منذ نجاح ثورة مصر المباركة أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في العديد من التصريحات طمأنتها للقوي السياسية المخنلفة في المجتمع بأنها تدعو إلى المشاركة لا المغالبة. فمثلا أكدت الجماعة على لسان أكثر من مسئول أنها لن تنافس على أكثر من خمسين في المائة من مقاعد الشعب والشوري وأنها لن تدفع بمرشح رئاسي وأن اللجنة التأسيسية للدستور سيتم اختيارها من خلال توافق القوي المجتمعية المختلفة، وأنها ستمثل كافة أطياف المجتمع. وللتأكيد على منحي عدم ترشيح عضو في الجماعة للمنصب الرئاسي قامت الجماعة بفصل الدكتور عبد المنعم أبو القتوح رغم إعلانه أنه ليس مرشح الجماعة وأنه بمجرد إعلانه الرسمي للترشح فسيقوم بتقديم استقالته من الجماعة. في المقابل طالما شككت القوي السياسية الأخري في مصداقية الإخوان وهاجمت تصريحاتهم متهمة إياهم بالتناقض في بعض الأحيان أو الكذب والخداع في أحيان أخري، بحق في مرات وبغير حق في مرا ت أخري. فعلي الرغم من السقف الذي وضعه الإخوان لنسبة مرشحيهم في البرلمان فمن المؤكد أنه في المحصلة النهائية نافس النحالف الديمقراطي بزعامة الحرية والعدالة تقريبا على كل مقاعد البرلمان رغم حصولهم في النهاية علي أقل من خمسين في المائة من المقاعد. أما اللجنة التأسيسية للدستور فقد كان تعيينها جبريا وليس توافقيا ( اللهم إلا مع حزب النور السلفي والذي يمثل اتجاها إسلاميا محافظا كالإخوان المسلمين)، والآن يمهد الإخوان لنقض ماتبقي من تعهدهم للشعب لعدم تقديم مرشح رئاسي من الجماعة من خلال اجتماع لمجلس شوري الجماعة لحسم الأمر. بداية نقول إن حسم هذا الأمر من قبل مجلس شوري الإخوان وليس من قبل الهيئة العليا لحزب الحرية العدالة يعزز من شكوك العديد من القوي السياسية والثورية والشبابية باستقلالية الحزب عن الجماعة ويبطل مقولة الجماعة إن الحزب لديه مساحة وحرية إرادة في اتخاذ القرارات الكبيرة بمعزل عن قيادة الجماعة. ثانيا: إن فصل د.عبد المنعم أبو الفتوح لم يعد مبررا عند قواعد الحركة، حيث إنه مرشح قوي يعبر عن القوي الإسلامية المتنورة والمنفتحة على الآخرين والتيارات الوطنية والثورية وإن القول بأن الإخوان لا يريدون مرشحا ذا خلفية إسلامية ليس له مصداقية. ثالثا: إذا كان الإخوان الآن يسيطرون على البرلمان ويطالبون بتشكيل الحكومة القادمة ويهيمنون على اللجنة التأسيسية ويسعون للنزول بمرشح رئاسي من الجماعة فإن ذلك يعني الاستئثار الكامل بكل مفاصل أدوات القوة السياسية وتأكيد منطق المغالبة لا المشاركة. رابعا: لا تستطيع الجماعة الزعم أنه ليس هناك مرشح يمكن أن يعبر عن طموحات وآمال الحركة حيث إن د. أبو الفتوح، (والذي كان من رواد الجماعة لأكثر من ثلاثة عقود ومن قيادييها لأكثر من عقدين كعضو من مكتب الإرشاد) يمثل حقيقة أفكار وطموحات الأغلبية من أعضاء الجماعة، كما أنه شخصية محبوبة ومقدرة من قطاعات كبيرة في المجتمع ليس فقط من جانب الإسلاميين وإنما أيضا من التيارات القومية واليسارية والليبرالية والعلمانية ويمثل القوي الشبابية والنسائية والثورية. إذا نظرنا إلي السيناريوهات المحتملة للتنافس الرئاسي المقبل فيمكننا تسجيل عدة ملاحظات فعلي الرغم من العدد الهائل لمرشحي الرئاسة فإن المنافسة الحقيقية ستكون بين المرشحين المحسوبين على التيار الإسلامي من جانب، ممثلين بالدكتور أبو الفتوح، والدكتور محمد سليم العوا، و الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل، وعلي الجانب الآخر مرشحي قوي ماقبل الثورة ممثلة بالسيد عمرو موسي واللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق الذين كانوا جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك لأكثر من عقدين. كما هو معروف فإن المرحلة الأولي للانتخابات ستقوم بغربلة المرشحين للانتهاء باثنين من المرشحين في مرحلة الإعادة. علي الأغلب سيكون أحد هؤلاء المرشحين السيدعمرو موسي حيث إنه يتمتع بشعبية لا بأس بها، أما المرشح الثاني فسيكون على الأغلب إما الشيخ أبو إسماعيل أو الدكتور أبو الفتوح. الواضح للعيان أن شعبية أبو إسماعيل واسعة وسط التيار السلفي والذي مثل في الانتخابات البرلمانية أكثر من عشرين في المائة، على الجانب الآخر فإن شعبية أبو الفتوح ليست كبيرة فقط عند التيار الإسلامي الإخواني والمعتدل ولكن أيضا لدي تيارات شعبية وطنية وثورية عديدة. هذا التيار مثل أكثر من أربعين في المائة في الانتحابات البرلمانية الأخيرة ؛ لذا فإن نزول مرشح إخواني في التنافس الرئاسي سيكون محصلته اقتسام الصوت الانتخابي لهذا التيار ليكون مرشحي الانتخابات في المرحلة الثانية عمرو موسي وأبو إسماعيل. بصورة مختصرة ستكون النتيجة الفعلية لنزول مرشح إخواني في هذه المرحلة المتأخرة وفي ظل ظروف الاحتقان وعدم الرضي للأداء المتواضع للبرلمان هو إعطاء الشعب خياران أحدهما يمثل تيارا سلفيا محافظا يعارضه معظم شباب الثورة والقوي السياسية، وآخر لا يعبر عن الثورة وإنما عن مرحلة ما قبلها بفسادها وفلولها، فهل هذا ما يسعي إليه الإخوان؟ إن ما يجب أن يقوم به حزب الحرية والعدالة الآن هو المسارعة إلى المصالحة الشعبية مع القوي الثورية والوطنية والفاعلة في المجتمع . لابد أن يلغي البرلمان قرار تعيين اللجنة التأسيسية الهزيلة التي كونها ويعيد تشكيلها لتضم أفضل المفكرين والسياسيين والقانونيين والفقهاء في المجتمع، فهل يعقل أن يكون معظم أعضاء هذه اللجنة من غير المتخصصين ولا يعرفهم أغلبية الشعب أو حتي مثقفيه ومفكريه، كما على قيادة الإخوان أن تنأي بنفسها عن نكث وعد آخر لها للشعب ولا تلقي بمرشح لها، فإذا خسرت الانتخابات فستعاني من هزيمة فادحة لها تنتقص من مصداقيتها في الشارع وتجعل مناوئيها ينشقون عنها. وإذا كسب مرشحها فسيخلق ذلك استقطابا حادا في المجتمع قد يصعب تجاوزه ويقسم المجتمع بدلا من يوحده في مرحلة دقيقة وحاسمة، فقد لا تحتمل البلاد أن تستولي حركة سياسية واحدة مهما بلغت شعبيتها على البرلمان والحكومة والرئاسة بل قد يسبب ذلك مشاكل داخلية وخارجية هي في غني عنها في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة. كما لا يجب أن يصغي الإخوان للأصوات التي تشجعهم على خوض الانتخابات، فعندما يشجع أحد المرشحين كعمرو موسي الإخوان على دفع مرشحهم في حلبة السباق فذلك لأنه يريد أن يفتت أصوات التيارات الإسلامية. باختصار هل يريد الإخوان أن يجعلوا خيار الشعب بين أبو إسماعيل الذي سيولد في المجتمع استقطابا حادا، أو عمرو موسي الذي سيحمي مصالح الفلول والقوي المعادية للثورة؟ هل سيتعالي الإخوان على مصالحهم الحزبية وأهوائهم الشخصية ضد أبو الفتوح ويضعوا المصالح الاستراتيجية العليا للوطن وأهداف الثورة فوق كل اعتبارات كما ذكر أحد الأصوات في الحركة هذا الأسبوع، فقد قال الدكتور محمد البلتاجي على حسابه الشخصي في أحد المواقع الاجتماعية ( علينا كإخوان أن نعترف بأخطائنا التي ساهمت في تباعد القوي الوطنية الثورية عنا...علينا أن ننجح في لم الشمل الوطني الثوري ومعالجة ما ألم به من جراح.) ثم أنهي البلتاجي دعوته بالتلاحم مع القوي الشعبية والثورية بقوله: لست مع تقديم الإخوان مرشحا منهم للرئاسة وأري أنه من الظلم للإخوان وللوطن أن يتحمل فصيل واحد مسئولية الوطن كاملة في مثل تلك الظروف). نأمل أن يسود هذا الرأي المتعقل في اجتماع شوري الإخوان ويعود صوت الحكمة حتي يتم لم شمل القوي الثورية وتوحيد الجماعة الوطنية التي تقود الأمة في هذا الوقت الدقيق من تاريخها.