\r\n ولم تقدم الحكومة الأميركية قط دليلا بشكل علني لدعم وتأييد تلك التهمة. فبموجب أمر تنفيذي أصدره الرئيس جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 بوقت قصير تم إغلاق المؤسسة وتجميد أصولها، ولم تكن الحكومة مضطرة لتقديم دليل. وقد قامت بإغلاق الجمعية الخيرية بدون استماع أو محاكمة أو حتى بيان بالأسباب. وعندما لجأت المؤسسة إلى القضاء، رفضت محكمة فيدرالية في حي كولومبيا بواشنطن دراسة أو تأمل أي دليل قدمته المؤسسة في دفاعها، واعتمدت على دليل سري قدمته الحكومة الأميركية خلف أبواب مغلقة ورفضت تأكيد المؤسسة بأن أخذ ممتلكاتها على أساس الدليل بأن الجمعية الخيرية لم يكن لديها فرصة للإطلاع على الدليل أو الدفع والرد بالبينة والحجة هو مخالفة وخرق للعملية القانونية الصحيحة. \r\n ويوم الاثنين الماضي حمل نتيجة مختلفة. ففي محاكمة جنائية في دالاس اتهم فيها المدعون الفيدراليون (مؤسسة الأرض المقدسة) ومديريها بعدد 197 مخالفة جنائية متعلقة بتمويل ما يسمى بالإرهاب، لم تصدر هيئة المحلفين إدانة واحدة. فقد برأت مدعيا عليه من كل التهم عدا تهمة واحدة وفشلت في التوصل إلى حكم إجماعي في أي من التهم الأخرى. والاختلاف في النتائج كان يمكن ألا يكون صارخا أكثر. ففي المحاكمة الأولى من جانب واحد، سادت وتفوقت الحكومة، ولا دهشة في ذلك. وفي الثانية، عندما كان مطلوبا منها تقديم دليلها وإقناع هيئة المحلفين، لم تستطع الحكومة أن تفعل ذلك. \r\n وهذا الفشل لم يكن هو الفشل الأول للحكومة. ففي عام 2005، برأت هيئة محلفين في (تامبا) ساحة سامي العريان، الأستاذ الجامعي بجامعة ساوث فلوريدا الأميركية، من أخطر التهم ضده، والمتصلة بالتورط المزعوم في جمع أموال للجهاد الإسلامي الفلسطيني؛ وقد صوتت بنسبة 102 لصالح تبرئته في باقي التهم. وفي هذا العام برأت هيئة محلفين في شيكاغو رجلين من تهم مفادها أنهم قد مولا حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وحتى الآن، أغلقت الحكومة وجمدت أصول سبع جمعيات خيرية إسلامية في هذا البلد (أميركا)، ولكنها لم تحصل على إدانة فيما يتعلق بتمويل ما يسمى الإرهاب ضد أي أحد متورط في أي من هذه الجمعيات الخيرية. \r\n والسؤال المطروح الآن هو لماذا تخسر الحكومة الأميركية هذه القضايا؟ ليس لأن القوانين ضيقة جدا أو لأن معايير الإثبات مطلوبة جدا. فقوانين (التدعيم المادي) تجرم إعطاء أي شيء له قيمة، بما في ذلك المساعدات الإنسانية أو خدمات المرء التطوعية الخاصة، إلى منظمة تعنونها الحكومة بأنها جماعة (إرهابية) وتزعم الحكومة أنه ليس من قبيل الدفاع أن الداعم لم يكن لديه نية دعم أي سلوك إرهابي أو حتى أن الدعم لم يدعم في الحقيقة أي إرهاب. وللأغراض العملية كلها، يفرض القانون صلة وارتباطا بين هذا وذاك. \r\n لقد سعى المدعون الفيدراليون لمد نطاق المسؤولية القانونية حتى إلى أكثر من هذا، ففي حالة جمعية (الأرض المقدسة)، على سبيل المثال، لم تقدم الحكومة أي دليل على أن الجمعية قد مولت (حماس)، وهي منظمة محددة على أنها إرهابية من قبل الحكومة الأميركية. وزعم المدعون بدلا من ذلك بأن الجمعية قد دعمت (لجان الزكاة) التي تقدم المساعدات الإنسانية في مختلف مدن الضفة الغربية وأن هذه اللجان كانت واجهات ل(حماس) أو مرتبطة بها. ولكن القانون يجيز للحكومة أن تحدد الجماعات (الواجهة)، وهي تفعل ذلك بانتظام. وحتى هذا اليوم، لم تحدد الحكومة أي لجان زكاة. غير أنها سعت إلى تعريض جمعية) الأرض المقدسة (للمساءلة جنائيا على توفيرها مساعدات إنسانية لجماعات لم تقل الحكومة نفسها قط أنها محظورة. \r\n وفشل الحكومة الأميركية في قضية جمعية (الأرض المقدسة) يشير إلى أن العمليات والإجراءات الإدارية الخاصة بتحديد الجماعات على أنها منظمات إرهابية هي عمليات وإجراءات معيبة ويشوبها العوار. لقد أكد الرئيس الأميركي على السلطة والصلاحية في تحديد أي منظمة أو فرد يختارهما هنا في أميركا أو بالخارج بدون تهم رسمية أو محاكمة أو جلسة استماع من أي نوع؛ وبدون بيان للأسباب؛ وعلى أساس أدلة سرية. وبينما لا تكون الحمايات والضمانات الجنائية الكاملة النطاق ضرورية ولازمة، فإنه من المؤكد أن الجماعات والمنظمات يجب أن يُتاح لها فرصة معقولة للدفاع عن نفسها قبل أن يتم إغلاقها. \r\n ونحن قد رأينا هذا من النظام من قبل. ففي حقبة (ماكارثي)، أنشئت الحكومة التي كانت تعمل من خلف أبواب مغلقة قوائم لل(المنظمات المخربة) ثم عرضت الأفراد للمساءلة عن أي ارتباط مع مثل تلك الجماعات، مستخدمةً غالبا أدلة سرية لتدعيم وتأييد التهم. ومثل تلك الأعمال جلبت الانتهاك والإساءة والتجاوز وألحقت ضررا وأذى بالأبرياء وخرقت الحقوق نفسها التي كانت تزعم الحكومة أنها تحميها. وكما قالت المحكمة العليا في قراراها لعام 1967 معلنةً متأخرةً عن الوقت أن الاساليب المتبعة في التجريم على الارتباط في فترة (ماكارثي) غير دستورية: (سيكون من السخرية حقا إذا وافقنا باسم الدفاع القومي على تدمير واحدة من تلك الحريات وهي حرية الارتباط بجمعيات أو اتحادات وهو ما يجعل الدفاع عن الأمة جديرا بالاهتمام ومستحقا العناء من أجله. ويبدو أن الإدارة الأميركية قد نسيت ذلك الدرس؛ غير ان هيئات المحلفين الأميركيين مازالت تذكره لحسن الحظ. \r\n \r\n ديفيد كول* \r\n * أستاذ القانون بجامعة جورج تاون الأميركية وأحد مؤلفي كتاب (أقل أمنا، أقل حرية: لماذا تخسر أميركا الحرب على الإرهاب) \r\n * خدمة واشنطن بوست خاص ب(الوطن) \r\n