الديهى يكشف تفاصيل عن "خلية هولندا "الإرهابية ويؤكد: شباب مصر الوطني تصدى بكل شجاعة لمظاهرة الإخوان    محافظ الوادي الجديد يعتمد نتيجة الدور الثاني للشهادة الإعدادية    وزير السياحة والآثار يكشف خطط الترويج للوصول إلى الفئات المستهدفة من السائحين    هل يكمل حسن عبد الله عامه الرابع محافظا للبنك المركزي؟.. محطات في حياة رجل المواقف الصعبة    وزير الإنتاج الحربي يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية المصرية للهندسة والتكنولوجيا    مصدر من لجنة الحكام ل في الجول: تقرير الحكم يذهب للرابطة مباشرة.. وهذا موقفنا من شكوى الأهلي    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    من هو الدكتور صابر عبد الدايم يونس الذي رحل اليوم؟    عاجل - تحديثات سعر الدولار اليوم الاثنين 18-8-2025 أمام الجنيه المصري في البنوك    ارتفاع أسعار الذهب 20 جنيها مع بداية تعاملات اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    عيار 21 الآن بعد تراجع 40 جنيهًا.. سعر الذهب اليوم الاثنين 18-8-2025 (آخر تحديث رسمي)    موعد انتهاء الأوكازيون الصيفي 2025 في مصر.. آخر فرصة للتخفيضات قبل عودة الأسعار    عاجل.. وصول وزيري الخارجية والتضامن ورئيس الوزراء الفلسطيني إلى معبر رفح    4 شهداء بينهم طفلة بقصف إسرائيلى على غزة والنصيرات    إعلام عبري: تقديرات الجيش أن احتلال مدينة غزة سوف يستغرق 4 أشهر    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    مؤتمر بنزيمة: المواجهة بين اتحاد جدة والنصر وليست أنا ضد رونالدو    «الداخلية»: ضبط 97 ألف مخالفة مرورية و186 سائقًا تحت تأثير المخدرات في 24 ساعة    هل ستسقط أمطار في الصيف؟ بيان حالة الطقس اليوم الاثنين على أنحاء البلاد ودرجات الحرارة    جنايات دمنهور تواصل جلسات الاستئناف في قضية الطفل ياسين بالبحيرة    المصابتان في حادث مطاردة الفتيات بطريق الواحات يحضران أولى جلسات محاكمة المتهمين    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    إصابة 14 شخصا فى تصادم سيارتى ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    سعر الفراخ البيضاء بعد آخر زيادة.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 18-8-2025 للمستهلك صباحًا    تعرف على مواعيد حفلات مهرجان القلعة للموسيقى والغناء وأسعار التذاكر    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    محافظ المنوفية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية الدور الثانى بنسبة نجاح 87.75%    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    نشأت الديهي: شباب مصر الوطني تصدى بكل شجاعة لمظاهرة الإخوان فى هولندا    نشأت الديهى: أنس حبيب طلب اللجوء لهولندا ب"الشذوذ الجنسي" وإلإخوان رخصوا قضية غزة    رابط نتيجة وظائف البريد المصري لعام 2025    مجرد أساطير بلا أساس علمي.. متحدث الصحة عن خطف الأطفال وسرقة أعضائهم (فيديو)    طب قصر العيني تبحث استراتيجية زراعة الأعضاء وتضع توصيات شاملة    نصائح لحمايتك من ارتفاع درجات الحرارة داخل السيارة    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    تحرك الدفعة ال 17من شاحنات المساعدات إلي معبر كرم أبو سالم    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    الرئيس اللبناني: واشنطن طرحت تعاونًا اقتصاديًا بين لبنان وسوريا    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    رضا عبد العال: خوان ألفينا "هينَسي" الزملكاوية زيزو    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشكلة التوازن بين الدولة والمجتمع
نشر في التغيير يوم 30 - 10 - 2011

رغم أن التدافع حالة قائمة في الإدراك العربي الإسلامي لحركة التاريخ العامة، وهو درجة محكومة من التنافس أو الصراع بين النخب والأمم والحضارات والأفكار المؤدي لبزوغ بعضها واندحار الآخر. لكن الغالب على الخبرة التاريخية العربية الإسلامية هو المحاولة المستمرة لبناء الإجماع. واتخذت وحدة الأمة أهمية قيمية خاصة تسبق أحيانا قيمة العدل أو فكرة الحكومة المثالية، أي كانت الوحدة مقدمة على العدل!
لكن لا يمكن تناول التحول الديمقراطي منهجياً دون التعرض لمسار وطبيعة الدولة الحديثة المعروفة في أدبيات الاجتماع والتاريخ السياسي بالدولة القومية. فجوهرها هو التماهي بين الأمة والدولة، وتصبح الدولة هي إطار الأمة والتعبير الأسمى عنها. ويتحقق ذلك بسيطرة الدولة على إقليمها، واحتكارها لوسائل القوة والعنف، وهيمنتها على مختلف مناشط الحياة والاجتماع والاقتصاد. يؤدي ذلك تقليديا لتقويض استقلال الجماعات الأهلية التقليدية، الدينية والإثنية والثقافية، وإضعاف أو اندثار المؤسسات الوسيطة بين الفرد والمجتمع من جهة والدولة من جهة أخرى، وإخضاع التقسيمات المناطقية والجهوية المتميزة لإدارة الدولة المركزية، وقمع التشكيلات غير المتماهية مع الحكومة المركزية.
ومنذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مال توازن القوى في الغرب لصالح دولة قومية حديثة، تتبنى رؤية معرفية إمبريالية في نظرتها للإنسان والطبيعة والمقدس. وأدى تراكم القدرة الضخمة للدولة القومية في الغرب على تركيز القوة وتطوير أدوات العنف والسيطرة، من مدافع وأساطيل وسكك حديد وتلغراف، إلى اتساع نطاق المشروع الاستعماري والهيمنة الامبريالية على العالم. دفع ذلك الدول الأخرى غير الأوروبية، كالدولة العثمانية ومصر واليابان لاحقا، للسعي نحو حيازة أدوات القوة المكافئة لقوة الدول الامبريالية واستعارة نماذج التفكير والتنظيم والتعليم والإدارة الأوروبية، مما ساعد على تعميم نموذج الدولة الحديثة، دولة السيطرة الشاملة، بالعالم.
بلغت الدولة القومية الحديثة ذروة تجليها في نطاق الخبرة العالمية الأوروبية لحظة انفجار الحرب العالمية الثانية، وكانت النتائج كارثية وغير مسبوقة في التاريخ الإنساني، بما لا يحتاج للتفصيل. لكن الدولة القومية استمرت - في ما بعد الحرب- كأساس النظام الدولي المعاصر، مع تفاوت صيغتها القائمة من حيث درجة ونمط وأسلوب سيطرتها.
فقد حسمت الصراعات الداخلية، بمختلف تعبيراتها ومجالاتها، منذ أمد طويل نسبيا، بعد نزاعات وتدافعات وحروب أهلية. وأصبحت الدولة تمثل التيار الرئيس وتعبر عن وجهة نظر الأغلبية، في الدول القومية الراسخة. ولم تعد الدولة هناك بحاجة لتوظيف أساليب القوة والبطش والقمع المباشر لتحقيق سيطرة الدولة، فقد أنجزت الأخيرة بالفعل مهمات السيطرة، وتم "صنع الإجماع"، بتعبير المفكر الأميركي نعوم تشومسكي.
لذلك، أصبحت العلاقات بين الدولة ومؤسساتها وبين قوى المجتمع علاقات تدافع غير عنفي بمعظمها؛ إذ يشكل قانون الدولة ونظامها إطارا مرجعيا حاكما لذلك التدافع.
في المقابل، لم يحسم التدافع في معظمه بين مختلف التوجهات الفكرية والاجتماعية والسياسية داخل أغلب البلاد العربية والإسلامية. ولم تنجح هذه الدول حتى الآن في بناء الإجماع الداخلي، لا سلميا ولا عنفيا. فالدولة هناك غير قادرة على تأسيس نظام سيطرة مستقر، وبالتالي يصبح اللجوء إلى وسائل القمع والعنف أمراً شائعاً، ولا يعني هذا أن مؤسسة الدولة هناك تختلف جوهريا عن مؤسسة الدولة في الدول القومية المستقرة.
طالت عملية التحديث الواسعة التي جرت تحت وطأة الضغط الاستعماري والتمدد الامبريالي الغربي في العالم الإسلامي عموما، والدولة العثمانية خصوصا، في ظل ما عرف بحركة "التنظيمات العثمانية"، كافة مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وأدت لزيادة مركزية الدولة، وظهور دورها أكثر في حياة الشعوب المكونة للامبراطورية، وتحولات هامة في توازن القوى الداخلي، وزيادة درجة الالتحاق بالخارج، وتفكك المؤسسات الاجتماعية التقليدية.
واختفت الثنائية الكلاسيكية "أهل السيف" و"أهل القلم" والتي ولدت في عصور كانت الدولة "السلطانية" فيها محدودة النطاق، بينما تتسع فيها مساحة الحراك الاجتماعي والاقتصادي للجماعة الأهلية، مما أعطى للمؤسسات الوسيطة من نقابات مهنية أو أصناف، وطرق صوفية، وأوقاف، أدوارا رئيسة في حياة الأمة وحريات متسعة وحقيقية. فلم يكن فساد السلاطين أو صلاحهم هو العامل الحاسم في مجريات الأمور. بل كان السلاطين أنفسهم مادة لنمط طريف من الأدبيات أو المؤلفات التي عرفت ب "نصيحة السلاطين".
ضمنت هذه الثنائية الكلاسيكية انحصار دور النخب الحاكمة في شؤون السلطنة والفروسية وقيادة الجيوش وجبي الخراج والدفاع عن البلاد، كما ضمنت استقلال أهل القلم من العلماء والفقهاء والقضاة والأدباء والكتاب بشؤون العلم والفقه والاجتهاد والتدريس والفتيا وإقامة العدل بين الناس. فلم يحاول السلاطين التدخل في شؤونهم أو أن يفرضوا عليهم ما لا يتفق مع اجتهادهم وقناعاتهم. لكن لم يخل الأمر من بعض التوترات.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ضعفت مؤسسة العلماء التقليدية التي كانت من أسباب استقرار المجتمع وترسيخ التوازن إزاء سلطة الدولة، نظرا لنفوذها لدى طبقة التجار التي كانت بدورها عاملاً هاما في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كذلك، كان العلماء لعصور طويلة ممسكين بالقضاء وإدارة البلديات أيضا، إضافة لإشرافهم على الأوقاف التي لم تكن قد وصلتها يد الدولة بعد. وكان لمعظم العلماء دور ومكانة في التصوف والطرق المنبثقة عنه، والذي يمثل التعبير أو التنظيم الاجتماعي والثقافي للحياة الإسلامية.
وشهد عصر التنظيمات العثمانية بدايات خصخصة أراضي الأوقاف لصالح طبقة اجتماعية جديدة سماها المؤرخون "أعيان الحضر" الذين مثلوا حالة شبه إقطاعية ملتحقة – جزئياً على الأقل- بالخارج. وتغير تنظيم القضاء باتجاه المحاكم المختلطة التي انحسر دور الشريعة والعلماء والقضاة فيها، وبدأت موجات الأوربة والتغريب والتطلعات نحو المثال الأخلاقي والثقافي للآخر الأوروبي، ونجم عن ذلك تهميش مؤسسة العلماء وإلحاقهم بالدولة.
كانت الدولة الغربية، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، نموذجا مستلهما لبناء الدولة الحديثة في البلاد العربية والإسلامية؛ برغم فرضياته الأساسية الكامنة، من رؤية معرفية علمانية، وسياق تاريخي امبريالي، واقتصاد سياسي قائم على فائض النهب. فهي دولة مركزية مسيطرة، دولة تتماهى فيها الأمة، وهي وحدها المؤهلة لمنح حق المواطنة. دولة تحتكر وسائل العنف، وهي مصدر التشريع والشرعية. ما يتفاوت هو عمق تجذر ودرجة واستقرار نظام السيطرة المرتبط هو الآخر بمستويات الصراع والإجماع الداخليين.
تقليدياً، لم تكترث مؤسسة العلماء كثيرا بالدولة، نظراً لأن سلطة الدولة وسيطرتها كانت محدودة المجال. ولكن حركة التحديث الواسعة التي شهدتها المجتمعات العربية والإسلامية ولدت دولة هائلة النفوذ، تمتد سيطرتها من القانون والتشريع والأمن إلى الاقتصاد والتعليم والثقافة. بذلك أصبحت الدولة عاملا حاسما في تحديد هوية المجتمع، وتحولت بالتالي إلى مجال للصراع بينها وبين التوجهات الأخرى.
يعاني عدد كبير من المجتمعات العربية والإسلامية من افتراق أيديولوجي وسياسي واسع؛ وتوترات بل حروب، إثنية ودينية وطائفية وقبلية وجهوية؛ وسيطرة وتحكم وسيادة مفروضة بالعنف والقمع؛ وفقدان ثقة بالدولة وعدم اكتراث بمؤسساتها وقوانينها، بل وبمصيرها ككل؛ مما جعل قيام نظام تداولي سلمي علي الحكم شبه مستحيل.
تطرح هذه التحولات إشكاليات هامة في مسار التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في البلاد العربية والإسلامية، وربما يصبح الجدل حوله أقل أهمية، لدى مقارنته بإشكالية التوازن بين الدولة الحديثة المتغولة والمجتمع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.