جاءني الإسلام متسللاً كالنور إلى قلبي المظلم، ولكن ليبقى فيه إلى الأبد .. والذي جذبني إلى الإسلام هو ذلك البناء العظيم المتكامل المتناسق الذي لا يمكن وصفه، فالإسلام بناء تام الصنعة، وكل أجزائه قد صيغت ليُتمَّ بعضها بعضاً… ولا يزال الإسلام بالرغم من جميع العقبات التي خلّفها تأخر المسلمين أعظم قوة ناهضة بالهمم عرفها البشر، لذلك تجمّعت رغباتي حول مسألة بعثه من جديد" . هكذا تحول الكاتب و الصحفى و المفكر الإجتماعى النمساوى ليوبولد فايس ، اليهودى الأصل ، إلى " طريق الإسلام " ، و هو أحد مؤلفاته الشهيرة و المعروفة أيضا باسم " الطريق إلى مكة " ، ليصبح أسمه " محمد أسد " .
مر أمس 21 عاما على وفاته ، ولد أسد في الإمبراطورية النمساوية الهنجارية عام 1900 ، و توفى فى أسبانيا عام 1992 م ، اسم والده "كيفا" وكان محامياً، وجده لأبيه كان حاخاماً ،درس الفلسفة و الفن في جامعة فيينا ؛ و عمل مراسلاً صحفياً وبعد منحه الجنسية الباكستانية تولى عدة مناصب منها منصب مبعوث باكستان إلى الأممالمتحدة في نيويورك. وطاف العالم، ثم استقر في أسبانيا وتوفي فيها ودفن في غرناطة. ويعتبر أسد أحد أكثر مسلمي أوروبا في القرن العشرين تأثيراً.
برع فى العمل الصحفى ، حتى أصبح مراسلا في الشرق العربي والإسلامي ، وزار القاهرة و التقى حينها بالإمام مصطفى المراغي، فحاوره حول الأديان، فانتهى إلى الاعتقاد بأن "الروح والجسد في الإسلام هما بمنزلة وجهين توأمين للحياة الإنسانية التي أبدعها الله" ثم بدأ بتعلم اللغة العربية في أروقة الأزهر، وهو لم يزل بعدُ يهودياً.
انتقل للعيش في القدس بعد تلقيه دعوة من أحد أقاربه اليهود للإقامه معه ، فى الوقت الذي كانت فيه فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وكتب هناك عدة مقالات مهمة عن قلق العرب من المشروع الصهيونى .
و عكف على دراسة الإسلام دراسة متعمقة ، حتى قرر التحول من اليهودية إلى الإسلام فى 1926 ، أثناء مكوثه ببرلين ، و بعدها بأسابيع أعلنت زوجته إسلامها ، و يذكر الأسد موقف قابله عندما تحامل على المسلمين لتخلفهم الحضارى ، فرد عليه أحدهم قائلا "أنت مسلم، ولكنك لا تدري !". فضحك فايس قائلاً : "لست مسلماً، ولكنني شاهدت في الإسلام من الجمال ما يجعلني أغضب عندما أرى أتباعه يضيّعونه"!!. ولكن هذه الكلمة هزّت أعماقه، و ظلت معه حتى نطق الشهادتان .
أسد كان يعشق الترحال ، فزار العديد من البلدان ، منهم مصر و السعودية و إيران و أفغانستان و جمهوريات السوفييت الجنوبية ، و أثناء ترحاله قابل " عمر المختار " ليبحث معه طرق تمويل المقاومة ضد الإيطاليين ، كما سافر إلى الهند التى كانت تحت الاحتلال البريطانى ، وهناك التقى بالشاعر الكبير والمفكر " محمد إقبال " عام 1932 ، إقبال اقترح عمل دولة إسلامية مستقلة فى الهند ، و التى أصبحت بعد ذلك باكستان ، و أقنع أسد بالبقاء و مساعدة المسلمين فى تأسيسها .
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 اعتقل والدا محمد أسد، وقتلا في وقت لاحق على يد النازيين ، كما أن محمد أسد نفسه اعتقل على يد الإنجليز وسجن ثلاث سنوات باعتباره عدواً.
فور استقلال باكستان عام 1947 وتقديراً لجهوده وتأييده لإقامة دولة إسلامية منفصلة في شبه القارة الهندية، فقد تم منح محمد أسد الجنسية الباكستانية وتم تعيينه مديراً لدائرة إعادة الإعمار الإسلامي. وفي وقت لاحق التحق بوزارة الشؤون الخارجية رئيساً لوحدة شئون الشرق الأوسط عام 1949، ثم تقرر تعيينه بمنصب مبعوث باكستان إلى الأممالمتحدة فى نيويورك عام 1952.
و لكنه تخلى عن المنصب بعد ذلك ، ليتفرغ لكتابة سيرته الذاتية " الطريق إلى مكة " الذى ترجم للعربية أيضا باسم " الطريق إلى الإسلام " .
و الكتاب يصف رحلة الكاتب إلى مكة ، ليعد من روائع كتب الرحلات ، و يقول الأسد فيه واصفا الكعبة عند تأثره برؤيتها لأول مرة :
أسد له العديد من المؤلفات منها منهاج الإسلام في الحكم ، الإسلام على مفترق الطرق ، الطريق إلى الإسلام " الطريق إلى مكة " ، ترجمة وتعليقات على صحيح البخاري ، رسالة القرآن.
و من مقولاته : " الإسلام ليس فلسفة ولكنه منهاج حياة.. ومن بين سائر الأديان نرى الإسلام وحده يعلن أن الكمال الفردي ممكن في الحياة الدنيا، ولا يؤجل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات الجسدية " .
" إن استعداد المجتمع للتعاون وفق مبادئ الإسلام لتحقيق غايته، سوف يظل استعداداً نظرياً ما لم تكن هناك خلافة مسؤولة عن تطبيق الشريعة الإسلامية ومنع الخروج عليها... ومثل هذه المهمة لابد لها من أن توسد إلى مرجع له من السلطة ما يتيح له الأمر والنهى " .
ويقول: "إن الإسلام يحمل الإنسان على توحيد جميع نواحي الحياة … إذ يهتم اهتماماً واحداً بالدنيا والآخرة، وبالنفس والجسد، وبالفرد والمجتمع، ويهدينا إلى أن نستفيد أحسن الاستفادة مما فينا من طاقات، إنه ليس سبيلاً من السبل، ولكنه السبيل الوحيد، وإن الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هادياً من الهداة ولكنه الهادي " .