\r\n \r\n \r\n فهذه البلدة المسلمة تمثل -حسب لغة المختصين في محاربة الإرهاب- \"مركز ثقل\" يمكن التأثير فيه عن طريق مشاريع بسيطة ومفيدة من قبيل بئر جديدة أو قسم دراسي أو مرحاض. وفي هذا السياق، يقول \"باتل\": \"إن المهم هو الناس الذين سيستفيدون من هذه المشاريع\". \r\n وإذا كان الفشل في العراق قد ألقى بظلاله على قصص النجاح في الحرب الأميركية على الإرهاب، فإن التطورات الأخيرة التي شهدها جنوب الفلبين تمنح مخططي \"البنتاجون\" بعض الأمل. غير أنها تُظهر في الوقت نفسه الطابع المُعقد لخوض حرب في منطقة حيث تنتشر الفوضى ويحتدم النزاع، إضافة إلى الجهود الكبيرة الضرورية لمساعدة جيش وطني حتى يكون قادراً على مواجهة المتمردين. \r\n بعد خمس سنوات على تمكن القوات الفلبينية، المدعومة من قبل الولاياتالمتحدة، من إخراج النشطاء الإسلاميين من جزيرة \"باسيلان\"، يجري حالياً تنفيذ هجوم واسع على جزيرة \"جولو\"، حيث أعاد النشطاء تنظيم صفوفهم. أما الهدف، فيتمثل في منع بقية أعضاء جماعة \"أبو سياف\"، وهي واحدة من عدة مجموعات متمردة تحارب من أجل إقامة دولة إسلامية منفصلة، من إيجاد ملاذ لهم في الجزيرة. ولهذا الغرض، قامت وحدات فلبينية منذ أغسطس الماضي بقتل أو اعتقال ما لا يقل عن نصف أعضاء جماعة \"أبو سياف\" في جزيرة \"جولو\"، والذين يقدر عددهم ب400 عضو، ويُقال إن من بينهم قذافي جنجلاني وأعضاءً كباراً آخرين. \r\n ويقول القادة الفلبينيون في \"جولو\" إنهم واثقون من أن قواتهم هناك، والتي يصل قوامها إلى 7000 رجل، قادرة على إنجاز المهمة. وفي هذا الإطار، يقول الجنرال الفلبيني \"روبيرتو بابوستان\": \"إن ذخيرتهم أخذت تنفد، ولذلك، فإنهم يعمدون إلى الفرار؛ غير أننا نواصل الضغط عليهم، وهم الآن في وضع بات معه القضاء عليهم أمراً ممكناً\". \r\n والواقع أنه إذا صح هذا القول، فمن شأن ذلك أن يسمح للجيش الفلبيني بوضع حد لإرهاب مجموعة أنشأها صهر أسامة بن لادن أوائل التسعينيات، قبل أن تتحول لاحقاً إلى شبكةٍ للخطف غدا من الصعب تمييزُها عن بقية العصابات الإجرامية التي تنتشر في المناطق النائية من الفلبين. وإذا كان ذلك يجعل من جماعة \"أبو سياف\" أمراً هامشياً على صعيد الحرب العالمية على الإرهاب، فإنها ليست أقل تهديداً لجهود الحكومة الفلبينية الرامية إلى إرساء سلام دائم في جزيرة \"ميندناو\" المضطربة. \r\n بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان يُنظر إلى الفلبين على نطاق واسع باعتبارها \"الجبهة الثانية\" للحرب العالمية على الإرهاب بعد أفغانستان. وفي هذا الإطار، دعت الرئيسة الفلبينية \"جلوريا أرويو\"، التي تعد من حلفاء الولاياتالمتحدة، القوات الأميركية للمساعدة على محاربة جماعة \"أبو سياف\"، ولكنها استبعدت قيامها بدور قتالي. وهكذا، تم تشكيل فريق عمل عسكري أميركي بهدف تجهيز وتدريب القوات الفلبينية التي يتم نشرها في جزيرة \"باسيلان\" التي كانت تبسط فيها جماعة \"أبو سياف\" سيطرتها. وفي غضون ذلك، انتشر فريق من المهندسين التابعين للقوات الأميركية والفلبينية في \"باسيلان\" من أجل ترميم وبناء الطرق والجسور في محاولة لدق إسفين بين جماعة \"أبو سياف\" والمتعاطفين معها من السكان المحليين. والواقع أن الجهود أثمرت، إلا أن أخطاء تكتيكية سمحت لزعماء المجموعات بالهرب وإعادة تنظيم صفوفها. \r\n واليوم، ينتهج الجيش الأميركي الاستراتيجية نفسَها في \"جولو\"، وهي جزيرة على شكل كِلية عانت عقوداً من التمرد الإسلامي ضد الحكومة الفلبينية التي يسيطر عليها المسيحيون. وبفضل نصائح القوات الخاصة الأميركية، تمكنت القوات الفلبينية من محاصرة جماعة \"أبو سياف\"، في حين حالت الدوريات البحرية دون هرب أعضائها إلى جزر أخرى. ورغم خمس سنوات من المساعدات العسكرية الضخمة، فإن المسؤولين الأميركيين يؤثرون نسبة الفضل في هذه الانتصارات إلى حلفائهم الفلبينيين. وفي هذا الإطار، يرى العقيد \"ديفيد ماكسويل\"، قائد فريق العمل العسكري الأميركي الذي أشرف على عملية \"باسيلان\" عام 2002: \"أنها قصة نجاح فلبينية؛ فهم من قاموا بخوض القتال ومساعدة السكان. أما نحن، فلم نقدم سوى الدعم\". \r\n القوات الفلبينية المحاربة على الجبهة حظيت أيضاً بإشادة المسؤولين السياسيين في العاصمة \"مانيلا\"، والذين تعهدوا بتقديم المزيد من المال والمعدات. غير أنه نظراً لأن تعهدات مماثلة في السابق لم تُترجَم إلى أفعال على الأرض، فإن ذلك أثار مخاوف من حدوث اختلاسات من قبل مسؤولين كبار. ومما يُذكَر في هذا الإطار أن ضباطاً صغاراً في \"ميندناو\" قاموا عام 2003 بعصيان قصير في \"مانيلا\" احتجاجاً على الفساد. وإضافة إلى ذلك، فقد اتُّهم جنود فلبينيون ببيع الأسلحة للمختطفين والمتمردين والتواطؤ معهم، وهو ما أدى إلى تراجع ثقة السكان في الجيش. \r\n ولعل الأهم والأكثر إلحاحاً اليوم هو إرسال المال إلى المناطق الفقيرة مثل \"باناماو\"، حيث يقول المعلمون مثلاً إنهم لم يتوصلوا برواتبهم منذ أكثر من عام. ونتيجة لذلك، يرى بعض المحللين أن أي انتصار عسكري في \"جولو\" لن يعمر طويلاً في غياب اهتمام بالتنمية الاجتماعية والزعامة المدنية. \r\n وفي هذا الإطار، يقول \"سكوت هاريسون\"، المستشار في شؤون الأمن والموظف السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية \"سي آي إيه\": \"السؤال هو: عندما يرحل المال والأميركيون، فإلى أي مدى ستكون الفلبين قادرة على مواكبة التنمية الاجتماعية؟\"، مضيفاً: \"الواقع أنه يمكن القضاء على زعامة \"أبو سياف\" و\"الجماعة الإسلامية\" بكاملها، غير أنه في غياب حل للمشاكل الحقيقية مثل الفقر والفساد، فإن الظروف ما تزال قادرة على إنتاج جيل آخر من المتعصبين\". \r\n \r\n مراسل \"كريستيان ساينس مونيتور\" في \"باناماو\"- الفلبين \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n