"رن جوال الأب، فقام بالرد عليه، وبعد الانتهاء من مكالمته فاجأه الابن الصغير بسؤاله: من المتحدث؟ فأجاب عليه الأب بتجهم شديد قائلا: وما شأنك أنت؟ فانصرف الابن وانزوى في مكان بعيد وآثر الصمت". موقف كثيرا ما يقابلنا في حياتنا اليومية، منا من يتصرف معه بحكمة، ويجيب على أسئلة الطفل، ويحاول إشباع فضوله، ومنا من يتصرف بتجهم، ولا يكون لديه سعة الصدر حتى يشبع فضول الطفل، ويجيب على أسئلته التي لا تنتهي، فبمجرد أن يجيب الأب على سؤال الطفل سيبادر الابن بسؤال تلو الآخر دون ملل. ويعد فضول الطفل هو بوابته لاكتشاف ما يدور حوله، ويأخذ الفضول أشكالا مختلفة، فإما أن يأخذ شكل تخريب الأشياء بدافع حب الاستطلاع، وذلك عند الأطفال صغار السن، أو يأخذ شكل طرح الطفل لكثير من الأسئلة على الوالدين، عند الأطفال القادرين على الكلام بهدف الحصول على إجابات لما يحيرهم، الأمر الذي يزعج الوالدين ويجعلهم يصفون الابن بالمزعج. ويعد كثرة سؤال الطفل وتلهفه لمعرفة ما يدور حوله مؤشرا على ارتفاع درجة ذكائه، وهو ما أكدته دراسة حديثة، أشارت إلى أن فضول الطفل قد ينم عن ذكاء خارق، حيث وجد باحثون في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، أن الأطفال الذين كان لديهم فضول وهم في سن الثالثة من العمر واندفعوا للتساؤل باستمرار، سجلوا درجات أعلى في اختبارات الذكاء بحوالي 12 نقطة. وأوضح الباحثون في الدراسة التي نشرتها مجلة تختص بعلم النفس الاجتماعي، أن تشجيع الأطفال على التساؤل بصورة مناسبة من خلال تعريفهم على البيئة من حولهم، وإشراكهم في الحديث، وتنشئتهم في جو يحفز الفضول الذكائي، قد يساعد على تشكيل قدرات إدراكية وذهنية عالية لديهم. ملامح الطفل الفضولي عرف دكتور درداح الشاعر - أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى بغزة - الفضول بأنه شكل من أشكال حب الاستطلاع، وتعبير عن المعرفة الزائدة عن الحد، وأشار إلى أن الطفل الفضولي طفل كثير الأسئلة، يحمل في رأسه دماغاً يقظا، ومتمتع بدرجة كبيرة من الذكاء، ويمتلك نموا فكريا جيدا، كما أنه دائما ما يحاول أن يكتشف العالم من حوله، ويفهم كافة الأمور المحيطة به. بحسب صحيفة فلسطين. وأوضح الشاعر أن هناك ملامح للفضول تظهر على الطفل في كثرة استفساراته عن كافة الأمور، فهو لا يكتفي بالسؤال عن الأمر، إنما يحاول الدخول في تفاصيله، وعند الإجابة عن سؤال من أسئلته يتبعه بآخر دون ملل، ويكون عنده رغبة بالمشاركة حتى في الأعمال التي ليست من اختصاصه. طريق المعرفة وبدورها أشارت الكاتبة هيفاء القحطاني إلى أن الفضول يعد من أهم التمرينات العقلية لدعم تطور التفكير والمعرفة لدى الإنسان، مشيرة في مقال لها بجريدة "الاقتصادية" إلى أن البشر فضوليون بطبعهم، وأن الفضول يبدأ معهم من الميلاد ويتطور باستخدام الحواس المختلفة للتوصل إلى إجابة شافية، فاللمس يقود لمعرفة الفرق بين الحرارة والبرودة، والسماع يمنح الأذن القدرة على تقبل الهدوء والضوضاء كل على حدة، حتى يصل الفرد إلى مرحلة النطق وتكوين الأسئلة حول الأشياء والمواقف المختلفة، ومن ثمّ يأتي واجب الآباء والتربويين في تهذيب الفضول البشري وتوجيهه لا كبته والتقليل من شأنه، فأهميه الفضول تكمن في كونه الطريق الأول لعملية الاكتشاف التي تقود إلى معرفة الأشياء. وعن فوائد الفضول للطفل، تذكر القحطاني أن الفضول يمنح الأطفال فوائد كثيرة، منها تطوير اتجاهاتهم المعرفية وتقبل التغيير والتعامل معه، كما يمنحهم القدرة على التفكير بأنواعه، والتمييز بين المعلومات المختزنة من خبرات سابقة والتي تطرح لأول مرة، مشيرة إلى أن الأسئلة العشوائية التي يسألها الطفل ستقل شيئا فشيئا ويحل محلها البحث والاستنباط وخوض التجارب الشخصية، والتي ستكون وسيلة الفرد في الإجابة على أسئلته، والوصول للمعرفة. وحذرت القحطاني من تعنيف الطفل واستقبال أسئلته بالاستهجان والسخرية، لأن ذلك سيكوّن لديه اتجاهات سلبية تجاه المعرفة، كما أنه قد ينشأ شخصا تابعا قابلا للتطويع، فخبرة تكوين الصداقات تحتاج إلى حسّ فضول يدفعنا لاتخاذ خطوات المبادرة. قواعد عملية وعن كيفية التعامل مع الطفل الفضولي يقول دكتور درداح الشاعر: يجب على المربي أن يحسن التعامل مع فضول الطفل، فهو وسيلته للعلم والمعرفة، كما يجب عليه ألا يقابل المربي فضول الطفل بأسلوب الصد؛ لأن هذا سيؤدي إلى امتناعه عن التفكير بما حوله، وعن الاستفسار في سبيل التطوير الفكري الخاص به، مؤكداً وجوب تجاوب المربي مع فضول الطفل قدر الإمكان، كما يجب على المربي الإجابة على كافة الأسئلة التي يطرحها الطفل حتى ولو كانت محرجة، وعدم التهرب من الإجابة عليها، حتى لا يلجأ لشخص آخر يعرف من خلاله الإجابة. وأضاف الشاعر أن الإجابة عن الأسئلة المحرجة يجب أن تكون بأفضل وسيلة ممكنة، بحيث يفهم الطفل من خلالها شيئا عن طريقة حضوره للعالم دون الخوض في التفاصيل، شريطة أن تتصف إجاباتنا بالمصداقية العالية، أما عند عدم توفر معلومات عما يسأل عنه الطفل، فيجب على المربي الإجابة بصراحة وإخباره أن المعلومة غير موجودة الآن، ولكنه سيبحث عنها، ومن ثم يقوم بالبحث ويخبره بالمعلومة لتبنى العلاقة مع الطفل على الصدق. وأكد الشاعر على ضرورة التعامل مع الطفل الذي يكون على درجة كبيرة من الذكاء، ويسأل عن أمور علمية أكبر من مستوى تفكيره بدرجة ذكاء عالية، وأن نجيب على أسئلته بشكل علمي، حتى لو كنا مقتنعين أنه لن يفهم كل الكلام، وأن نعتمد على التطبيق العملي في الإجابة على تساؤلاته، فإذا استفسر عن أمر ما ونحن نمتلك مثالا عليه نقدم له الإجابة على السؤال، ونتبعها بطرح مثال تطبيقي للفكرة، فتلتصق المعلومة بقوة في ذهنه. وفي السياق ذاته نصح خبراء التربية الآباء بضرورة التحلي بالصبر أمام أسئلة الطفل الجنسية، والتصرف السليم مع مثل هذه التساؤلات المباغتة، وبضرورة الاضطلاع على أهم قواعد أصول علم التربية؛ كي يحسنوا التصرف مع مثل هذه المواقف دون ممارسة أي ضغوط قد تسبب للأطفال كبتا أو تنشئة غير سوية، واللجوء إلى مرجعية علمية ثابتة للتعرف على التغييرات التي يمر بها الطفل وكيفية التعامل معها، وعلى الأم أن تفتح حوارا مع الطفل يكون قائما على المكاشفة والصداقة. بحسب الديار اللبنانية. وأشار الدكتور محمد نصر - أستاذ الطب النفسي بكلية طب القصر العيني بالقاهرة - إلى أن هناك مجموعة من الخطوات التي يجب على الآباء اتباعها عند الإجابة عن أسئلة الأبناء، وهي: عدم الاستغراب من أسئلة الطفل، أو إلقاء مسئولية الإجابة عن سؤاله على شخص آخر، فالطفل إن لم يحصل على الإجابة من الشخص الذي توجه إليه بالسؤال سيظل السؤال بداخله ويعتقد أنه خطأ كبير، ومراعاة المصداقية في الإجابة والبعد عن الخرافات. وأضاف نصر أنه يجب أن تكون الإجابة واضحة تتناسب مع عمر الطفل، فمثلا للإجابة على سؤال الابن من أين جئت؟ يمكن للآباء تبسيط المعلومة له بالإشارة إلى مناطق جسم الإنسان كالرحم، الذي يحمل الجنين بالبطن، ووجود الأب ضروري لحدوث الحمل، دون التطوع في إعطائه معلومات إضافية لم يطلبها الطفل، وإذا استوعب الطفل المعلومة فلا داعي لإعطائه المزيد.