بهذا العمل ادخل الرئيس الجورجي الدب الروسي إلى كرمه وصار من الصعب اخراجه دون دفع ثمن لذلك. \r\n \r\n \r\n موسكو الإمبراطورية العائدة إلى دورها الطبيعي في »الخارج القريب« كما وصفه بريماكوف في ظل يلتسن مع وقف التنفيذ حينذاك، سواء كانت موسكو تحكم باسم القيصر او الحزب الشيوعي أو بنظام سلطوي جمهوري موسكو التي استعادت توازنها السياسي والاقتصادي على نار الروح القومية المتأججة أطلقت عدة رصاصات تحذير باتجاه واشنطن في إطار لعبة يفهمها الكبار أكثر من غيرهم لأنهم يمارسونها دائما، \r\n \r\n \r\n لعبة مناطق النفوذ وتقاسمها ورسم حدودها والتعايش ضمنها أحيانا، وتحذير من نشر نظام الدرع الصاروخية في تشيكيا وبولندا وتحذير من توسيع الحلف الأطلسي إلى الحدود الروسية، إلى مناطق كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي مثل أوكرانيا وجورجيا ورغم التحفظ الفرنسي والألماني في قمة الحلف الأطلسي في بوخارست في الربيع الماضي لتأخير انضمام هاتين الدولتين باسم الواقعية التاريخية والفهم الدقيق للجغرافيا الاستراتيجية في المسرح الأوروبي وتأخير هذا الانضمام وتحذير عند إعلان استقلال الجبل الأسود زيادة في تمزيق آخر بقايا الحليف اليوغسلافي ثم الصربي، \r\n \r\n \r\n تحذير من أن هناك جبالا سودا كثيرة جاهزة للانفصال والاستقلال، ذلك كله لم تأخذه واشنطن بعين الاعتبار وشجعت بسياساتها وسلوكها تبليسي في الاندفاع لتفجير الوضع القائم. جملة من الملاحظات يمكن استخلاصها من هذه الأزمة المفتوحة على تداعيات مختلفة منها: \r\n \r\n \r\n أولا، ان تسوية الأزمة مستقبلا سيشكل قاعدة للتعامل مع أزمات أخرى قد تنفجر في منطقة القوقاز أو قد تفجر في سياق تسوية الأزمة الحالية تحت عناوين مختلفة خاصة عناوين هويات تتطلع للتحرر أو معارضات تستنجد بموسكو، أزمات يزيدها اشتعالا إلى جانب صراع الجغرافيا الاستراتيجية صراع الجغرافيا الاقتصادية وتحديدا اقتصاد مصادر الطاقة. \r\n \r\n \r\n ثانيا، رغم نفي كل من واشنطنوموسكو لعودة الحرب الباردة وبالطبع لم تعد الحرب الباردة كنظام له قواعده وسلوكياته ومناطق نفوذه ولكن طبيعة المواجهة المباشرة وبالواسطة ومنسوب التوتر ولغة الاشتباك ومادة الصراع كلها تحمل سمات بعض أوجه الحرب الباردة. \r\n \r\n \r\n ثالثا، دفع الخطر المباشر والقادم لهذا الصراع فيما لو استمر على المسرح الأوروبي وبالأخص اعتماد اوروبا على الطاقة الروسية إلى بلورة موقف اوروبي سريع لعبت الرئاسة الفرنسية دورا أساسياً في صياغته وانتزاع قبوله كمشروع للتسوية من الطرفين يبقى صالحا كمدخل لتسوية شاملة ولو انه جرى تعليقه بسبب التصعيد الحاصل وستؤكد القمة الأوروبية في الأول من سبتمبر القادم دون شك على هذا المدخل للتسوية. \r\n \r\n \r\n وقد كشفت هذه الأزمة وطبيعتها وجود تباين أميركي أوروبي في إطار العلاقات عبر الأطلسية بين الطرفين بسبب اختلاف المصالح وموقع الأزمة بالنسبة لكل منهما. \r\n \r\n \r\n رابعا، سيتأثر »الشرق الأوسط الواسع« الممتد من أفغانستان إلى البحر المتوسط بهذه المواجهة وسيكون للتوتر الأميركي الروسي تداعيات على المسار التسووي لأزمات المنطقة التي ستكون أيضا بمثابة ملعب لتوجيه الرسائل المتبادلة بين الطرفين. خامسا، ستشكل هذه الأزمة إحدى القضايا الساخنة التي ستتنافس مع الأولويات الشرق أوسطية على الأجندة الانتخابية الرئاسية في الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n \r\n وقد استفاد المرشح الجمهوري جون ماكين من مناخ التوتر الحاصل حاليا بسبب صورة حزبه الصقورية مقارنة مع الحزب الديمقراطي وكذلك صورته الشخصية مقارنة مع باراك أوباما، كما ستكون هذه القضية إحدى الأولويات على أجندة الرئيس الجديد والتي ستطرح نقاشا بدأت ملامحه حول المقاربة الأميركية المطلوبة للعلاقات مع روسيا وهل ستقوم على الانخراط الدبلوماسي مع الحزم أم على المواجهة والتهديد. \r\n \r\n \r\n سادسا، لن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل العملية العسكرية الجورجية وإذا كان الاعتراف الروسي باستقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا شبيها بنتائجه للاعتراف التركي بجمهورية قبرص التركية وإذا أسرعت أوكرانيا مطالبة بالانضمام إلى الحلف الأطلسي في حركة استباقية \r\n \r\n \r\n لمنع تكرار السيناريو الجورجي على أرضها لكن من الطبيعي وشبه المؤكد أن تؤسس الأزمة لمشهد جديد يقوم على تغيير في جورجيا نحو واقعية جديدة للتعامل مع موسكو أو قد ينتج عن الوضع الجديد عودة لما عرف »بنموذج الفنلندة« أو التكيف الكبير للسياسة الجورجية تجاه الجار الروسي أو ربما صياغة علاقات جورجية اكثر توازنا بين موسكووواشنطن وتقوم على نوع من الحياد الايجابي ليس من السهل التوصل إليه ولكن أيضا ليس من المستحيل حصوله. فموسكو المرتاحة إلى وضعها تعمل تحت عنوان مقايضة وجودها العسكري الضاغط بنفوذ سياسي مضمون بقي أن يتفق على حجمه. \r\n \r\n \r\n سابعا، ستضطر واشنطن إلى مراجعة موقفها بشأن اندفاعها نحو الحدود الروسية وتحديدا بشأن توسيع الحلف الأطلسي كما ستضطر موسكو رغم نجاحها الآني إلى عدم الظهور بسياسة العصا الغليظة لأنها قد تؤسس بذلك لوضع متوتر باستمرار على حدودها. \r\n \r\n \r\n ثامنا، قد يكون المخرج الوحيد المعقول الذي يوفر الاستقرار على المدى البعيد، للأزمة الجورجية فاتحة الأزمات القوقازية، التوصل إلى نظام إقليمي امني سياسي يضم دول المنطقة إلى جانب قوى خارجية مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. نظام شبيه بمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي تكون له مرجعياته وقواعده السياسية والسلوكية وأطره وآلياته التعاونية ويوفر الأمن والاستقرار للجميع. \r\n \r\n \r\n تاسعا، قد تفتح الأزمة الجوريجية أو قد تدفع بقوة نحو بلورة نظام عالمي جديد بسبب حالة اللا توازن والسيولة التي تتسم بها العلاقات بين الأقطاب الدولية المختلفة المتراجعة والعائدة والصاعدة على مستوى أوزانها وأدوارها ومكانتها. \r\n \r\n