وفي المقابل، ينظر البعض إليها على أنها خطوة إيجابية ومحاولة لخلق دولة توجهها العدالة الاجتماعية. \r\n وقد أجرى مركز ليفادا، الذي يعتبر واحداً من أبرز مراكز استطلاعات الرأي الروسية، مؤخراً مسحاً لاستكشاف المزيد من المعلومات حول كيفية إدراك عامة الشعب لهذا الحدث التاريخي. وذكر 31% من المشاركين في هذا الاستطلاع أن الثورة البلشفية كانت تعد بمثابة رأس حربة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي تحقق بعدها في روسيا. وذكر 26% من المشاركين في المسح أن هذه الثورة ساعدت روسيا على فتح صفحة جديدة. وفي المقابل، ذكر 16% من الأشخاص المستطلعة أراؤهم أن الثورة البلشفية مثلت عائقاً كبيراً أمام تقدم بلادهم، بينما وصفها 15% بأنها تعتبر كارثة وطنية. وفي النهاية، أجاب 12% من المشاركين في الاستطلاع بأنهم لا يعرفون شيئاً عن الثورة البلشفية. \r\n وتشير نتائج هذا المسح إلى أن أغلبية الروس ينظرون إلى الثورة البلشفية على أنها حدث تقدمي وإيجابي. وربما يكون هذا أحد الأسباب التي تفسر بقاء جسد الزعيم البلشفي السابق فلاديمير لينين في ضريح حكومي ضخم. ولا تستعجل النخبة الحاكمة في حقبة ما بعد انتهاء الشيوعية إعادة دفن هذا الزعيم الثوري الشهير خوفاً من أن تؤدي هذه الخطوة إلى إثارة موجة عارمة من الغضب الشعبي. ولا تزال صور وتماثيل لينين موجودة في العديد من المدن الروسية. ويفد عدد كبير من المواطنين الروس لزيارة قبر لينين للتعبير عن حبهم وتقديرهم لهذا القائد الشيوعي. \r\n وترتبط الثورات الاجتماعية عادة بوجود زعماء يمتلكون موهبة خاصة في حشد الجماهير خلفهم. وقد نجح لينين في حشد الجماهير خلفه عام 1917 عندما قفز على حاملة جنود عسكرية لكي يتحدث عن رؤيته بخصوص الثورة الشيوعية. وحدد الزعيم الروسي الراحل بوريس يلتيسن خطوط إرشادية لروسيا الديمقراطية الجديدة عندما تحدث إلى الجمهور من على متن دبابة في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت عام 1991. وتكشف مثل هذه المواقف التاريخية المتماثلة نمطاً واحداً، وهو الأمر الذي يسهل علينا إلتماس الحصول على العديد من المعاني من الماضي. \r\n وبدأ كل من لينين ويلتسين حياتهما السياسية من قاعدة منخفضة، وقد ساهمت خطاباتهما الشعبية التي صدرت في الوقت والمكان المناسب في تعزيز مكانتهما بشكل سريع. وقد ترك شعار \"أرض الفلاحين\" الذي أطلقه لينين أثراً هائلاً على الشعب الروسي الذي كان يتكون في غالبيته من الفلاحين والمزارعين، وهو الأمر الذي ساهم في تحقيق لينين لإنتصار كبير ونجاحه في الفوز بقلوب وعقول الناخبين الروس. \r\n ومن جانبه، دعا يلتسين لتحقيق الديمقراطية في وقت كانت روسيا تستعد فيه للابتعاد عن الحكم الشمولي لكي تصبح مجتمعاً أكثر حرية، وكانت تفتقر فقط لزعيم يدلها على الطريق الصحيح. وقد ثارت موجة حادة من الجدل في الآونة الأخيرة حول حكمة وذكاء قادة الثورة البلشفية الذين ساهموا في تغيير النظام الحاكم في روسيا مع تأكيد بعض المحللين على أن هذه الثورة يجب أن تصنف على أنها انقلاب عسكري. وأنا أعتقد أن المصطلح \"ثورة\" يعتبر مناسب بشكل أكبر من مصطلح \"انقلاب عسكري\" لأن العقول المدبرة لهذه الثورة كانوا يمتلكون خطة عمل جيدة، ورؤية واضحة لمستقبل بلادهم في مرحلة ما بعد الثورة. \r\n وقد جرت العادة في أغلب الأحيان أن الناس الذين يشاركون في عملية تغيير نظام الحكم لا يمتلكون أي إحترام للقانون، ويمكن تصنيف العديد منهم على أنهم مجرمين. ولكن في مجال السياسة، يعتمد كل شئ على وجهة نظر. ومن منطلق الحكم بمبدأ الفائز يحصل على كل شئ، سوف يجرم الأشخاص الذين يفرضون قبضتهم على السلطة الزعماء الذين أطاحوا بهم. لذا، إذا كانت الثورة التي إندلعت في عام 1991 للإطاحة بالرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف قد نجحت، فإن المتشددين الذين نظموا هذا الإنقلاب كانوا سيعلنون أنفسهم بكل تأكيد حماة للدولة مع وصف يلتسين بالمجرم. \r\n ولكن أيا كانت الخدع التي يستخدمها رجال السياسة لإخفاء الطبيعة الحقيقية للأشياء، فإن عقائدهم وحوافزهم تتضح لا محالة بعد فترة قصيرة. وكان لينين يحاول أن يبني في روسياالمدينة الشيوعية الفاضلة التي كان يؤمن بها بقوة. وكان خليفته ستالين لا يمتلك أي أوهام تتعلق بالشيوعية عندما جاء إلى السلطة، ولكنه سعى إلى إنشاء دولة أوتوقراطية قوية من خلال النزعة الصناعية وتنظيم الأراضي الزراعية. وكانت الثورة البلشفية التي إندلعت في شهر أكتوبر عام 1917 قد سبقتها ثورة أخرى في شهر نوفمبر. وكان من المحتمل أن تكون ولادة الجمهورية الروسية أقل ألماً إذا لم يحدث هذا الانقلاب. \r\n ويمكن أن يتضح الفرق بين هذين الزعيمين بإستخدام التناظر الطبي. فقد عامل الزعيم الأول روسيا على أنها طبيبة ولادة متمرسة، بينما تصرف هذا الأخير مثل قابلة تعمل في الشوارع الخلفية تجري عملية قيصرية بدون إمتلاكها للأدوات والمهارات الضرورية. \r\n ويمكن إلقاء تبعة الكثير من الظلم التاريخي على قادة الثورة البلشفية، ولكن جريمتهم الكبرى كانت تتمثل في قتل كل الأشخاص الذين وقفوا في طريقهم. وكان الشاعر الروسي الشهير ألكسندر بلوك يعتقد بوجود معنى غامض عميق يقف وراء الثورة البلشفية. وقدم بلوك في قصيدته الشهيرة \"إثنا عشر\" التي تعد أول محاولة شعرية لتناول هذا الحدث، الثورة البلشفية على أنها عمل قام به اثنا عشر حوارياً من حواري السيد المسيح. وقد سقطت روسيا في العنف الثوري من أجل المستقبل السعيد. وبعد مرور تسعين عاماً على إندلاع الثورة البلشفية، يبدو أن هذه الثورة كانت نقمة أكثر من كونها نعمة للدولة الروسية. \r\n \r\n بوريس كايماكوف \r\n معلق سياسي بوكالة نوفوستي الروسية للأنباء. \r\n خدمة إم سي تي خاص ب (الوطن)