..الهوية لدي التيار الإسلامي ضمرت لصالح الهيمنة علي المجتمع متابعة: سهام العقاد علي مدي يومين متتاليين عقد “منبر مؤمنون بلا حدود” مؤتمره الأول تحت عنوان “الخطاب الإسلامي وإعادة تأسيس المجال العام”، شارك فيها العديد من المفكرين والباحثين العرب والمصريين والمتخصصين في الشأن الإسلامي من بينهم: د.مازن النجار، والباحث محمد العربي، والباحثة خلود سعيد، د.فؤاد الحلبوني، الباحث شريف محي الدين، الباحث أحمد حمام، د. شريف يونس، د.محمد بشير صفار. مقدمة لابد منها، يؤمن “منبر مؤمنون بلا حدود” بدور الثقافة والفكر في نهضة الإنسان وارتقائه الحضاري، ويري انه في ظل المتغيرات الإقليمية التي تمر بها منطقتنا العربية، والتي تتطلب أقصي درجات المسئولية من المفكرين والمثقفين المؤمنين بضرورة إحداث تغيير نوعي وعقلاني في ثقافتنا كشرطٍ رئيسي لإصلاح واقعنا المتردي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ونظراً للحاجة الماسة لبدائل فكرية وثقافية فاعلة وقادرة علي ملء الفراغ الذي تشهده الساحة الثقافية، ومتسقةً مع احتياجات الإنسان ومتطلباته في الحرية والديمقراطية، يري انه يجب تنسيقِ وحشد الطاقات الفكرية المبدعة والمستنيرة المهتمة بالإصلاح والتغيير الثقافي، دون أن تحد من فاعليتها محدداتِ إيديولوجية أو اشتراطات فكرية وعقائدية. التعصب والانغلاق خاصة وأن الساحة الثقافية لم تخل من المشاريع الفكرية الجادة، ومن مفكِّرين ومثقّفين وباحثين يؤمنون بالعمل الفكري العقلاني المبدع، ولكن هذه الأصوات الفكرية تعاني التشتت والتجاذب والتنافس الذي يدفع بها أحياناً نحو الانغلاق الفكري، الأمر الذي لا يخدم أهدافها التنويرية. لذلك فنحن نأمل من خلال هذا المنبر أن نقوم بالتنسيق والربط بين المهتمين برؤية ثقافية منفتحةٍ وإنسانية تنويرية، وفتح آفاق النقدِ والتكامل بينها، وتهيئة مظلّة لجمع هذه الأعمالِ وتطويرها ونشرها والتعريف بها، ومن ثمّ إيصال صوتها لمختلف الشرائح الاجتماعية. إن منبر مؤمنون بلا حدود يعمل علي تجديد وإصلاح الفكر والثقافة في مشهدها العام والديني منها بشكل خاص، بحيث يصبح التجديد فاعلا في تنمية المجتمعات والارتقاء بها، وذلك وفق أسس ومبادئ ما فطِر عليه الإنسان من حرية للإرادة والتعبير والفكر والاعتقاد، ووفق مكتسباته الإنسانية من نبذ للتعصب والانغلاق الفكري. ويلتزم منبر مؤمنون بلا حدود باعتماد العمل الفكري والثقافي التنويري، والمترفع عن الإيديولوجيات الضيقة أياً كان اتجاهها ودينها، والمؤمن بالمشترك الإنساني بين جميع الأديان والثقافات؛ من أجل خلق تيار فكري قائم علي أسس علمية عقلانية، وقادر علي المساهمة في البناء المعرفي للإنسانية. الذات والآخر أدار الجلسة الأولي الناقد والباحث المتميز عصام فوزي، وتحدث الباحث في مجال العلوم الاجتماعية والفلسفية الدكتور مازن نجار حول ” مشكلة التنوع والتعدد في الحركات الإسلامية المعاصرة وتصوراتها عن الذات والآخر”. موضحا أن الثورات العربية جاءت منذ عامين لتعيد طرح القضايا التي تناولتها مختلف الكتب والدراسات والأبحاث التي تناولت علي مدي العقود الأربعة الماضية أطروحات وتحولات وتواريخ حول نهضة المشرق المطروحة منذ أواخر القرن التاسع عشر في وجه إمبريالية المركز الأوروبي واختراقه للعالم الإسلامي، والتحولات الاجتماعية الاقتصادية السياسية التي فرضها علي هذه الأقاليم. وقد مثلت أفكار وجهود السيد جمال الدين الأفغاني وتلاميذه بواكير الحركة الإسلامية الحديثة التي كانت استجابة تاريخية لتحديات الاختراق الأوروبي الحديث وحركة التحديث. وقال لقد نشأت الحركات الإسلامية: «الإخوان المسلمون» في 1928 في مصر، و«الجماعة الإسلامية» في 1940 في شبه القارة الهندية امتدادا لحركة إحياء الخلافة هناك. وكان علي هذه الحركات أن تواجه تحديات الإحياء الإسلامي في ظل الإدارات الاستعمارية ثم مرحلة حكومات الاستقلال أو بالأحري «ما بعد الاستعمار»، وكان لها تجارب سياسية متباينة، خاصة فيما يتعلق بالنظام السياسي والتعددية السياسية والحزبية المتاحة، ومساحة السيطرة البريطانية علي تلك الأوضاع، ثم مرحلة صعود العسكريين إلي سدة الحكم ونماذج الدولة الوطنية التي حاولوا إقامتها. توقف د. مازن حول قضايا التحديث والعلمنة، والدولة الحديثة، والتوازن بين الدولة والمجتمع؛ مؤكدا أن ما نشهد اليوم عالما يسقط الفكرة القائلة بأن التحديث يؤدي بالضرورة إلي إقصاء الدين. كما يمكن أن ينظر إلي العلمانية باعتبارها واحدة من رؤي عديدة متنافسة حول ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع في الحقبة المعاصرة. صيانة الهوية منذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مال توازن القوي بشكل كبير في الغرب لصالح الدولة الحديثة، التي تتبني رؤية معرفية غربية ذات طبيعة إمبريالية كامنة في نظرتها للإنسان والطبيعة والمقدس. وجوهرها هو التماهي بين الأمة والدولة، وقد بلغت الدولة القومية الحديثة ذروة تجليها في نطاق الخبرة العالمية الأوروبية، لحظة انفجار الحرب العالمية الثانية، وكانت النتائج كارثية وغير مسبوقة في التاريخ الإنساني. لكن الدولة القومية استمرت -بعد الحرب- كأساس النظام الدولي المعاصر. وقد أصبحت الدولة تمثل التيار الرئيسي وتعبر عن وجهة نظر الأغلبية، في الدول القومية الراسخة. ولم تعد الدولة هناك بحاجة لتوظيف أساليب القوة والبطش والقمع المباشر لتحقيق سيطرة الدولة، فقد أنجزت بالفعل مهمات السيطرة. وعندما هبت الثورات العربية، كانت المجتمعات العربية والإسلامية تعاني افتراقا أيديولوجيا وفصاما سياسيا واسعا؛ وتوترات بل حروبا؛ وسيطرة وسيادة مفروضة بالعنف والقمع؛ وفقدان ثقة بالدولة وعدم اكتراث بمؤسساتها وقوانينها، بل بمصيرها؛ مما يجعل من شبه المستحيل قيام تداول سلمي علي الحكم. كل ذلك مؤشرات صارخة علي زواج مأزوم بين الأمة والدولة الحداثية، وإخفاق الأخيرة في تحقيق وعود التنمية والاستقلال والرفاهية وفكرة التقدم وصيانة الهوية وإقامة العدل. خطاب الهوية تناول الباحث بوحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية محمد العربي “مشكلة خطاب الهوية وتفاعله مع بنية الواقع المعاصر” كيفية طرح تيارات الإسلام السياسي لقضية الهوية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه التيارات تعاني فكريا من إفلاس أيديولوجي كبير وترهل تنظيمي يضاف إليه توجهها إلي العمل السياسي بما يستدعي إحداث تغيير علي هذا الخطاب بما يتناسب ومتطلبات الوجود ثم الهيمنة السياسية في ظل تفريغ الساحة السياسية من قوي حقيقة قادرة علي التنافس. مشيرا إلي مرحلة حسن البنا حيث كان التصور الأول عن الدولة تصورًا غائما فيما عدا أنها تسعي لتطبيق شرع الله، غير أن القطبية شكلت تنظيرا أساسيا لهذا التصور عن الدولة بتقديمها طرح الدولة الإسلامية. في السبعينات كان التأسيس الثاني للحركة الإسلامي، ولم يعد الإخوان المسلمون وحدهم ممثلي الإسلام السياسي، إذ نازعهم الجهاديون والسلفيون السعي نحو إقامة مجتمع إسلامي، وفيما تبنت الجماعات الجهادية الأطروحة القطبية، وجدت الجماعة في هذه الأطروحة ما يعيقها عن بناء تنظيم قوي له قواعد اجتماعية يجنبها ما حدث في الخمسينيات والستينات، ومن هنا كان سعيها إلي التخلي عن الأيديولوجية، في مقابل اتساع التنظيم ليحتوي طيفا اجتماعيا يتراوح فكريا بين السلفية الوهابية حتي الليبرالية الإسلامية وما بينهما، وبالتالي كان هنا التخلي عن أي تصور أيديولوجي يحمل رؤية للدولة والمجتمع، غير أن هذا كان يعني ضرب شرعية وجود التنظيم، خاصة مع تصاعد المد السلفي اجتماعيا، فالجماعة لم تعد وحدها ممثلة الفكرة الإسلامية، ومن هنا نقلت الصراع علي الهوية إلي مزايدات شعاراتية تخلو من أي أيديولوجية متماسكة، هذه المزايدات حملت طابع السلفية التي تخلط قضية الهوية بالشريعة، وما تحمله من قضايا فرعية مظهرية يعبر عنها الهدي الظاهر، وقد أضحي هذا مسار إعادة تكوين المجتمع، أي أسلمته ظاهريا، فيما قبل الإسلاميون بالدولة الحداثية بما تحمله من بنية مغايرة للتصور الأصلي الذي قامت عليه الفكرة الإسلامية، ومن هنا فأن قضية الهوية لدي تيار الإسلام السياسي في مصر قد ضمرت لصالح الهيمنة علي المجتمع والاكتفاء بصبغه وتنميطه، دون أن يعني هذا التصادم مع حداثته الرثة أو بناء حداثة إسلامية بديلة، هذا الاكتفاء إنما هو نتيجة ضمور الأيديولوجية الإسلامية وإفلاسها، وأخذت الهوية أبعاد مظهرية لا تمس جوهر البناء الاجتماعي، أو بنية الدولة أو حتي عقلية الإنسان.