\r\n غازات الاحتباس الحراري، والتي تهدد مستقبل أفريقيا، تنبعث من أميركا والصين وأوروبا. أما الناس في أفريقيا فلا يتسببون في أي غاز تقريباً! \r\n \r\n \r\n في المناطق الريفية في تنزانيا، يعد قتل النساء المتهمات بالسحر والشعوذة نوعاً معتاداً من أنواع جرائم القتل. فعندما تعاني تنزانيا من ظروف بيئية غير عادية، إما الجفاف أو الفيضانات، تتضاعف حوادث قتل الساحرات، وذلك حسب بحث أنجزه \"إدوارد ميغيل\"، عالم الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا- بيركلي. ويقول \"ميغيل\" في هذا الصدد: \"خلال السنوات العجاف، تعرف أعمال القتل انفجاراً\". ويعتقد \"ميغيل\" أنه إذا كان تغير المناخ سيتسبب في مزيد من سنوات الجفاف في تنزانيا، فإن النتيجة ستكون مزيداً من النساء اللاتي يُعدمن هناك وفي البلدان الفقيرة الأخرى التي مازالت تهاجم الساحرات المفترضات. \r\n \r\n والواقع أن ثمة أدلة تفيد بأن حرق الساحرات في أوروبا خلال القرون الماضية، ربما كان هو كذلك نتيجة للتقلبات المناخية وتراجع المحصول الزراعي، والضائقات الاقتصادية، والبحث عن كباش فداء. فقد درست \"إيميلي أوستر\"، عالمة الاقتصاد بجامعة شيكاغو، محاكمات السحرة والمناخ في أوروبا الغربية بين عامي 1520 و1770، ووجدت علاقة وثيقة بينهما: برودة الطقس بشكل قوي كانت تؤدي إلى مزيد من عمليات قمع الساحرات. \r\n \r\n كما تميز \"العصر الجليدي الصغير\" الذي عرفته أوروبا ببرودة شديدة في أواخر القرن السادس عشر، وتزامن ذلك مع تجدد محاكمات السحرة بعد فترة هدوء طويلة. كما أن ثمة كذلك دليلاً آخر: ففي إحدى المناطق، دفعت برودة الجو الشديدة والقارسة في مايو 1626 الفلاحين الغاضبين إلى الدعوة إلى معاقبة الساحرات اللاتي حُملن المسؤولية. وقد جادل بعض الباحثين بأن محاكمة السحرة الشهيرة التي شهدتها مدينة \"سيلم\"، وقعت بعد شتاء بارد جداً وفترة كانت صعبة من الناحية الاقتصادية. \r\n \r\n ما أود قوله هو أنه سيكون لتغير المناخ عواقب يصعب التنبؤ بها تتجاوز حدود المناخ والاقتصاد. فهناك أدلة كثيرة على أن الضائقات الاقتصادية وضعف المحصول الزراعي -مثلما يتوقع علماء المناخ حدوثه في البلدان الفقيرة- يمكن أن تؤدي إلى العنف والاضطرابات. ففي الولاياتالمتحدة على سبيل المثال وجد بعض المؤرخين علاقة بين فترات الركود الاقتصادي وقتل السود. \r\n \r\n ومن جانبه، وجد \"بول كولير\"، الخبير في الفقر العالمي بجامعة أوكسفورد، أن الركود الاقتصادي في البلدان الفقيرة يؤدي إلى زيادة خطر اندلاع حرب أهلية. ويحذر البروفيسور كولير من احتمال أن يتسبب تغير المناخ في خفض التساقطات المطرية في منطقة أفريقيا الجنوبية إلى درجة أن الذرة لن تظل محصولاً متاحاً هناك. ولأن الذرة تعد وسيلة رئيسية من وسائل العيش في المنطقة، فإن النتيجة قد تكون نقصاً كارثياً في الغذاء وبالتالي حرباً أهلية. \r\n \r\n ولعل المنطقة التي ستتأثر أشد التأثر -عدا الجزر التي ستختفي تحت الأمواج- هي منطقة الساحل الهشة الواقعة جنوب الصحراء في غرب أفريقيا. ذلك أن هذه المنطقة فقيرة أصلاً وتعاني من التوترات الدينية والعرقية، وقد يدفع تراجع كمية الأمطار بالمنطقة نحو الحرب. وفي هذا السياق، يقول البروفيسور ميغيل: \"أفقر الشعوب على الأرض هي شعوب منطقة الساحل التي تكافح من أجل البقاء. إن تغير المناخ سيكرس معاناتها ويزيدها\". ويشير البحث الذي أنجزه ميغيل إلى أن الجفاف في عام من الأعوام يزيد من خطر انزلاق أحد البلدان الأفريقية إلى حرب أهلية العام الموالي بنسبة 50%. \r\n \r\n ومما يذكر هنا أن النزاع العرقي في دارفور تفاقم نتيجة للجفاف والتنافس على الماء، بل ويرى بعض الخبراء أنه يمثل أول حرب يتسبب فيها تغير المناخ. وإذا كان هذا الرأي مغرقاً في التبسيط على اعتبار أن العامل الأساسي هو بطش الحكومة السودانية، فإن تغير المناخ قد يكون بالفعل عاملاً مساعداً. \r\n \r\n في كتابه المقبل الذي يحمل عنوان \"أفراد العصابات الاقتصاديون\"، يدعو ميغيل إلى نظام جديد للمساعدات الطارئة الموجَّهة للبلدان التي تعاني جفافاً غير عادي أو هزات اقتصادية غير عادية أيضاً. أما الهدف من مثل هذه المساعدات المؤقتة، فهو خفض خطر اندلاع الحرب التي، إن بدأت، سيكون من المكلف جداً وقفها، وستمتد تداعياتها إلى البلدان المجاورة وتدمرها أيضاً. \r\n \r\n إن الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تهدد مستقبل أفريقيا تنبعث من الولاياتالمتحدة والصين وأوروبا. أما الناس في بنغلاديش وأفريقيا فلا يتسببون في أي غاز كربون تقريباً، ومع ذلك فهم من سيتحملون وزر تغير المناخ. إذ يعتقد بعض الخبراء أن الضرر الذي يلحقه الغرب بالبلدان الفقيرة جراء انبعاثات الكربون تفوق فوائد برامج المساعدات. \r\n \r\n كل هذا يجعل معارضة الولاياتالمتحدة لمواجهة تغير المناخ على نحو جاد -مثل فرض ضريبة على الكربون تعوض الضريبة على الأجور، وزعامة عالمية في هذا الموضوع- أمراً غير منصف بل مؤسف إلى حد كبير. وعليه، فلنتذكر أن رهانات تغير المناخ أكبر وأوسع من فصول الصيف الأكثر حرارة من المعتاد أو من تضرر المنازل الشاطئية، ذلك أن العواقب الوخيمة لنكراننا للأخطار التي يطرحها تغير المناخ وتأخرنا في اتخاذ الخطوات الضرورية، قد تشمل حربا أهلية –بل وحتى قتل الساحرات- عند أفقر الشعوب على وجه هذه البسيطة. \r\n \r\n \r\n \r\n نيكولاس كريستوف \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n