\r\n الانفاق الحربي: أيساعد ام يضّر الاقتصاد? \r\n \r\n يجري حاليا جدل حول مدى تأثير الانفاق الحربي على اقتصاد اي بلد. وفي هذا يختلف الخبراء في اهم نقطة جوهرية, هي فيما اذا كانت الحرب تساعد آفاق الاقتصاد القومي ام تلحق به الضرر. فأحيانا, يعزى الى الانفاق الضخم على شؤون الدفاع القومي الامريكي, خلال الحرب العالمية الثانية, انعاش وتجديد الآفاق الاقتصادية في الولاياتالمتحدة بعد \"الركود الكبير\". ويقول الصحافي روبرت صامويلسون, في كتاب تمهيدي عن الموضوع, انه ما من شك في ان الانفاق والتعبئة العسكريين, خلال الحرب العالمية الثانية, \"قد خففنا معدلات البطالة\", واحييا الاقتصاد في الولاياتالمتحدة. وتتوصل ورقة بحث حديثة, صادرة عن \"المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية\", الى الاستنتاج بأن البلدان ذات الانفاق العسكري العالمي, خلال الحرب العالمية الثانية, اظهرت نموا اقتصاديا قويا بعد الحرب, ولكن ذلك النمو - يقول البحث - \"يُعزى الى النمو السكاني\" اكثر منه الى الانفاق الحربي. ويخلص البحث الى ان للانفاق الحربي تأثيرا ضئيلا فقط في النشاط الاقتصادي لكل فرد. \r\n \r\n وبالقدر ذاته من الجدل والاختلاف, بحثت آثار الحروب الاخيرة. فتقول دراسة احصائية هامة عن الاقتصاد الامريكي, اجرتها وزارة الخارجية, انه كان لحرب فيتنام \"تأثير اقتصاد مختلط\". وتلقى \"حرب الخليج\" الاولى انتقادا بأنها دفعت الولاياتالمتحدة الى ركود اقتصادي في عام .1991 وكتب العالم الاقتصادي ستيغليتز, في صحيفة \"الغارديان\", يقول ان آثار \"حرب الخليج\" تفضح \"اسطورة اقتصاد الحرب\". وفي الحقيقة يحاول ستيلغيتز ان يبرهن على ان الانفاق العسكري الزائد \"يسيء بشكل لا لبس فيه\" لمستوى معيشة المواطنين العاديين. ويجادل خبراء آخرون بعكس ذلك. فكتب العالم الاقتصادي بجامعة هاررد, مارتن فيلدشتاين, والمستشار الاقتصادي السابق للرئيس رونالد ريغان, كتب مؤخرا في مجلة \"الشؤون الخارجية\" يقول, ان بامكان الولاياتالمتحدة \"زيادة ميزانية البنتاغون\" بشكل معتدل, من دون ان يؤثر ذلك سلبا على الاقتصاد. \r\n \r\n \r\n التأثير الاقتصادي المباشر للحرب: \r\n \r\n بصرف النظر عن الاسئلة المجردة, حول فيما اذا كان الانفاق الحربي عاملا مساعدا ام ضارا, يتجادل اهل الاقتصاد حول التأثير الاقتصادي المحدد للحربين الحاليتين على العراق وافغانستان. واذ يقدر البعض ان اجمالي كلفة هاتين الحربين, على المدى البعيد, يساوي ما بين 2.4 - 3.5 تريليون دولارا - وهي تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس, واعضاء الكونغرس من الديمقراطيين في اللجنة الاقتصادية المشتركة - فان بعض الخبراء يتحاورون تحديدا حول الاثر المباشر لهذا الانفاق على الاقتصاد الامريكي. وتتباين التحليلات في هذا الصدد, وبشكل حاد, وفقا للرقم الذي يتم استعماله. فان كانت تنبؤات مكتب الموازنة صحيحة, بأن كلفة الحربين ستصل الى 2.4 تريليون دولار حتى عام ,2017 مفترضين المستويات الحالية لسكان الولاياتالمتحدة, فمعنى ذلك ان الكلفة الاجمالية, او 570 دولارا لكل مواطن في السنة. \r\n \r\n وبالمقارنة, يقول الديمقراطيون في اللجنة الاقتصادية المشتركة, التي تقدر كلفة الحربين ب 3.5 تريليون دولار حتى عام ,2017 او 830 دولارا في السنة. ويحلل هذان التقديران عامل الفائدة على الديون الخارجية, التي تبيعها الولاياتالمتحدة بغاية المساعدة في تمويل الحرب. وتشكل هذه الديون نسبة هامة من الكلفة الاجمالية. فعلى سبيل المثال, يقول مكتب الموازنة في الكونغرس, وهو يدقق في كلفة الحرب على العراق, على المدى البعيد, ان الكلفة الحقيقية حتى عام ,2017 ستصل الى تريليون دولار تقريبا, وان فائدة الديون ستضيف الى هذا الرقم مبلغ 700 مليار دولار. \r\n \r\n الاثر الاقتصادي المصاحب: \r\n \r\n تمس حربا العراق وافغانستان الاقتصاد الامريكي بطرائق متنوعة, غير تأثير الانفاق المباشر. فمن الناحية الاولى, يتوفر في العراق مخزون هائل من النفط, ويؤثر التأرجح في مستويات انتاجه هناك على اسعاره الدولية. وتقول \"بعض التقديرات\" ان كمية النفط العراقي تأتي في المرتبة الثانية عالميا, بعد العربية السعودية. وذكرت مجلة \"وول ستريت\", في عدد كانون الاول ,2007 بأن تحسن الاوضاع الامنية اتاح لانتاج النفط العراقي العودة الى \"مستوياته ما قبل الحرب\". غير ان وزير النفط العراقي السابق قال, في مقابلة مع المجلة المذكورة, ان المحافظة على مستويات الانتاج الحالية تشكل اختبارا جديا. فاذا تمكن العراق من تثبيت - او احتمال زيادة - انتاجه النفطي, فان خوض الحرب عليه قد وضع هذا الانتاج في حالة التوقف التام تقريبا في عام .2003 وفي السنوات التالية, منذ ذلك الحين, \"ثبت تصدّع\" مكاسب الانتاج, كما يدل على ذلك التقرير الاخير عن الاسس الخلفية للبنى التحتية العراقية. \r\n \r\n ومن ناحية اخرى, تلعب الاضطرابات الجيوسياسية, ايضا, دورا في \"التأثير على اسعار النفط\". اذ ارتفعت, الى ذرى شاهقة\", اسعار النفط الخام منذ بداية الحرب على العراق, هذا على الرغم من ان بعض الخبراء يقولون ان الاضطراب في العراق ليس الا عاملا واحدا من عدة عوامل تؤثر في هذا الارتفاع لاسعار النفط. وهذا بدوره يؤثر تأثيرا شديدا على الاقتصاد الامريكي. وفي هذا الشأن, يلاحظ دوغلاس هولتز - ايكين, المدير السابق لمكتب الموازنة في الكونغرس, ويعمل حاليا مستشارا لحملة المرشح الجمهوري لمنصب الرئيس, جون ماكين, مدى هذا التأثير في مقالة له في صحيفة \"فاينانشال تايمز\", عام ,2006 بالقول ان هذه الحرب قد تنطوي على \"اضرار لدورة الاعمال\", وربما تكون بالغة, لكونها تؤدي الى ارتفاع اسعار النفط, والى هبوط في معدلات النمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n ويقول محللو شؤون الاسواق, ان ارتفاع اسعار الطاقة, مقرونة بهبوط قيمة الدولار, قد كبل ميزانيات الشركات والمستهلكين الامريكيين, ودفع الولاياتالمتحدة نحو ركود محتمل. كما ان ارتفاع اسعار النفط \"يشجع التضخم ايضا\", الذي تظل نسبته ذات مستوى متدنّ في الولاياتالمتحدة, ولكنها قد تبرز - كما يقول بعض الخبراء, كقضية اقتصادية رئيسية, خاصة اذا احس البنك المركزي الامريكي (بنك الاحتياط الفيدرالي) بضرورة اجراء تخفيض جديد على اسعار الفائدة. ويضيف هؤلاء الخبراء ويقولون انه مع ذلك, قد تساعد الارباح المستقبلية, الناجمة عن زيادة انتاج النفط, هذا ان استمرت الظروف الامنية في العراق بالتحسن, في تخفيف وطأة بعض الضغوط الاقتصادية. \r\n \r\n المخاطر الجيوسياسية والحالة النفسية للسوق: \r\n \r\n يقول خبراء ان بعض اسوأ الاثار الاقتصادية لحربي العراق وافغانستان تأتي, كذلك ضمن اصعب الامور من حيث تحديدها كميا. فالاسواق تضع تقييماتها للمخاطر المالية والجيوساسية ضمن تسعيراتها لكل شيء. فبالمدى الذي يهدد عدم الاستقرار السياسي في العراق, استقرار اسواق الشرق الاوسط والاسواق العالمية, بصورة اعم, فان لذلك تأثيرا اوسع ايضا, وان كان غامضا بعض الشيء, على اسعار الموجودات. وقد حدد العالم الاقتصادي بجامعة ييل, ويليام نوردهاوس, مدى الافراط في الطرئق, التي قد تلقي السيناريوهات المختلفة للحرب على العراق \"اعباءها على الاقتصاد العالمي\", وذلك في مقالة نشرت في كانون الاول ,2002 في \"سلسلة مراجعة الكتب لصحيفة نيويورك تايمز\". وعلى الرغم من ان نوردهاوس يستشهد باسعار تقديرية تجاوزتها الحال الآن, الا ان الخطوط العامة للتأثيرات التي حددها تظل صالحة, وتشمل \"النزاع المطول (في العراق), والتأثيرات المتناقضة في اسواق النفط, والتصعيد الاسرائيلي للحرب, والاعمال الارهابية في عموم انحاء العالم, والتكاليف الباهظة للاحتلال وحفظ السلام, والكلفة ذات الاعباء الكبيرة لاعادة الاعمار وبناء الدولة, والكلفة العالية للمساعدات الانسانية, والصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد الامريكي, واستعمال اسلحة الدمار الشامل. \"يضاف الى ذلك, احتمال وقوع نزاع مع ايران, الذي يقول عنه العديد من الخبراء انه تفاقم بسبب تورط امريكا في العراق, واحتمال نشوب نزاع بين تركيا وكردستان العراق, الذي سيهدد انتاج النفط الغزير في شمال العراق, وكلفة تركيز السياسة الخارجية الامريكية على العراق, واحتمال ان تتسع هذه الكلفة اذا تأخرت الولاياتالمتحدة في حل النزاعات الاخرى في المنطقة. \r\n \r\n وعلاوة على ذلك, يعلق الخبراء على الاثار النفسية لتورط الولاياتالمتحدة في العراق خاصة على اقتصادها. في هذا الشأن, كتب فريد زكريا مقالة في مجلة \"نيوز ويك\" يقول فيها ان القلق المنتشر جزئيا جراء التورط الامريكي في العراق. قد نسف ما شاع سابقا عن الموقف الامريكي \"المتفتح والصريح\" حيال السياسة الخارحية والاقتصاد. مضيفا بأن امريكا اصبحت دولة \"اهلكها الخوف والتشاؤم\", وادى هذا الخوف الى انتهاج سياسات حمائية في التجارة والهجرة والاسواق, التي تقود بدورها الى تهديد الاقتصاد الامريكي بالخطر في المستقبل. \r\n