وجدت دراسة نفسية (عسكرية) أميركية أن استهلاك مادة الكافيين المنبهة يحمي من السلوك المتهور الذي ينزع نحو المجازفة وركوب المخاطر، وعادة ما يحدث ذلك لدى الحرمان الكامل من النوم لعدة ليال متتالية. قدمت حصيلة الدراسة بالمؤتمر السنوي الثالث والعشرين للجمعيات العلمية المهنية المهتمة بمشكلات النوم، الذي انعقد مؤخراً بعنوان "SLEEP2009"، وعرض نتائجها المؤلف الرئيس للدراسة "الميجور" الدكتور وليم سكوت كِلْغور، الباحث بكلية طب جامعة هارفرد ومعهد والتر ريد للأبحاث بالجيش الأميركي. تشير نتائج الباحثين إلى أنه برغم الحرمان الشديد من النوم، فإن المتطوعين المشاركين في الدراسة، الذين تلقوا بعض الكافيين، لم يظهروا نزوعاً نحو السلوك المتهور أو الخَطِر في اختبار أجري بواسطة برنامج حاسوبي، شائع الاستخدام بين الباحثين، لقياس الميل نحو السلوك المجازف، ويسمى البرنامج بارت (BART). نقطة الانفلات بالنسبة للمشاركين الذين تلقوا علاجاً إيهامياً من نشا وسكر (بلاسيبو)، بدلاً من الكافيين، لم تتغير درجة التوجه نحو المجازفة في سلوكهم بعد 51 ساعة حرمان من النوم عن المستوى القياسي المعروف لمقياس بارت، لكنهم أظهروا زيادة في النزوع نحو المجازفة بعد 75 ساعة حرمان من النوم. المجموعة التي تعاطت الكافيين لم يتغير سلوكها نحو المجازفة عن المستويات القياسية عند كل من 51 و75 ساعة من اليقظة المتواصلة، وكان سلوكها أقل توجهاً بوضوح نحو المجازفة، من المجموعة التي تلقت العلاج الإيهامي (البلاسيبو). بحسب الباحث الميجور كلغور، لا يصح النظر إلى تأثير الحرمان من النوم في التوجه نحو المجازفة كعلاقة خطية (طردية) بسيطة بالضرورة. لكن هناك نقطة "انفلات" أو انقلاب سلوكي معينة يظهر الشخص المحروم طويلاً من النوم عندها تسيباً مفرطاً في قدرته على كبح جماح أي سلوك معين. في هذه الدراسة، يبدو أن الكافيين يحمي بالفعل من الوصول إلى نقطة "الانفلات". فالأشخاص الذين استمروا مستيقظين لثلاثة أيام متتابعة، أصبحوا سلوكياً أكثر تهوراً وتصرفوا باعتبار أو تدبر أقل بالنسبة للعواقب. لكنهم لو تناولوا بعض الكافيين كل ليلة بما يعادل كوباً أو اثنين من القهوة كل ساعتين بين منتصف الليل والفجر، كما فعلت مجموعة الكافيين، لن يظهروا توجهاً أكثر نحو السلوك المجازف. شارك في الدراسة 25 متطوعاً مشاركاً، هم 21 رجلاً وأربع نساء، أعمارهم بين 20 و35 عاماً، وقد حرموا من النوم لثلاث ليال متتابعة. عشوائياً، تلقى بعض المشاركين بلاسيبو أو 200 مليغراماً من مادة الكافيين كل ساعتين، وذلك بين الساعة الواحدة صباحاً والساعة السابعة صباحاً خلال ليال الحرمان من النوم. اختبار أقصى الحدود في منتصف كل صباح، شارك المتطوعون في اختبارات القيام بمهام سلوكية لقياس درجة المجازفة في سلوكهم باستخدام برنامج بارت الحاسوبي، حيث يُطلب منهم نفخ بالونات افتراضية. ثم تمّ حساب حجم البالونات التي نُفخت قبل انفجارها، وكلما زاد حجم البالون، نظراً للتروي وعدم الاندفاع في وتيرة النفخ، زادت قيمته الحسابية. اهتمت الدراسة بالنظر في الانعكاسات السلوكية لأقصى مدى للحرمان من النوم، حيث معظم الناس لا يشهدون هذه التأثيرات تحت الظروف العادية. بيد أن دراسة سابقة أظهرت أن الأشخاص الذين اقتصر نومهم على ثلاث ساعات كل ليلة لمدة أسبوع أظهروا زيادة مضطردة في التوجه نحو السلوك المجازف خلال أداء نفس المهام. لذلك يحتمل وجود نقطة "انفلات" مماثلة هناك، وهي تحدث خلال فترات أطول من الحرمان المزمن من النوم، بيد أن مزيداً من البحث ضروري في هذا السياق لإثبات هذه الفرضية. يشار إلى أن هذا المؤتمر السنوي للأبحاث المتصلة بمشكلات وظواهر النوم يمثل لقاء عالمياً يشهده نحو 6 آلاف باحث ومعالج في مجال طب وصحة النوم، حيث تقدم وتناقش النتائج المستجدة والتطورات الطبية ذات الصلة بالنوم واضطرابات النوم، مثل الأرق والنوم المفاجئ وتوقف التنفس أثناء النوم. الكافيين يحمي ذاكرة والقدرات الإدراكية وكانت دراسة فرنسية قد وجدت منذ عامين تقريباً أن الكافيين يساعد النساء المسنات على وقاية ذاكرتهن ومهارات التفكير لديهن من التراجع. أجرى الدراسة باحثون من المعهد الوطني (الفرنسي) لأبحاث الطب والصحة (INSERM)، بمدينة مونبلييه، ونشرت نتائجها الأكاديمية الأميركية لعلم الأعصاب. وجد الباحثون الفرنسيون أن المسنات في سن 65 عاماً أو أكثر، اللاتي يتناولن يومياً ثلاثة أكواب من القهوة أو ما يعادلهن من الشاي، يشهدن تراجعاً أقل في نتائج اختبارات الذاكرة التي أجريت لهن، مقارنة بمسنات يتناولن يومياً كوباً واحداً أو أقل من القهوة أوالشاي. قام الباحثون بتعديل نتائج الاختبارات، فاحتسبوا دور عوامل أخرى مؤثرة في قدرات الذاكرة، كالعمر ولتعليم والعجز والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم والأدوية وأمراض القلب والشرايين وأخرى مزمنة. ورغم ذلك استمرت مؤشرات ودلالة النتائج تجاه دور الكافيين في وقاية الذاكرة. تقول الدكتورة كارن ريتشي مؤلفة الدراسة إن الكافيين منبه عصبي ويبدو أنه يخفض التراجع الإدراكي لدى النساء. ورغم توافر بعض المعرفة حول آلية عمل الكافيين بيولوجياً، لا تزال الحاجة قائمة لفهم أفضل حول كيفية تأثير الكافيين على الدماغ، قبل البدء بزيادة استهلاكه كطريقة لخفض التراجع الإدراكي. لكن النتائج تثير الاهتمام فعلاً. فاستخدام الكافيين أصبح واسع الانتشار وأعراضه الجانبية أقل من أعراض علاجات التراجع الإدراكي الأخرى، ويتطلب استخدامه كميات قليلة للحصول على تأثيرات مفيدة. شارك في الدراسة عينة من 7 آلاف، وقد تم تقييم ومتابعة استهلاكهم للكافيين وقدراتهم الإدراكية على مدى أربع سنوات. أبدت النساء المسنات اللاتي استهلكن يومياً أكثر من ثلاثة أكواب من القهوة تراجعاً أقل في الذاكرة، مقارنة بالنساء اللاتي تناولن يومياً كوباً واحداً أو أقل. كذلك، ظهر أن فوائد الكافيين للذاكرة تزداد بزيادة العمر. فالمسنات عند سن 65 عاماً أقل عرضة لتراجع الذاكرة بنسبة 30 بالمائة، لكن النسبة ترتفع إلى 70 بالمائة عند سن 80 عاماً نتيجة لاستخدام القهوة أو الشاي. لكن تلفت الدكتورة ريتشي إلى أن استخدم القهوة من قبل المسنات لا يبدو أنه يخفض احتمالات إصابتهن بخرَف الشيخوخة. وهذا يعني الحاجة إلى دراسة أوسع نطاقاً وأطول أمداً للنظر فيما إذا كان الكافيين يمنع الخرف، أو يستطيع تأخير أو إبطاء عملية الإصابة بالخرف بدلاً من منعه. تقول الدكتورة ريتشي أن الباحثين ليسوا متأكدين بعد من سبب عدم ظهور نفس نتائج تأثير الكافيين على ذاكرة الرجال. فقد تكون النساء أكثر حساسية لتأثيرات الكافيين. وربما تستجيب أجسامهن بشكل مختلف لنفس المنبه العصبي، أو ربما يتم التمثيل الغذائي (الأيض) للكافيين لديهن على نحو مختلف.