الحقيقة المؤكدة أن هناك ثورة قامت، وثوار حقيقيون أطهار أشعلوا جذوتها وسفكت دماء غالية من أنبل وأشرف الشهداء الأبرار، وأن الله سبحانه وتعالى لن يضيع هذه الدماء هباء. أما الحقيقة الكبرى فهي إكتشاف روح مصر والمصريين، ومصرع الخوف، والقدرة على تكرار الحدث الثوري مرات ومرات- ولكن للأسف- بمزيد من الألوان الساخنة إلى أن نودع— بلا رجعة إن شاء الله- ماضيا لا نتطلع إلى تكراره، ونستشرف مستقبلا واسعا، تغالبنا القوى المضادة القريبة والبعيدة كي لا نستولده. أرأيتم كم من المؤامرات وكم من الخفاء وكم من الاستهانة بالشعب كبيره وصغيره؛ جل سبحانه حين وصف في كتابه المتآمرين بقوله: «شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورا»، (الأنعام: 112). وإن كان ثمة "تكتيك" أو اتفاقية تقسيم ثلاثية الأبعاد وبعداً رابعاً لا يخفى، أما آن للإخوان- بعد فرص ضائعة متوالية- تقدير موقفهم وموضع ثقتهم وفضل الثوره وصحوة الشعب في الركن الذى يعصمهم. وإذا كان للمشروع الإسلامى أن يقدم فارسا فإما أن يكون الشاطر أو أبو الفتوح ولا تنقسم العصا؛ هذه ليست مرحلة فروق فرديه. ترشح عمرو موسى خطيئة كبرى وترشح أحمد شفيق استخفاف مهين، أما ترشح عمر سليمان فشيطنة يجب التصدى لها ومنك لله يا برادعي في ترددك إذ أجلت مشروعك أربع سنوات، ومنكم لله يا إخوان لأنكم لم تختاروه مرشحا؛ وهو ما كان يبدو ائتلافا جيدا وعقلاتيا، وغير مشوب بعوار، ويقبله كثير من الأطياف. دروس التاريخ لا تستوعب بسهوله؛ سيدفع كل فريق (فرط فى حمل الأمانة) عاقبة تفريطه أو فعله أو نكوصه عن الفعل الواجب والله يمهل ولا يهمل؛ وإن كان الأمس منا قريبا فليس الغد عنا ببعيد. وكما انكسر الطغاة من قبل وخسف ببعضهم في ديارهم وملكهم، وكما خسأ الطاغية الأخير أمام ملئه وحشوده، سيندم كل من فرط في حقوق الله والشعوب، وأدعو الله سبحانه وتعالى ألا يدفع شعبنا وشبابنا أكلافا باهظة مرات أخرى. إن صح ما أتذكره، يقولون في المنطق إذا لم تستطع الاختيار ب«الانتقاء الإيجابي» فعليك بالحد الأدنى ب«الاستبعاد السلبي». فإن صح أن نستبعد الفلول ونستبعد تشتيت أصواتنا ونستبعد الخوف الزائد من إعطاء الفرصة لتجربة جديدة، ونستبعد الخوف من التدرج في التحول (وليست تجربة ماليزيا عنا ببعيدة وكذلك تجربة تركيا القريبة) فالمنطق يدعونا إلى المرشح المرجح أغلبيته فى مواجهة مرشحي الفلول. فإن كان هذا المرشح هو مرشح الإخوان كما جرت الأمور في الانتخابات البرلمانية وبسبب ضخامة آلة الحشد لديهم فليكن. لكن ليست الليلة كما البارحة، خاصة وأن مرشحَيّ الإخوان عسيرَيّ الهضم. إن الأكثر قبولا لدى الجماعة الوطنية هو«أبو الفتوح» بشرط أن تكون أصواته- بعد تفتت غير متكافئ بينه وبين الإخوان والسلفيين- ترجحه على مرشحي الفلول. وكأني أنصت لرجع التاريخ يؤذن بجلوس الطالب الذى صاح فيه الفرعون الأسبق: «قف مكانك» في مكان ذلك الفرعون؛ وتلك الأيام يداولها سبحانه بين الناس. فصل الخطاب في وقفة صلبة في الأيام المقبلة: لا لأن تكسب الفلول السادرة في غيها المستهينة بثورة الشعب ولا لريح الديكتاتورية الخبيثة أن تهب مرة أخرى .. ولا لأن نغرق في تسونامي من الغضب لا تبقي ولا تذر وأكلافها أكبر من أن تبرر أو تسدد. اللهم سلم. إنها معركة حقيقية ولكل منا دور فيها! وكل على قدر عزمه وكل بقدر ما يسر له. فالعقل أمانة والاختيار أمانة وعلينا أن نحسن الجمع بين الأمانتين. اللهم الطف بنا وبمصرنا فيما يحمله الغد من مفاجآت. اللهم إنا نسألك مستقبلا أفضل لمصر تحق فيه الحق وتبطل فيه الباطل، وتيسر لها سبيلا يليق بعبادك فيها وبماضيها وبما ادخرته لها في علمك وغيبك من خير ورفعة وصلاح. الخلاصه: نختار المرشح الذي «يتحملنا ونتحمله»، والمرجح له أغلبية كافية في مواجهة مرشحي الفلول ومخلفات النظام البائد مع الاعتذار لمن لا يقدر أو يتفهم هذا الاختيار. سأختار «أبو الفتوح».