وقبل ذلك بيوم واحد، التقى مبعوثون من وزارة الخارجية الأميركية بزعماء في أحد الأقاليم الانفصالية في جورجيا، وهو ما يشير إلى اهتمام أميركي قوي بإنهاء الصراعات الانفصالية بالبلد.إن مدلولات هذين الحدثين-بعيداً عن السياق الأوسع لزحف الولاياتالمتحدة إلى فلك النفوذ التقليدي لموسكو. \r\n \r\n \r\n حيث دأبت واشنطن على دعم حركات المعارضة في جهود الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية-هي مدلولات كبيرة بلا شك. فمن الواضح أن الولاياتالمتحدة تتحرك لتوطيد نفوذها، بصورة مباشرة أو عبر التفويض على حد سواء، في منطقة القوقاز-التي تعتبر نقطة ضعف روسيا. \r\n \r\n \r\n وبغض النظر عن مدى صدق إدارة بوش في تبريراتها المعلنة «التغيير الديمقراطي» لهجومها السياسي في المنطقة، فإن الخلاصة التي استشفّتها موسكو مباشرة «بأن واشنطن تنوي محق روسيا كقوة إقليمية» هي خلاصة يمكن تدعيمها بحجج قوية ومنطقية. \r\n \r\n \r\n إن الاستراتيجية الأميركية في هذه المنطقة تتسم بالتعقيد: موسكو محقة في الاعتقاد بأن واشنطن شنت هجوماً ضد النفوذ الروسي، لكن اللعبة أكبر من ذلك بكثير، فجورجيا وأذربيجان مع أرمينيا تشكل جسراً من اليابسة بين البحر الأسود وبحر قزوين، وتمثل بذلك ممر عبور مهماً لإمدادات الطاقة بمنطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى والتي اجتذبت استثمارات ضخمة من الغرب. \r\n \r\n \r\n وفي الوقت ذاته، فإن ممارسة السيطرة على منطقة القوقاز سوف تكمل الطوق الأميركي الجيوسياسي حول إيران. ومن شأن هذا التوجه، إلى جانب سلسلة من الاستثمارات السياسية الأخرى في آسيا الوسطى، أن يمنح واشنطن أدوات نفوذ جديدة وقدرات جديدة على استعراض القوة في وسط المنطقة التي كانت تعتبر «معادية» خلال الحرب الباردة، وأيضاً، إلى الجنوب، في مناطق توالد الحركات الإسلامية المسلحة. \r\n \r\n \r\n إن حجم المخاطر كبير على المدى القريب والبعيد. ولنتأمل، أولاً، الوضع في جورجيا، وهي أول جمهورية سوفييتية سابقة ساعدت فيها واشنطن على تغيير النظام ليحل مكانه نظام موالٍ للغرب. وفي 11 أبريل قامت وزارة الخارجية الأميركية بخطوة لا يمكن الاستهانة بها، عندما أرسلت وفداً إلى عاصمة إقليم أبخازيا-الموالي لروسيا . \r\n \r\n \r\n والذي يحافظ على استقلال فعلي على أرض الواقع منذ الحرب الدموية التي خاضها في أوائل التسعينات-وذلك ل »تشجيع« زعماء الإقليم على تسوية خلافاتهم مع تبليسي «التي سيلتقي فيها الرئيس الأميركي عرضاً بنظيره الجورجي ميخائيل سكاشفيلي في (10 مايو المقبل». وربما يتم إيصال رسالة مشابهة إلى إقليم أوسيتيا الجنوبية الموالي لروسيا والذي يسعى للاستقلال أيضاً. \r\n \r\n \r\n وهذه أول مرة تقحم فيها الولاياتالمتحدة نفسها في الشؤون المحلية الصرفة للجمهوريات السوفييتية السابقة، متجاوزة نطاق محاولات التأثير في السياسات والتوجهات العامة في المستوى الوطني. وثمة سبب بسيط لهذا: فلقد رسم جوزيف ستالين حدود الدول في أنحاء هذه المنطقة بطريقة مدروسة . \r\n \r\n \r\n بحيث لا تحتوي أي جمهورية على قوميات أو مجموعات إثنية غير منقسمة لكي تظل جميع الجمهوريات معتمدة بشكل كلي على موسكو بوصفها كيانات سوفييتية. ومع ازدياد اهتمام واشنطن بالمنطقة، فستجد نفسها ترث مستويً معيناً من المسؤولية عن تسوية الصراعات والتوترات الإثنية التي تعتبر من أكثر المظاهر ديمومة في ميراث ستالين. \r\n \r\n \r\n ولا ينطبق هذا الكلام على جورجيا فحسب، وإنما أيضاً على الجارة أذربيجان، حيث ذكرت تقارير أن رامسفيلد توصل إلى اتفاق مع باكو على توفير ثلاث قواعد سوفييتية سابقة تستخدم كقواعد انطلاق للقوات والطائرات الأميركية. ومن المرجح أن يحضر هذا الاتفاق واشنطن للمساعدة في تسوية النزاعات القديمة بين أذربيجان وأرمينيا بسبب نزاعهما على إقليم ناغورنو كراباخ. \r\n \r\n \r\n ولأجل هذه الغاية تعمل واشنطن الآن مع يرفان أيضاً، ذلك أن نشوب الحرب مجدداً في هذه المنطقة قد يفشل جميع خطط واشنطن المدروسة بعناية.وفي الواقع انه لكي تنجح الولاياتالمتحدة في تحقيق أهدافها بعيدة المدى، فلن يكون بوسعها التنازل حتى عن أكثر الأقاليم الانفصالية هامشية بالنسبة للنفوذ الروسي. \r\n \r\n \r\n وجوهر ما تريده واشنطن هو إبقاء المنطقة بكاملها حصناً منيعاً ومستقراً للمشاعر الموالية للولايات المتحدة.ولذلك سيتم التركيز، بشكل خاص على أماكن قد تبدو غير ذات شأن مثل أبخازيا وأوسيتيا، لأن هذه الأقاليم وبها تكون البوابات الخلفية الأنسب، لكي تحاول موسكو من خلالها إعادة فرض نفوذها في المنطقة. \r\n \r\n \r\n خدمة «لوس أنجلوس تايمز» \r\n \r\n خاص «البيان» \r\n \r\n \r\n