فأزمة اليوم الجارية - والتي ميزتها دفعة من التفجيرات الانتحارية واغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو في شهر ديسمبر الماضي وتضخم مرتفع بنسبة 25 % وحركة \" طابان \" ناهضة من جديد - يمكن أن تكتب مصير الدولة الباكستانية نفسها. والأزمة المالية العالمية إنما جعلت فقط الأمور تزداد سوءا: فاحتياطيات العملة الأجنبية في باكستان منهارة، وأسواق الائتمان قلقة من أنها يمكن أن تتعثر عاجلا في تسديدات ديونها. والحقيقة القاتمة هي أن باكستان تصبح شيئا قريبا على نحو مزعج من الدولة الفاشلة, وهذا يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على الولاياتالمتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي \" الناتو \" وكفاح أفغانستان للسيطرة على حركة \" طالبان \" المسلحة. \r\n صحيح أن باكستان لديها رئيس منتخب حديثا، وهو آصف علي زرداري، ولكن دعونا لا نضحك على أنفسنا في قدرته ( أو حتى رغبته ) على إحداث تحول في بلاده. وخلال مهمته الأخيرة في السلطة ( كوزير للاستثمار في الحكومة التي كانت تقودها زوجته الراحلة بي نظير بوتو)، أصبح زرداري معروفا باسم \" الأستاذ عشرة في المائة \" بسبب نزوعه المزعوم إلى أخذ أموال من العقود الحكومية المربحة. وبديل زرداري المحتمل، وهو رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، يمكن أن يكون حتى أكثر فسادا وعدم كفاءة. \r\n ولنقل بصراحة وبساطة إن باكستان تواجه أزمة وجود - في شوارعها ومحاكمها وثكناتها العسكرية وبرلمانها. وقد يأمل الأقطاب والساسة الأميركيون في الأفضل للدولة التي يعُتقد على نطاق واسع أن أقاليمها الحدودية التي لا طائلة للقانون فيها تؤوي أسامة بن لادن وقادة \" القاعدة \" الآخرين. ولكنني لا أرى فرصة كبيرة في تحول سعيد. وإذا كانت باكستان القوية المُعتمد عليها هي المفتاح للفوز بالحرب في أفغانستان - كما زعم كل من جون ماكين وباراك أوباما - فإننا نكون نشن حربا لا يمكن الفوز بها. \r\n لقد درستُ باكستان لما يقرب من 20 عاما وسافرتُ في طول البلد وعرضه عدة مرات. صحيح أنني هندي عرقيا، ولكنني مواطن أميركي ولا أحمل أي عداوة تجاه باكستان أو مواطنيها. وبعد قضاء وقت كثير جدا في دراسة المكان، صرتُ فخورا به. ولكنني أقلق من أن كثيرا من الباكستانيين - والأميركيين - في هذه المسألة لا يريدون سماع الأخبار السيئة. \r\n انظروا - على سبيل المثال - إلى ردة الفعل على تفجير فندق الماريوت في إسلام أباد الشهر الماضي، والذي كان يستهدف قتل زرداري وشل قدرة الحكومة الباكستانية. لأيام قليلة، ملأ شعور بالإلحاحية موجات الأثير؛ وتمت تسمية الهجوم ب\" باكستان 11/9 \"، وهي دعوة صحوة واستيقاظ إلى مجتمع يواجه تهديدات أمنية قاتلة من \" الإسلاميين \" والراديكاليين الآخرين. ولكن مثل معظم دعاوى اليقظة في باكستان، سرعان ما طغى عليها وأغرقها كلام مسبق من القوميين. وبدأ العالمون ببواطن الأمور في الدفع بأنه كان ضغطا أميركيا على باكستان ل\" بذل المزيد \" بشأن \" القاعدة \" التي جعلت مسلحى القبائل والملالي يتجمعون في المقام الأول. والآن بعد المساعدة في إيجاد هذه الفوضى - كما كتب آياز آمير، وهو واحد من أكثر كتاب الأعمدة الصحفية تأثيرا في باكستان، كما كتب بعد عدة ايام من التفجير - فإن الأميركيين \" يتوقعون من دولة باكستان الممزقة أن تنهض من الرماد وتؤدى معجزات\". ومما يدعو للدهشة أن هجوم فندق ماريوت يعتبر الآن مشكلة الولاياتالمتحدة، كما لو أن تلك الحفرة التي في قلب العاصمة الباكستانية تخص بشكل سحري عالما آخر. \r\n إن مصدر مشاكل باكستان يمكن إرجاعه إلى فشل مؤسس الدولة، محمد علي جناح، في زرع جذور ديمقراطية عميقة وإيجاد تقليد وعرف للتسوية والحل الوسط. وبعد موت جناح في 11 سبتمبر عام 1948، أثبت خلفاؤه عدم قدرتهم على التعامل مع التحديات الجمة التي تواجه الدولة الجديدة. \r\n وسرعان ما تحول القادة الباكستانيون- وقد واجهوا ملايين اللاجئين وتوترا عرقيا وطائفيا متصاعدا ونقصا وعجزا ماديا من كل نوع - إلى الجيش لاستعادة النظام. وفي عام 1958، استولى الجيش على السلطة وقام بسلسلة طويلة من الانقلابات، صارفا البلد عن مهمته الحاسمة المهمة في بناء دولة قوية ومضعفا الحكومات المدنية التي تمكنت عرضا من أخذ زمام السلطة. \r\n لقد سيطر الجيش على الدولة منذ ذاك، مع وجود نتائج كارثية. وساعد الجنرالات في إشعال الحرب الأهلية في عام 1971 والتي أدت (بسبب التدخل الهندي) إلى إنشاء دولة بنجلاديش. وفي الثمانينيات من القرن الماضي، قمع الجيش بغلظة العنف في كراتشي، عاصمة إقليم السند الجنوبي. وما لا يدعو للدهشة، أن مثل تلك الخطوات تركت تصدعات وانشقاقات عرقية عميقة في المجتمع الباكستاني. ولعب الجيش بالنار مرة أخرى في الثمانينيات من القرن الماضي عندما جلب - في أعقاب القيادة الكارثية للديكتاتور محمد ضياء الحق - مزيدا ومزيدا من المتعاطفين والأنصار الإسلاميين إلى صفوفه. \r\n كانت الولاياتالمتحدة مدركة تماما لهذا التاريخ القبيح عندما تشاركت مع جهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز الاستخبارات الباكستاني، في شن حرب مقدسة لطرد الاتحاد السوفيتي من أفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي. وتلك السياسة نقلت مليارات الدولارات إلى الجيش الباكستاني ووسعت بدرجة كبيرة يده الطولى - واستعداده لإذكاء التوترات مع عدو باكستان القديم، وهو الهند. \r\n وبدءا من عام 1970، ساعد جهاز الاستخبارات الباكستاني في إشعال تمرد داخل المنطقة التي تسيطر عليها الهند من كشمير، ومع كون الهند في شرقهم، كان قادة باكستان تواقين إلى حدود هادئة في غربهم. وهذا حدا بالاستخبارات الباكستانية إلى أن تصبح الحليف الرئيس ل\" طالبان \" بعد أن استولت على السلطة بعد حرب أهلية بغيضة أعقبت انسحاب السوفييت من أفغانستان في عام 1989. \r\n كما أن الاستخبارات الباكستانية لم تقطع علاقاتها بأصدقائها الأفغان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية عام 2001 والتي خططت لها \" القاعدة \" من مأواها الممنوح لها من \" طالبان \" في جنوبأفغانستان, وبالرغم من الإنكارات الغاضبة من باكستان، إلا أن كلا من الهند والولاياتالمتحدة الأميركية أشارتا الآن بأصابع الاتهام إلى الاستخبارات الباكستانية كمدبر رئيس لتفجير السفارة الهندية في كابول في شهر يوليو الماضي. كان قادة الاستخبارات الباكستانية وجنرالاتها الذين يديرون الجيش الباكستاني يلعبون لعبة مزدوجة مع الولاياتالمتحدة لما يقرب من عقدين من الزمان. فقد اختار ديكتاتور باكستان السابق، الجنرال برويز مشرف، كما يُفترض، الخصام مع \" طالبان \" بعد 11/9. ولكن في الحقيقة، كانت الاستخبارات الباكستانية ضدنا كما كانت معنا. وتقبل باكستان كميات كبيرة من المساعدات والأسلحة الأميركية لمساعدة، كما يُفترض، الغرب في استئصال شأفة البن لادنية ( نسبةً إلى بن لادن ) حتى في الوقت الذي تغذي فيه الاستخبارات الباكستانية تلك القوات نفسها في توجهها الجاري لكسب موضع قدم استرتيجية لها في أفغانستان، والحصول على اليد العليا في الصراع مع الهند. \r\n وحتى خلال الفترات القصيرة من الحكم المدني في إسلام أباد، استمرت سلطة وقوة الجيش والاستخبارات الباكستانية في النمو. وفي منتصف التسعينيات من القرن الماضي، على سبيل المثال، سارع الجيش بتهور إلى الحصول على أسلحة نووية حتى في الوقت الذي كانت فيه بي نظير بوتو تطمئن الدبلوماسيين الأميركيين بالتقييد النووي الباكستاني. واليوم، تستقر السلطة القصوى والإشراف على مجمع الأسلحة النووية في باكستان لدى الجيش، والذي يُعزى إليه إدارة دفة برنامج التسويق النووي- الذي يصل إلى ليبيا وكوريا الشمالية ومن يدري إلى أين - والخاص بالعالم عبد القدير خان، الذي ما زال يُنظر إليه من قبل كثير من الباكستانيين - بالرغم من أنه رهن الإقامة الجبرية الرمزية - على أنه بطل قومي. \r\n ومأساة باكستان - من البداية - هي أنه ليس هناك حكومة - مدنية أو عسكرية - أصلحت الهشاشة البارزة في مؤسسات الدولة الأساسية. وفي الواقع، فإن الديمقراطيين والديكتاتوريين على السواء أفسدوا ودمروا الأحزاب السياسية، وهددوا الصحفيين وروعوا جهاز الخدمة المدنية في سعيهم إلى مكسب سياسي قصير الأجل وميزة شخصية. \r\n ولذا هل يمكن أن تُصلح باكستان، أو أنها مكتوب عليها الانهيار؟ بالرغم من عودة البلد ما بعد مشرف إلى الحكم المدني، إلا أن احتمالاته ومؤشراته قاتمة. وفي الشهر الماضي، أصبح لدى الاستخبارات الباكستانية قائد جديد، وهو الجنرال أحمد شوجا باشا، اختاره قائد أركان الجيش الجنرال آشفاق كياني، ليحل محل سلفه الذي الذي اشتبه فيه مسئولو إدارة بوش في أن له علاقات ب\" طالبان\". ولكن ليس هناك سبب للاعتقاد بأن حكومة زرداري الضعيفة المنقسمة ستكون قادرة على إصلاح الاستخبارات الباكستانية. \r\n ويمكن أن تعود باكستان ثانية عودةً متقطةً إلى حكم العسكر في الوقت الذي تتصاعد فيه متاعبها ومشاكلها. كما أن الجنرالات يمكن أن يكونوا قادرين على استعادة بعض مظاهر الاستقرار، ولكن علاقاتهم بالإسلاميين ومعاملة الاستخبارات الناعمة ل\"طالبان \" إنما ستقود باكستان إلى مزيد من الفوضى والدوامة. وفي الوقت نفسه، فإن القوات الباكستانية أطلقت النيران على القوات الأميركية التي تشن غارات عبر الحدود الأفغانية؛ ووعد أوباما بالضرب داخل باكستان إذا رفضت إسلام أباد العمل والتصرف بناء على استخبارات جيدة بشأن أماكن وجود قادة \" القاعدة \"؛ وتعهد ماكين بتعقب ومطاردة أسامة بن لادن \"حتى أبواب الجحيم\". إنها ليست صورة ملطفة. \r\n نحن نحتاج إلى جهد دولي صارم وجدي - بقيادة الولاياتالمتحدة - لضبط الأمور في باكستان مرة أخرى وإصلاح مؤسساتها وإعادة ترتيب أولوياتها. وإذا لم نفعل ذلك، فإننا سنواجه احتمالا مروعا: انهيار باكستان إلى دولة فاشلة تماما، مسلحة بأسلحة نووية، وممزقة بالتوترات العرقية، ومليئة بالكراهية والتعصب، وبالعصابات المتعاطفة مع \" طالبان \" وبأنصار بن لادن في وسطها. \r\n \r\n سوميت جانجولي \r\n مدير الأبحاث بمركز الأمن الأميركي والعالمي بجامعة إنديانا وزميل بالمجلس الباسيفيكي للسياسة الدولية \r\n خدمة \" لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست \" - خاص ب\" الوطن \"