراخيص لمحال أعلاف    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    وزارة «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 4 محافظات    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يمنع عبور شاحنات المساعدات المحملة بالخيام والبطاطين إلى غزة    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    جهاز مستقبل مصر يقود سوق القمح نحو الاكتفاء الذاتى عبر زيادة المساحات الزراعية    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    منتخب مصر يستعيد جهود مرموش أمام كاب فيردي    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    الفسطاط من تلال القمامة إلى قمم الجمال    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا نهضة للشرق فى غياب الاسلام
نشر في التغيير يوم 05 - 05 - 2012

يرتبط النهوض والاصلاح والاستقرار فى الشرق ارتباطا قويا بالفكرة الدينية. وهذه حقيقة من حقائق الحياة يؤكدها التاريخ وتؤكدها كل الدلائل الموضوعية سواء ما يتعلق بالشرق (بشرا وحجرا) أو ما يتعلق بالدين (عقيدة وتعاليم). ومن كمال التشريع الإسلامي وتمامه أنه لم يشرع نموذجا محددا تحديدا تفصيليا لصورة الحكم وشكل الدولة في المجتمع المسلم.. وعلى الرغم من أننا نجد مثلا نصوصا تفصيلية محددة بمنتهى الدقة في بعض المسائل المالية والشخصية (الديون والطلاق والزواج والميراث)، فإن هذا التفصيل المحدد لم يشمل قضية السلطة داخل المجتمع.. والعليم الخبير سبحانه وتعالى أعلم بمن خلق، فهو سبحانه يعلم أن قضايا السلطة والحكم متغيرة في كل عصر، فوضع لها إطارا عاما وترك ملأه بالتفاصيل المتجددة دوما للمسلمين في كل عصر.
لكنه سبحانه أمر بتحديد مجموعة من المعايير الأخلاقية العامة تتوافق مع القانون الإنساني العام في كل العصور، مثل العدل والمساواة والقبول والرضا من الناس, وجاء الإسلام بمجموعة من التشريعات تضبط حركة المجتمع وعلاقات أفراده ببعضهم وبغيرهم.. وهذا الأمر يتفق عليه كبار رجال الفكر الأصولي الإسلامي كالجويني وابن تيمية وابن القيم والعز بن عبد السلام، ناهيك عن أئمة المذاهب الكبرى. كلهم تقريبا رأوا أنه يكفي عدم مخالفة الشريعة في شيء حتى يكون كل شيء شرعيا.. فلم يشترطوا وجود نص شرعي باعتبار أن الأصل في كل شيء الإباحة والسماح إلا ما تناولته الشريعة بتحديد معين.
فيرى ابن القيم أن السياسة الشرعية هي عدم مخالفة الشريعة الإسلامية.. ويرى ابن خلدون أن الحكم الإسلامي هو إقامة مصالح العباد في الدنيا والآخرة.. ويرى العز بن عبد السلام أن مدار الشريعة دفع المفاسد وأسبابها وجلب المصالح وأسبابها، وحتى في عصرنا هذا يرى الشهيد عبد القادر عودة مثل هذا الرأي، وقد حاول في كتابه (التشريع الجنائي) تطبيق هذه الرؤية للتقريب بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية. وكلمة (المصالح) من الكلمات الأثيرة لدى فقهائنا الأوائل للتدليل على كلمة (السياسة) في الفهم الإسلامي باعتبار أن السياسة هي (القيام على الأمر بما يصلحه).
الخلافة الراشدة فكرة لا نظام
نموذج (الخلافة الراشدة) هو أقرب ما يكون إلى حالة من حالات التصور الإسلامي (للقيم العليا) التي تحكم الممارسة السياسية دون وجود نماذج وأشكال محددة لهذه الممارسة، ونستطيع أن نفهم من ذلك أن (الخلافة المنشودة) هي العدل والمساواة والحرية ومكافحة الفساد السياسي والاجتماعي، وهي أيضا حكم ديمقراطي مدني.. وهي في التصور الأمثل منظومة شاملة للعلاقة بين الدولة والمجتمع في ظل الشريعة، وليس هناك أي إلزام على الأمة بتكرار التجارب التاريخية على نحو ما كانت عليه في الماضي، فالتفصيلات التطبيقية مختلفة من جيل إلى جيل، ومن زمن إلى زمن.
وأريد أن أوضح شيئا بهذا الصدد، وهو أن الحكم الأموي والعباسي لم يكونا ذوي صبغة إسلامية للحكم بالمعنى الكامل والمطلوب للكلمة.. وتطبيقهما للإسلام كان نسبيا، وعليه مأخذ، واتخذت فترة الخلافتين طابعا خلافيا في معظم الوقت أدى إلى حروب داخلية بين المسلمين ما زال بعضها قائما إلى اليوم للأسف الشديد، وبالتالي فتجربة الحكم والسياسة بعد عمر بن الخطاب لا تمثل نموذجا سياسيا يمكن القياس عليه بشكل نموذجي؛ لأنه ببساطة لم يستوف الشرعية الكاملة كما ذكر عدد كبير من العلماء، وما كان قبول الأمة بكل أشكال الحكم بعد الخلافة الراشدة إلا من باب الأمر الواقع والخوف من الفتنة، (وقرأنا عن شرعية جديدة اسمها شرعية المتغلب)، وتغاضى العلماء والمفكرون عن شرط القبول والرضا الشعبي العام في مقابل الحفاظ على القيم الإسلامية وتحقيقها في المجتمع.. أو كما يقول البعض: تغاضوا عن شرعية السلطة في مقابل شرعية الحكم والممارسة.
تطابق البيعة والقبول الشعبي
شرعية السلطة في الإسلام تكاد تتطابق في تحققها مع النموذج الديمقراطي القائم الآن في المجتمعات المتقدمة.. وهي (البيعة العامة) في الإسلام و(القبول الشعبي العام) كما في الانتخابات الحرة في أي دولة محترمة.. في جانب شرعية (الحكم والممارسة) قد يكون فيه نقاش، خاصة حول مسائل الحرية الشخصية والاختلاف مع الآخر وتطبيق الحدود المقطوع بها شرعا وتوفر شروط تطبيقها.
من المهم أن نتفق أولا على أنه ليست هناك سلطة دينية في الإسلام سوى سلطة النصيحة والدعوة إلى الخير بالموعظة الحسنة بالمعنى الاجتماعي والأخلاقي.. السلطة السياسية في الإسلام قد تكون لها وظائف دينية، ولكنها مدنية المظهر والجوهر، وهي سلطة تقوم على أسس سياسية وعقلانية تقدر المصالح بالدرجة الأولى.. وتطلق حركة العقل البشري في كل شيء لا يخالف الشرع ولم يتناوله الشرع لطبيعة التغيرالدائم في الدنيا.. وهو ما سماه العلماء (مساحة العفو التشريعي)، وليس جديدا القول إن النصوص القطعية الدلالة والثبوت والمجمع عليها قليلة للغاية.
وبالتالي فهناك مجال واسع جدا للحركة للأمام بالإسلام في تصالح كامل مع الدنيا عبر كل العصور.. وفي تفهم وتعاون واشتراك مع آخرين قد لا يتقاربون مع شمولية الإسلام بالدرجة المطلوبة، فكلنا نتفق بشكل قاطع ونهائي على مدنية السلطة وعقلانيتها وعلى حرية الاجتهاد في كل مجالات الحياه تقريبا.
وأنا لا أتفق مع الشهيد سيد قطب فيما ذهب إليه من أن (الاجتهاد الفقهي الآن يؤدي إلى ترقيع المجتمع الجاهلي باجتهادات إسلامية)..المجتمع ليس جاهليا، والاجتهاد إعمال لنعمة من أهم النعم، وهي نعمة العقل والتفكير وإقامة الدين في الدنيا.. ثم سنة الله في التدرج قائمة إلى يوم الدين وفق المفهوم التربوي للزمن.
ويجدر بي هنا أن أؤكد من خلال إيماني وقناعتي أنه لا اجتهاد مع النص القطعي، كما أنه لا يجوز تبديل الأحكام الإسلامية في التشريعات، فإذا حرم الإسلام الخمر والربا فلا يجوز القول إن الإسلام يبيحهما، فليس من المقبول تبديل الأحكام الشرعية والتقول على الله، لكنه من المقبول جدا التوافق مع الآخرين في المجتمع وتحقيق مساحة كبيرة من التقاطع بين أحكام الشريعة والقانون الإنساني للوصول إلى تصور المجتمع المنشود تحت ظلال العدل والحرية والكرامة، وهذه هي الأهداف العليا للشريعة وتحقق مقاصدها، وأقول هنا تتمة لهذا المعنى إن الجرأة الإيمانية التي دفعت عمر لتوقيف (عطاء المؤلفة قلوبهم) وتوقيف (حد السرقة) لغياب شروط التطبيق والتطابق بين (الإنسان والنص والوقت)، هذه الجرأة الإيمانية لا تنقص المؤمنين بوحدانية الله وبرسالة نبيه صلى الله عليه وسلم في أي عصر من العصور، (فلا يخلو زمن من قائم لله بحجة).
القبول بقيم المدنية والتعددية والحريات العامة
أعود وأؤكد أن تعزيز قيمة المواطنة والمسئولية المدنية والأخلاقية والنصح العام والخاص بصون الأخلاق العامة وحماية الأسرة والحفاظ على المجتمع وإشاعة الرحمة والتراحم في جنباته لهي قيم الإسلام العظيم.. وسيادة هذه القيم ستنقل المركزية من السلطة السياسية بخشونتها وجفائها إلى السلطة الاجتماعية بحنانها وتعاطفها، وذلك من خلال المنظمات الأهلية والمؤسسات التربوية والاجتماعية والمساجد والمراكز الثقافية والبحثية والحض على شرف وكرامة العمل التطوعي.
انطلاقا من هذه التصورات المبنية على القبول بمدنية السلطة والتعددية الدينية والفكرية والسياسية وحقوق الأقليات والحريات العامة والخاصة ضمن السياق الاجتماعي العام والتقاليد المرعية مع وجود قواعد وضوابط أخلاقية لها طابع إسلامي -سمح بلا غلو ولا إهمال ومتوافق عليه من الأغلبية- للحريات الشخصية والعامة والفنون والآداب.
انطلاقا من كل ذلك فأنا أرى أن ما يجمعنا كإسلاميين بغيرنا ممن لا تتطابق رؤيتهم وفهمهم للإسلام مع رؤيتنا وفهمنا لهو أكثر من الكثير.. وإن(إراقة) الوقت في هذه الفترة من تاريخ الوطن أشد خطرا ووقعا من (إراقة) الدماء، والعياذ بالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.