ترجمة –عبدالله كمال الفايسبوك، انتبهوا أيها البشر المسمرين على عجلة الشبكات الاجتماعية الحديثة: تجلسون مجمدين أمام كمبيوتر موصول إلى الحائط بسلك من الفايبرجلاس، تحدقون فى الشاشة المضيئة في انتظار رسالة ما، وجه باهت أمام الضوء غير الطبيعي المنبعث منها، أو رأس محنية لشخص يمشي فى الشارع، مظهر متجهم، وأصابع تتحرك برغبة على الجهاز الفارغ. هذا المخلوق تم غزوه فى سرية: تحديث الحالة المستمر ضروري، المستخدم يجب أن يربط نفسه بالآلة فى أى وقت وأى مكان متاح- وهو هنا طوال والوقت وفى كل مكان- وحاشا لله أن توجد فجوة طويلة فى تدفق المعلومات على الإنترنت. على الفايسبوك الأصدقاء الجدد والقدامى يتم عدهم، بعضهم فى الحقيقة أصدقاء بالمعنى الذى بدأ يزول الآن: شخص تستطيع الوثوق به، شخص يسمع، يهتم بما يسمعه، يعرف الأسرار، ويحتفظ بهم، ويعرفك بالدرجة التى يستطيع الصديق أن يعرفك بها؛ الصديق الذى يستطيع التحديق فى عينيك، بعاطفة وحتى بحب، ويدعي أنه يرى نوافذ مباشرة إلى عمق روحك. كما نعلم فإن الكثير من "الأصدقاء" على الفايسبوك ليس لهم أى علاقة بكيفية فهمنا لمصطلح الصديق. من الممكن أن يكونوا معروفين للمستخدم فى العمل أو فى المدرسة بشكل حقيقى ولكن رغم ذلك لا تستطيع أن تعدهم أصدقاء حقيقيون. بعضهم غرباء تماما، تعرفهم فقط من خلال شاشة الآلة، ينجذبون إلى المستخدم عن طريق الحسابات اللوغريتمية لعدد "اللايك" و"الديسلايك" . دعونا ننسي للحظة أن الفايسبوك هو على الأرجح أكثر جاسوس مبتكر تم اختراعه حتى الآن للحكومات لتتجسس على مواطنيها. انسى أن المواطنين يقوموا طواعية ببناء قواعد معلومات بدلا من وكالات الاستخبارات، فما يقلقني حقا هي مسألة "فاعلية الثقافة". الفايسبوك يجعل الصداقة أشبه بهواية جمع الطوابع، تستيقظ مبكرا لترى كم صديقا استطعت تجميعه، وهو تحديدا ما لا يجب أن تكون الصداقة عليه، لو أنها ظلت انسانية، لو أننا نرغب فى أخذ الفايسبوك على محمل الجد، يجب أن نعرف أن شكل الصداقة التى يروج لها ستقلل من طبيعة ومعنى الصديق بسبب اعتمادها على التكنولوجيا، وتفقد أهم سماتها الإنسانية لتنقل إلى مساحة" الصداقة الافتراضية". رأيت إبنتي فى الكريسماس فى 2010 تستخدم الفايسبوك— لم أرى من قبل آلة تستخدم الشبكات الأجتماعية وهي تعمل— "ليا" إبنتي فى الخامسة عشر من عمرها، وتعيش فى ضواحي باريس مع والدتها، تشعر بملل رهيب ككل أطفال الضواحي، وبالطبع طورت شخصية مثالية على الفايسبوك. صور عديدة لنفسها ولأصدقائها فى حفلات وأحداث حضروها، وأكثر من ذلك: تعليقات على هذا أو ذاك من الثقافة الرائجة فى الغالب ما بين العروض الموسيقية، وأيضا السلع الملغمة التى تسعي ورائها، راقبتها للحظة وفجأة أغلقت ليا الجهاز، لا تريدني أن أرى المزيد من شخصيتها على الفايسبوك. كنت اتساءل عن عدد "أصدقائها"، ولكنها لم تكن تتكلم. بعد عدة أشهر، فى فصل الربيع، كنت فى يوتاه، فى مدينة "موأب" حيث كنت أعيش وحيث أعود كل بضعة أشهر للاختباء والكتابة فى كابينة استأجرها من صديق. موأب كانت أصلا مكان صغير ضائع فى الصحراء، يغزوها اليوم أناس أمثالي، يريدون أن يكونوا فى مكان ضائع صغير فى الصحراء ومن ثم يبطلون حاجة بعضهم البعض إلى العزلة. "ليا" لديها بلاك بيري، حصلت عليه بسبب شكواها المستمرة لوالدتها وجدتها، لم أعرف أبدا بشكل واضح من أعطاها البلاك بيري كهدية —بالطبع لا توجد إشارة فى الكابينة— قطع الاتصال الآن فى هذا العصر هو حدث مثير للتعجب، يعادل أن يصفعك على وجهك شخصا لا تعرفه، أن يتم فصلك عن المحادثة العالمية، ألا تكون قادر على المشاركة فى الخطاب غير المنتهي، فى التهام المعلومات الديجيتال، أن تكون بشرا بالمعني البسيط فى أن تكون هناك علاقات مباشرة بين الأشخاص، هذا على ما يبدو هو دور الكابينة فى يوتاه. أناو"ليا" جلسنا فى هذا الظلام المعلوماتي، وتناولنا إفطارا أمريكيا فى الصباح، وارتحنا فى كسل تحت شمس الظهيرة، وقرأنا بعض الكتب —هى تقرأ سيد الذباب — وذهبنا لتسلق الجبال فى ضوء الربيع ونحن نحمل مياة كثيرة وبلا هواتف محمولة. من وقت لآخر كنا نهرع إلى أماكن وجود الإنترنت مثل منزل الجيران، أو مكتبة المدينة، أو فى المطاعم؛ كنت أريد تفقد إيميلي، بينما كانت "ليا" تبحث عن اتصال لتتفقد الأخبار على الفايسبوك، وحالما انتهيت من قراءة رسائلي وبختها على استخدامها الزائد للفايسبوك—لم تضحك—فى النهاية هى طفلة فى الخامسة عشر من عمرها والاتصال بالشبكات الاجتماعية مهم بشكل درامي بالنسبة لها. اعترفت "ليا" بأن هناك شئ ما ليس مريحا فيما يتطلبه منها الفايسبوك. "الفايسبوك جيد، ولكنه غريب أيضا " تقول ليا، يجب أن تكون اجتماعيا على الدوام ولكن مع الناس (الأصدقاء) يجب أن يكون لديك- هى تتكلم لغتين الانجليزية والفرنسية وهنا بحثت عن الكلمة المناسبة- "نوعا ما من الريكول" الريكول تعني خطوة للوراء. "حسنا ريكول" قلت لها. "ليس من المفترض أن تكوني على الإنترنت طوال الوقت، يجب أن تزيدي من خبراتك الخاصة، هذا هو غرض الأجازة عموما، تمضين بعض الوقت منعزلة ثم تجتمعي مع أصدقائك وتتحدثوا سويا—وجها لوجه—وتخبري الجميع كيف أمضيتى أجازتك". لكن هل هناك الكثير مثلها بين البالغين؟ لا يمر أسبوع إلا وتأتيني رسالة من أشخاص اعتبرهم مثقفين وأذكياء تدعوني للانضمام إلى الفايسبوك،وهو ما يطرح السؤال الفوري: لم يقرر أى شخص مثقف وذكي الانضمام إلى الفايسبوك؟ الفايسبوك هو المكان المثالي للتعبير فى مجتمع شديد النرجسية، كما أشار كريستوفر لاسش 3منذ وقت بعيد، هى اضطراب الشخصية الأكثر انتشارا. الفايسبوك أشبه باضطراب ومرض اجتماعي؟ ربما. عدنا إلى نيويورك ممتلئين حمدا بعد ثلاثة أشهر قضيناها فى الكابينة. بمجرد عودتي واجهتني حشود إخواني من البشر وهم يحملون البلاك بيري، والهواتف الذكية، والآي فون، والآي بود، هذه الزوائد الألكترونية والتى يبدو أن نجاة الانسان مستحيلة بدونها. ينتابني الآن شعور ملح باختطاف هذه الأشياء وأنا أصرخ بعنف وأحطمها تحت حذائي، هو تصرف أعرف أنه متعصب ولا يمكن غفرانه وبلا شك معادي للمجتمع، ولكن يظل هناك شئ ما منفر ويشعرك بالمرارة فى رؤية أخوانك البشر يفعلون نفس الأشياء باستخدام نفس الزوائد الألكترونية للاتصال بنفس الشبكات العالمية: اليد مفرودة ومضمومة على الجهاز، العين مسمرة على شئ واحد، متعلقة بالنسق الواحد. الزوائد دائما تصنع نوعا ما من الضوضاء المزعجة تطالب بالاهتمام، وتبدو تلك الأجهزة كما لو كانت تصنع الحياة، والقيادة، والنظرة. وإمساك الانسان بها هو مجرد استدراك فقط لكي يشير بها كالعصا المقدسة لتحدد هى الخطوة القادمة للأمام، لو سقط شخص بدائي من السماء على المدينة لقال أن الأمر يبدو كما لو كان الإنسان يخدم الآلة. قرأت مقالة كتبها دامون دارلين، محرر تكنولوجيا، فى النيويورك تايمز— والذي يتبنى الحجة التقليدية للتكنوقراط—المقالة بعنوان "المدير العلني" يتحدث فيها عن فوائد الفاعلية الإنترنتية كورقة رابحة للتقدم الانساني بغض النظر عن التكلفة التى ستتحملها الانسانية بتطبيق هذه التقنيات، في البداية أرجح أن يكون دارلين شخص مثالي ولطيف ومن الواضح انه استبدل عقله بشريحة ذكية، فهو يكتب عن التوقف عن القلق عندما يحب المرء الهواتف الذكية، وعن تغير وتحسن حياة أغلب الناس مع الهواتف الذكية. دامون المسكين لن "يتوه" فى نيويورك بعد الآن أو، كما يفترض هو، فى أى مكان به "شبكة" فستخبره الآلة أين هو، لن "يشعر بالملل أبدا"، فالآلة تقوم بالترفيه عنه، "دائما يجد الأجابة"، فالآلة توفر له الأجوبة، هو "لن ينسى شيئا"، الآلة تتذكر. يضيف دامون "جوجل بدأ فى الحلول مكان ذاكرتي"، يكتب دامون عن الهواتف الذكية التي "تساعدنا على تذكر الأحداث المهمة فى حياتنا"، الآلة كما يقول دارلين تصبح "الذاكرة المساعدة لكل شئ أفعله". أن لا تتوه أو لا تشعر بالملل أو لا تنسى أو لا تعرف الأجوبة هو أن تصبح شيئا أقل انسانية. مقال دارلين هذا لم يكن تهكميا، هو إشارة إلى المدي الذي وصلنا إليه فى انحطاط الشخصية لنجعل الآلة مفيدة. وعلى الرغم من ذلك فإن طريقة تفكيره هي "إنجيل" هذا العصر هذه الرؤية المختلة للحياة الإنسانية، أشكال من التكنولوجيا- الباعثة على الجنون- مقبولة تماما باعتبارها القاعدة الطبيعية. كريستوفر كيتشام يكتب لمجلات مثل فانيتي فير، وجى كيو، وهاربرز، والعديد من المجلات الأخرى ويعمل حاليا على كتاب بعنوان "الولاياتالمتحدة يجب أن تنتهي" ينادي فيه بضرورة تحلل الولاياتالمتحدة ويمكن أن تصل إليه عبر [email protected]. يمكن الرجوع فى نفس الموضوع للمقال الذى كتبه الدكتور أسامة القفاش والدكتور صالح الشهابي بعنوان "الذكاء الاصطناعي بين الآلي والانساني"، وتم تقديمه لمؤتمر التحيز الذي عقد فى نقابة المهندسين فى القاهرة عام 1992 ونشر فى كتاب فقه التحيز بطبعتيه، ويمكن الإطلاع عليه على المدونة الشخصية للدكتور أسامة القفاش باتباع الرابط التالي: كريستوفر لاسش هو مؤرخ أمريكي وعالم أخلاق وناقد اجتماعي اشتهر كتابه "ثقافة النرجسية" وحقق أعلي المبيعات وفيه يتحدث عن الانحطاط فى الشخصية الأميريكية فى فترة ما بعد الحرب نتيجة التمحور حول الذات. http://kaffasharticles.blogspot.com/2010/06/1992-18-26-2010-normal-0-21-...