وعلى رغم صحة القول بأن لكل من جون إدواردز والسناتورين هيلاري كلينتون وباراك أوباما، وجهة نظر واحدة ومميزة فيما يتصل بموقفهم من الحرب على العراق، إلا أن خلافاتهم حول عدد من القضايا الأخرى، أضحت على قدر كبير من الوضوح الآن. وفيما عمد إدواردز إلى تشخيص المشكلات والتحديات التي يواجهها \"الديمقراطيون\"، مال أوباما إلى تعميمها وتجريدها. من ذلك مثلاً قول الأخير: \"في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لن يكون منافسونا هم مرشحو الحزب \"الجمهوري\"، بقدرما سيكون القنوط واليأس. بل لقد شخّص \"أوباما\" ذلك العدو بقوله إنه يتمثل في إهمال الساحات العامة والحرية التي يجب أن يتمتع بها السياسيون. واستطرد أوباما في القول: \"لقد آن لنا أن نتحرر من قيود السياسة. وربما أراد البعض التركيز على برامج وخطط بعينها، إلا أن علينا أن نذكر أن لنا خططاً كثيرة لا حصر لها نحن \"الديمقراطيين\". وفي الوقت ذاته، فإن علينا أن نذكر أن ما ينقصنا ونفتقر إليه بشدة، هو التفاؤل والأمل. وبالنتيجة وعلى رغم تعبيره الصريح عن موقفه من الحرب العراقية، إلا أنه لم يمض خطوة واحدة باتجاه الحديث عن خطته الداعية لانسحاب قواتنا منه بحلول مارس من عام 2008! \r\n \r\n وعلى نقيض ذلك تماماً، جاءت إجابة هيلاري كلينتون، قائمة على الواقعية والحقائق والانضباط الحزبي، البعيد كل البعد عن اللغة الوردية العائمة. ولذلك فقد ذكرت المستمعين والحاضرين من أعضاء اللجنة القومية للحزب، بأن على \"الديمقراطيين\" في الكونجرس، الكثير من المهام العالقة التي يجب إنجازها، فيما يتصل بإنشاء عدة تحالفات. كما تحدثت عن تراجع وانحسار العقد الاجتماعي الأميركي. وبلغة أكثر تحديداً ووضوحاً مما فعل أوباما، تحدثت هيلاري عن أن الأزمات والمصاعب الاقتصادية التي مرت بها أميركا، قد ألقت بتأثيراتها السالبة على القطاع الأوسع من الطبقة الوسطى. وبسبب تدني وركود الأجور، مقارنة بارتفاع تكلفة الرعاية الصحية والمعيشة اليومية، فقد خسرت أميركا تلك الصفقة التي عقدتها مع مواطنيها على مدى الحقب والسنين، أي إذا ما أدى المواطن الأميركي دوره وعمله كما ينبغي، فإنه سيجد أميركا دائماً في خدمته ونجدته، متى ما احتاج إليها. \r\n \r\n وربما بسبب هذه البداية المبكرة نوعاً ما للحملة الانتخابية الرئاسية، فإن آراء ومواقف المرشحين \"الديمقراطيين\" لم تتبلور وتتضح بعد بما يكفي للحكم عليها. غير أن ذلك لا يمنع ملاحظة مناطق ضعف وقوة المرشحين منذ هذه المرحلة المبكرة من الحملة. وحتى الآن، فإن الذي يبدو هو أن موقف جون إدواردز هو الأكثر قرباً من صعوده للموجة الشعبوية التي ضربت المزاج العام في بلادنا مؤخراً. فمن خلال رسائله التي بعث بها لناخبيه حتى هذه اللحظة، نادى \"إدواردز\" بمراجعة السياسات الضريبية المطبقة حالياً، بحيث تجرى تعديلات جوهرية عليها، تفرض بموجبها ضرائب أعلى على الشرائح الاجتماعية الغنية، كي يصبح ممكناً تحقيق قدر معقول من العدالة الاجتماعية، وتحسين الرعاية الصحية للفئات الفقيرة بالذات. وقال إن السبيل المؤدي لهذا، سيعود بالنفع العام على المواطنين الأميركيين، فيما لو تمكنوا من هزيمة ما أسماه ب\"الآيديولوجية المعادية للضرائب\" التي سادت خلال العقود الأخيرة من التاريخ الأميركي. \r\n \r\n ولكن المشكلة التي قد يواجهها \"إدواردز\" جراء رسائله ومواقفه هذه هي أن ينتهي به الأمر إلى التمتع بمساندة شريحة اجتماعية هامشية ضئيلة في حملته الانتخابية هذه، على عكس ما رمى إليه تماماً. وعلى رغم قول \"إدواردز\" بأنه آن ل\"الديمقراطيين\" أن يدافعوا عن مصالح النقابات والاتحادات المهنية، وأن ينصروا العمال الذين أفنوا أعمارهم كلها في خدمة أميركا من داخل الورش والمصانع، إلا أن عليه أن يذكر أنه لم يسبق لأب الشعبوية السياسية الروحي، \"ويليام جيننجز برايان\"، أن شق طريقه يوماً إلى البيت الأبيض. والخوف كل الخوف أن ينتهي جون إدواردز إلى المصير نفسه. \r\n \r\n هارولد مايرسون \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n