\r\n هل سمعت الخبر؟ أنا سمعته. سمعت أن باراك أوباما قال يوماً إنه لا ينبغي حماية أمن إسرائيل فحسب، بل يجب أيضاً لأي اتفاقية سلام «أن تجعل من فلسطين موطناً للشعب الفلسطيني». يا للعجب! \r\n \r\n هل سمعت الخبر؟ أنا سمعته. سمعت أن باراك أوباما قال يوماً إنه «حان الوقت لإقامة الدولة الفلسطينية. الشعب الفلسطيني يستحق ذلك». يا له من أمر عجيب حقاً! \r\n \r\n هذه هي عينة من الشائعات التي يتناقلها الأميركيون اليهود اليوم حول ما إذا كان لباراك أوباما ميول فلسطينية ضمنية. وأنا أعترف بأن هذه الجمل حقيقية وليست من نسج خيالي. \r\n \r\n لكن ثمة أمرا يتعين توضيحه: لم يأتِ أي من هذه الجمل على لسان باراك أوباما. بل هي اقتباسات أخذت عن لسان الرئيس جورج بوش الابن خلال السنتين الماضيتين. نعم، الرئيس جورج بوش، الصديق المعهود لإسرائيل، تفوه بهذه الكلمات. \r\n \r\n ماذا تستنتجون من هذه العبارات؟ أنا شخصياً استنتج منها مجموعة من الأمور. الأولى هي أن المقاربتين «الديمقراطية» و«الجمهورية» اللتين تتبعهما أميركا إزاء السلام العربي الإسرائيلي لن تتغيرا أياً تكن هوية الرئيس المقبل. وفي هذا الإطار، باتت الولاياتالمتحدة ملتزمة، أكانت تحت إدارة ديمقراطية أم جمهورية، ب «حل الدولتين» الذي يخول للفلسطينيين استرجاع الضفة الغربية وغزة والأحياء العربية من القدسالشرقية، والذي يعيد بموجبه الإسرائيليون المستوطنات في الضفة الغربية، ويعوضون عن تلك التي لم يتم إجلاؤها بأراض في إسرائيل. \r\n \r\n \r\n ومن هذا المنطلق، يمكن وصف الفكرة القائلة إن باراك أوباما سيتخلى عن هذا الموقف الأميركي التوافقي إثر وصوله إلى البيت الأبيض بالمضحكة. لكن على ضوء الجدل الساخن القائم حالياً حول ما إذا كان أوباما «سيخدم مصالح إسرائيل»، قد يكون من المجدي طرح السؤال التالي: ما هي العناصر التي تحدد ولاء الرئيس الأميركي لإسرائيل؟ \r\n \r\n أنا شخصياً، بصفتي أميركياً يهودياً، لا اختار التصويت لهذا المرشح الرئاسي أو ذاك على أساس من سيكون الداعم الأقوى لإسرائيل. بل سأصوت للمرشح الذي من شأنه تعزيز مكانة أميركا ليس لأن الولاياتالمتحدة هي بلدي أولاً وآخراً، بل لأن الدعم الأقوى لإسرائيل ينجم فقط عن دولة أميركية تكون متينة ومتماسكة مالياً وعسكرياً وتحظى باحترام عالمي. وفي المقابل، ما من أمر قد يضع إسرائيل في خطر أكثر من دولة أميركية ضعيفة ومعزولة. \r\n \r\n لا أشك ولو للحظة في دعم الرئيس بوش المطلق لإسرائيل، وأعتقد أن هذا الدعم يأتي بالفعل من صميم ذاته. وبالفعل، يرى الرئيس بوش إسرائيل كبلد يشاطر القيم الأميركية الأساسية في مجالي الديمقراطية والسوق الحرة. وهذا أمر غاية في الأهمية. \r\n \r\n لكن ما يهم أكثر بكثير مما سبق هو أن في عهد الرئيس بوش أحداً لم يعد يهاب الولاياتالمتحدة أو يحترمها أو يرحب بها في الشرق الأوسط، وأن غياب أي سياسة للطاقة عن ولايته لمدة سبع سنوات جعلت من أعداء إسرائيل وأميركا - أي الدول النفطية- أقوى من أي وقت مضى. وفي الحقيقة، إن الخطر الذي باتت تمثله إيران بالنسبة إلى إسرائيل مرتبط مباشرةً بإخفاق بوش في تحقيق مكاسب في العراق وتطوير مصادر بديلة للنفط. \r\n \r\n هل هذا يعني أن أداء باراك أوباما سيكون تلقائياً أفضل من أداء بوش؟ لست أدري. وفي رأيي الخاص، إن نجاح رؤساء الجمهورية الأميركيين أو فشلهم في الدبلوماسية ذات الصلة بالنزاع العربي الإسرائيلي مرتبطان بعاملين لا علاقة لهما بما في قلوبهم. \r\n \r\n يتمثل العامل الأول والأكثر أهميةً في الواقع الميداني واستعداد الطرفين المعنيين لتصدر المساعي الحسنة بغض النظر عما تقوم به الولاياتالمتحدة. فالانفتاح البطولي لأنور السادات تجاه إسرائيل ورد فعل مناحم بيجن مهدا الطريق أمام اتفاقية كامب ديفيد للسلام التي كان جيمي كارتر وراء صياغتها. \r\n \r\n كذلك، فإن الحائط المسدود والموجع الذي قام بين إسرائيل ومصر وسوريا إثر حرب سنة 1973 جعل من اتفاقيات فك الاشتباك التي بادر بها هنري كيسنجر ممكنة. وعلى خط مواز، نجح جيمس بيكر في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي والهزيمة التي ألحقتها أميركا بالعراق في حرب الخليج الأولى في إطلاق عملية السلام في مؤتمر مدريد. \r\n \r\n لكن كان لهؤلاء رجال الدولة الثلاثة قاسم مشترك- وأنتقل هنا إلى العامل الثاني- وهو أنهم تمكنوا من استغلال الفسحة القيمة التي قدمها لهم التاريخ، وبرهنوا عن حزم وبراعة وعدالة إزاء الطرفين. \r\n \r\n أنا لا أتطلع إلى رئيس سيميل باتجاه إسرائيل من دون النظر إلى مطالب العرب، أو إلى رئيس «يحب إسرائيل حتى الموت» كما قاله المفاوض الأسبق في الشرق الأوسط آرون ميلر، ويمتنع عن وضع خطوط حمر أمامها عندما تقدم هذه الأخيرة على أفعال مشينة لا تخدم مصالح أميركا، كبناء مستوطنات في أنحاء الضفة الغربية كافة. \r\n \r\n المهمة ليست سهلة. لكن إن كنتم ستعطون الأولوية لإسرائيل أثناء التصويت، اطرحوا على الأقل الأسئلة الصحيحة عن أوباما. وابتعدوا عن حملة الشائعات المعيبة حول ما يضمره هذا الأخير في قلبه لإسرائيل (ما كان يضمر ريتشارد نيكسون في قلبه؟) وركزوا أولاً على الدولة الأميركية التي من شأن أوباما تأسيسها وفكروا ثانياً فيما إذا كان سيتحلى إثر انتخابه رئيساً للجمهورية بالبراعة؟ والصلابة والحزم لاقتناص فرصة تاريخية، في حال سنحت له يوماً.