بعد مرور أكثر من 80 عاما على رحلة للمفكر النمساوي المسلم محمد أسد أو (ليوبولد فايس) عبر العالم الإسلامي تسترجع الجزيرة الإنجليزية سيرة الرجل الذي نشأ نشأة يهودية ونبغ في العبرية وتعلم التلمود والتوراة ثم اعتنق الإسلام عام 1926 وذهب إلى مكةالمكرمة للحج، ولم يدرك وقتذاك أنه سيصبح جسرًا للتواصل بين الغرب والعالم الإسلامي. وتعرض الجزيرة الفيلم الوثائقي "الطريق إلى مكة" الذي يستلهم السيرة الذاتية للمفكر النمساوي في تقديم الإسلام برؤية جديدة توثق لمراحل التحول في العلاقة المتأزمة مع الغرب، ويمثل الفيلم الذي أخرجه جورج ميش والذي تم إنتاجه بالشراكة بين بلدية فيينا وشبكة التلفاز النمساوية "أو. أر. أف" والقناة الثقافية الألمانية الفرنسية "أرتيه". ويستعرض الفيلم حياة الراحل "محمد أسد" الحافلة بالأحداث المتلاحقة منذ أن ولد في ليمبرج شرق النمسا عام 1900 م وحتى وفاته في غرناطة الأندلسية عام 1992، وما بين هذين العامين انطلق عبر النمسا وألمانيا إلى فلسطين والسعودية وأفغانستان والهند وباكستان وأوكرانيا والولايات المتحدة والمغرب وإسبانيا ليكون شاهد عيان بين حضارتين متغايرتين كل التغاير ليحاول التوفيق بينهما. ويوثق الفيلم لرحلة أسد وما تميزت به من مفارقات كولادته باسم "ليوبولد فايس" الذي انحدر من أسرة يهودية متدينة، وإتقانه العبرية وإلمامه بالتوراة، وإسلامه في سن السادسة والعشرين وسفره إلى الحج على ظهر ناقة ، وعمله مستشارا لمؤسس السعودية الملك عبد العزيز، ومشاركته الزعيم الليبي عمر المختار في النضال ضد الاستعمار الإيطالي، وإسهامه مع العلامة محمد إقبال في تأسيس دولة باكستان. وقد حصد فيلم "الطريق إلى مكة" عدة جوائز في مهرجانات السينما العالمية منها جائزة أفضل تصوير بمهرجان جراتس بالنمسا والجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان أغادير للأفلام الوثائقية، وجوائز أخرى بمهرجانات تورنتو وسراييفو ونيويورك وإسطنبول ونيون بسويسرا. كما حقق الفيلم نجاحا كبيرا طوال أيام عرضه للجمهور في البوسنة والهرسك أواخر العام 2008 واختير وقتها ضمن أفضل الأفلام المرشحة للعرض بمهرجان دبي السينمائي الدولي وخلال أسفار "محمد أسد" المتكررة إلى الدول العربية لامس فظاعة الظلم الذي يعانيه الفلسطينيون والعرب على يد الصهيونية، ومن أجل هذا خاض في القدس مناقشات ساخنة مع قادة الحركة الصهيونية، ومن أقواله: "يجب تقديم الإسلام من دون أي تعصب ، والوسطية بجميع أشكالها هي المطلب الاساسي للاسلام". ومن المواقف المشهورة له رفض تأسيس دولة صهيونية على أرض فلسطين واعتبارها فكرة تهدف لخدمة مصالح السيطرة الأوروبية وتأكيده أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الحقيقيون. وبدأ المخرج جورج ميش اللقطات الأولى لفيلمه من النمسا وألمانيا مستعرضا انكباب ليوبولد فايس على التعليم الديني اليهودي استجابة لرغبة أسرته، ودراسته الصحافة في جامعة فيينا وعمله في برلين مساعدا لمبتكر الأفلام الصامتة المخرج فريدريك مورناو. ويقتفي الفيلم أثار زيارة ليوبولد فايس في سن الثانية والعشرين لعمه في القدس حيث تحولت حياته جذريا بعد أربع سنوات باعتناقه الإسلام متأثرا بكرم وطبائع العائلات العربية والبدو. وينتهي الفيلم إلى المرحلة الأخيرة في حياة المفكر الراحل والتي عكف فيها على الدعوة إلى دين الإسلام عن طريق الترجمة والكتابة تعريفا بكتبه "الطريق إلى الإسلام" و"الإسلام في مفترق طرق" وترجمة معاني القرآن الكريم وصحيح البخاري، إضافة إلى أهمها "الطريق إلى مكة" الذي أصدره في نيويورك عام 1954 وحمل الفيلم اسمه.