يظن الكثيرون أن التدرج في الأوامر والنواهي الذي عرفته الشريعة الإسلامية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم هو من خصائص مرحلة الرسالة ، انتهى بقوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" وهذه وجهة نظر لا تفرق بين التدرج والنسخ ، ويترتب عليها إغلاق النص الشرعي المفتوح زمانا ومكانا وأشخاصا ، الأمر الذي يستدعي التفاعل والحوار في موضوع التدرج خاصة وقد بدا صعود الإسلام السياسي أمرا ملموسا والدعوة إلى التطبيق العملي للشريعة الإسلامية مطلبا متكررا ، وفي سياق كهذا يحتاج الأمر إلى ضبط مصطلح التدرج وهنا أشير إلى ما يلي: ما هو مفهوم التدرج؟ وما الفرق بين التدرج باعتباره سنة صاحبت هذه الشريعة منذ نشأتها ولم تفارقها ؟ وبين النسخ باعتباره رفعا لحكم سابق بدليل لاحق لا يصدر إلا من الله ولا يبلغه إلا رسول الله وينتهي بالضرورة باكتمال الدين ورحيل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. ما هو صلة التدرج بمبدأ صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان؟ ماذا يعني التدرج في الخطاب الشرعي أي خطاب الوحي فيما يتعلق بالحلال والحرام؟ ماذا يعني التدرج في التشريع ؟ ماذا يعني التدرج في التطبيق والتنزيل ؟ ماهي صلة التدرج بالثابت والمتحول في الفقه الإسلامي ؟ أسئلة مشروعة يكفي أن نشير إلى مفاهيم إجرائية لها التدرج نعني به التوقف عن تنزيل بعض الأحكام على وقائعها لأسباب خاصة تتعلق بالواقع تغير من أوصافه عن التطبيق الفردي فلا يكون المحل الموصوف في النص موجودا في السلوك ، أو لأسباب عامة تجعل الواقع المشمول بخطاب الوحي تتعارض مآلاته مع مقاصد الشريعة أو تتلبس بقواعد الضرورة ، أو تتقاطع مع مبدأ التيسير ورفع الحرج وما صلة التدرج هنا بما يسمى فقه الأولويات ، وفقه الأقليات ؟ وفقه الواقع ؟ التدرج بالمعنى السابق يعتبر إهداره إهدارا ليقين إيماني ؟ وحركية فقهية أعلت من مبدأ صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان التدرج في الخطاب يعني في نظري تدرجا في الأوامر والنواهي جاء في عصر الوحي وارتبط أصوليا بمفهوم النسخ ، وكلاهما مرتبط بعصر الرسالة وجودا وعدما. التدرج في التشريع يعني إمكانية تقنين الشريعة الإسلامية جزئيا من خلال أهل الاختصاص والمجالس النيابية ، لأسباب كثيرة منها تغير العادات ، وتحولات الثقافة ، وسيادة القوانين المستوردة ، وفي مقدمة هذه الأسباب فساد الزمان بكل معانيه التدرج في التطبيق والتنزيل: يعني إمكانية التدرج بالنقص مثل النظر في تعليق الحدود ، والنظر في تعليل التنزيل كما هو الأمر في المؤلفة قلوبهم ، وإمكانية التدرج بالزيادة كالزيادة في حد الخمر عند من يرونه حدا ، والطلاق الثلاث بلفظ واحد ، واتفاقيات تحرير الرقيق صلة التدرج بالثابت والمتغير تكشف عن سلطة ولي الأمر في بين الضيق والسعة ، ومدى ارتباطها بالحكم التكليفي في المجالين الأصولي والفقهي فإذا كان تقييد المباح يرتبط بالسياسة الشرعية ، فإن قاعدة " لا اجتهاد مع النص " ترتبط بالتزام مفترض وقيد مفروض إذا فهم في سياق الحكم الأصولي. ولعل مبدأ التدرج بحاجة إلى الكشف عن صلاته العلمية ببعض المفاهيم الأصولية منها : صلة التدرج بالحكم التكليفي – الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح صلة التدرج بالحكم الوضعي – الشروط والأسباب والموانع وبعد تلك خواطر وأسئلة تستدعي حوارا جادا أردت بها تحديد الإطار لا مصادرة الحوار ، ولي رأي متواضع في إجابات محدودة على كل سؤال يحسن طرحها في حينه و يكفي الإشارة في ختام هذه الورقة الموجزة إلى منهجية الإمام " الشاطبي " في التعامل مع بعض هذه الأسئلة يقول في " الموافقات " (إن الأمور الضرورية وغيرها من الحاجية والتكميلية إذا اكتنفها من خارج أمور لا ترضى شرعا فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج ، كالنكاح الذي يلزمه طلب قوت العيال مع ضيق طريق الحلال واتساع أوجه الحرام والشبهات ، وكثيرا ما يلجأ إلى الدخول في الاكتساب لهم بما لا يجوز ولكنه غير مانع لما يؤول اليه التحرز من المفسدة المربية على توقع مفسدة التعرض ، ولو اعتبر مثل هذا كالنكاح في زماننا لأدى إلى إبطال أصله وذلك غير صحيح . فلا يخرج هذا العارض تلك الأمور عن أصولها لأنها أصول الدين وقواعد المصالح ، وهو المفهوم من مقاصد الشارع فيجب فهمها حق الفهم فإنها مثال اختلاف وتنازع ، وما ينقل عن السلف الصالح بما يخالف ذلك قضايا عيان لا حجة في مجردها حتى يعقل معناها فتصير إلى موافقة ما تقرر إن شاء الله ، والحاصل أنه مبني على اعتبار المآلات فاعتبارها لازم في كل حكم على الإطلاق وهذه المنهجية الواضحة عند الإمام " الشاطبي "، لا تنفصل عن تطبيقات لها في كثير من الجزئيات التي سبق اليها الإمام " الجويني " في كتابه " غياث الأمم ". ملحوظة: هذه هي نقاط حوار دار عليها ندوة "التدرج في تطبيق الشريعة" الذي عقد بالاشتراك بين مجلة المسلم المعاصر ومركز الحضارة للدراسات السياسية.