دفع الإخوان بفرس الرهان، خيرت الشاطر، وغالب الظن أن الدفع بالشاطر كمرشح رئاسي ليس عن اقتناع مجرد بقدراته السياسية أو عقليته الاقتصادية، فمما لا شك فيه أن الشاطر لن يقدم طرحاً اقتصادياً قوياً يضاهي الرؤية الاقتصادية الدقيقة للمرشح حازم صلاح أبو إسماعيل أو الرؤية السياسية العميقة للمرشح عبد المنعم أبو الفتوح، لكن الدفع به كمرشح رئاسي هو في الأساس لعب على أوتار القلوب والعاطفة. الإخوان يعلمون جيداً أن الشارع المصري أظهر تعاطفاً كبيراً مع المرشحين الإسلاميين أبو إسماعيل "الإخواني السابق" وأبو الفتوح "الإخواني المبعد" وهو ما يجبرهم على طرح اسم يحقق ذات القدر من التعاطف الشعبي إضافة إلى سهولة الإقناع بقدراته الاقتصادية بحكم كونه رجل أعمال ناجح. ويعلم الإخوان أن ذلك التعاطف - الذي لم يتحقق في معظم قيادات الإخوان - اكتسبه الشاطر منذ أن تم اعتقاله عام 2006 ومجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين وعلمائها ورجال الأعمال البارزين بها بلغ عددهم 40 قيادياً، وتمت إحالتهم إلى محاكمة عسكرية استثنائية وسرية منعت عنها وسائل الإعلام، وبعد ما يزيد عن سبعين جلسة من المحاكمة وفي 15 أبريل 2008 أصدر اللواء عبدالفتاح عبدالله علي - من سلاح المشاة - أحكاماً مشددة بالسجن ومصادرة الأموال على 25 متهماً كان نصيب الشاطر فيها سبع سنوات وهي أقصى عقوبة شهدتها المحاكمات العسكرية للإخوان في عهد مبارك. وبصرف النظر عما أثاره ترشح الشاطر من آثار وتداعيات وهجوم حاد على جماعة الإخوان وحزبهم الحرية والعدالة، فإن الأكثر أهمية هو طرح التساؤل حول ما سيحدث إذا فاز الشاطر وما سيحدث إذا خسر. الشاطر رئيساً "خيرت الشاطر أول رئيس جمهورية منتخب لمصر" قد نستيقظ بعد أيام قليلة قادمة لنجد أن هذا هو العنوان الرئيسي للصحف المصرية، ليصبح شعار المرحلة "الإخوان يستحوذون". الرئاسة للإخوان، التشكيل الوزاري للإخوان، البرلمان بغرفتيه للإخوان، الإعلام بمؤسساته مرئي ومقروء ومسموع للإخوان، حتى السلطة القضائية ستكون للإخوان – بعد أن تنجح السلطتان التنفيذية والتشريعية بالإضافة لرجال الإخوان بالقضاء في استمالتها، بالإضافة إلى الدستور الذي سيضعه الإخوان، وهو الأمر الذي بدأ يثير الريبة في صدور الساسة. تخوف بدا واضحاً في تصريحات العديد من السياسيين، من الآن وقبل نجاح الشاطر الفعلي في انتخابات الرئاسة، فقد اتهم عدد من المثقفين والكتاب ورؤساء الأحزاب السياسية جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة بالسعي للسيطرة على مؤسسات الدولة عبر الاستحواذ على مجلسي الشعب والشورى والجمعية التأسيسية ثم الرئاسة، مؤكدين أن الشعب المصري الذي أطاح بحزب احتكر السلطة - الحزب الوطني - لن يقبل هذا الوضع من جانب الجماعة. حتى الأعضاء السابقون بالحزب الوطني المنحل والذين عاصروا أسباب سقوطه، أعربوا عن اندهاشهم من سير الإخوان على نفس نهج الوطني وكأنهم لم يستوعبوا الدرس. يقول الدكتور حسام بدراوي رئيس الهيئة العليا لحزب الاتحاد والعضو البارز بالحزب الوطني المنحل، إنه يرى مشهد الحزب الوطني يتكرر أمام عينيه طبقاً لتصرفات جماعة الإخوان وحزبها الذي يمثل الأكثرية داخل مجلس الشعب، مشيراً إلى أن الإخوان يرغبون في الاستحواذ على كل شيء ويديرون البلاد بنفس الطريقة التي كانت تُدار بها في عهد مبارك منتقداً وضع الدستور بتلك الطريقة التي تشير إلى أن الدستور لن يستمر طويلا و"يسخط المواطنين عليه" . قد يأتي الشاطر بانتخابات نزيهة أيده فيها غالبية الشعب ، وبدون صفقة مع المجلس العسكري ، إلا أن حالة السخط السياسي بين أروقة الساسة والمفكرين ستنسحب بالتأكيد على الجماهير ، فما من أحد ليقبل أن تدخل مصر في نفق جديد من الركود السياسي تستحوذ فيه فئة وحيدة على السلطة بكافة أشكالها . الشاطر خارج المنافسة "..... يفوز بالرئاسة والشاطر خارج السباق بعد منافسة شرسة"، وربما خرجت الصحف معلنة خروج الشاطر من السباق، وحينها لن تكون هذه هي الخسارة الوحيدة لا للشاطر ولا للإخوان المسلمين. حينما ضحى الإخوان ب "مصداقيتهم"، جاءت تلك التضحية على أمل أن تحظى الجماعة بالرئاسة، وهي صفقة قد تكون عادلة – وفقا لمنطقهم - إذا ما وضعت المصداقية في مقارنة مع رئاسة مصر ، لكن ماذا يمكن أن يصبح وضع الإخوان إذا ما خسروا المصداقية ثم خسروا بعدها الرئاسة وهو أمر وارد بقوة . قد تأتي الانتخابات بمرشح من خارج التيار الإسلامي، وهو أمر غير مستبعد بعد "تفتيت" أصوات الإسلاميين بين أكثر من مرشح وبعدما أحدثه الشاطر من "خلخلة" في صفوف مرشحي الرئاسة ذوي المرجعية الإسلامية، ليدخل الإخوان في فصل جديد من فصول الصراع مع السلطة التنفيذية – التي خسروها – إضافة إلى التهديدات الدستورية بحل البرلمان وهو الأمر الذي قد يعيد الإخوان إلى نقطة الصفر. يقول اللواء نبيل فؤاد، أستاذ العلوم الإستراتيجية "إن الإخوان سيقاتلون قتالاً شرسًا من أجل فوز المهندس خيرت الشاطر برئاسة الجمهورية حفاظًا على مكاسبهم وخوفًا من أن يعودوا جماعة محظورة" ، وهو ما يعني أن فوز الإخوان في انتخابات الرئاسة قد يكون هو المخرج الوحيد لاستمرارهم في التواجد على الساحة السياسية. أما إذا تحدثنا عن فوز أحد المرشحين ذوي المرجعية الإسلامية فإن التوقعات تصب غالبا في خانة أبو إسماعيل وأبو الفتوح، وهما رجلين خسرهما الإخوان تماما بعدما رفضوا تأييدهما ودعم أي منهما، وما سيولده الصراع الشرس في الانتخابات من علاقات متوترة مع الرجلين. ويبقى الأمر الثابت، أن خسارة خيرت الشاطر مرشح الإخوان للرئاسة هي دليل لا يقبل الجدل على تراجع شعبية الإخوان وعلى انعدام قدرتهم على الحشد في أقوى سباق انتخابي يدخلونه، وهو ما ينم عن فقدانهم للجماهير وربما إلى الأبد. لا ريب أن الإخوان وضعوا أنفسهم بين شقي الرحى، إما أن يصبحوا في أعين الشعب سائرون على نهج الحزب المنحل بديكتاتوريته وتسلطه، وإما يضحوا بمصداقيتهم وإلى الأبد.