واستحالة تكرار السيناريو العراقي في إيران ينبع أساساً من عجز أميركا -رغم كونها قوة عالمية ذات قدرات عسكرية كبيرة- عن فتح جبهة ثانية بعد أن فقدت القدرة على خوض حرب أخرى في الوقت نفسه الذي تتعرض فيه لمصاعب جمة في البلد المجاور، العراق. وفي هذه الحالة ستكتفي أميركا، على الأرجح، بشن هجمات جوية كثيفة وقصف أهداف محددة، وبخاصة المنشآت النووية داخل الأراضي الإيرانية. وإذا ما فشل القصف الجوي المكثف في القضاء على البرنامج النووي الإيراني كما تطمح إلى ذلك الولاياتالمتحدة، فإن النتائج ستأتي كارثية ليس فقط على الدور الأميركي في الشرق الأوسط، بل على عموم المنطقة والدول المجاورة لإيران. \r\n واللافت في الخطاب المحرض على الدخول في حرب ضد إيران وضرب منشآتها النووية أن من يؤججه هم ذات الأشخاص الذين دفعوا الرئيس بوش إلى غزو العراق. ومن دون أدنى شعور بالخجل، أو الاعتبار مما آلت إليه الأوضاع في العراق من ٍّ غير مسبوق في تاريخ العراق الدموي، نراهم اليوم يسوقون ذات الحجج التي استندوا إليها في تبرير الحرب على العراق. وبكل وقاحة يقفز هؤلاء الأشخاص الذين حذروا في السابق من الترسانة النووية الوهمية للنظام العراقي السابق ليحذروا هذه المرة أيضاً من قرب وصول إيران إلى امتلاك القنبلة النووية دون أن تهتز مصداقيتهم، أو يظهر من يشكك في صدق نواياهم المريبة. وإذا كان هؤلاء الأشخاص المبثوثون في دواليب صناعة القرار الأميركي سواء داخل الإدارة الأميركية، أم في مراكز البحوث المختلفة يسبغون بعداً أخلاقياً على السياسة الخارجية الأميركية، فهم لا يتورعون، مع ذلك، عن التهجم على منتقديهم ونعتهم بأبشع النعوت، وبخاصة الذين لا يؤمنون بحل المشاكل السياسية عن طريق التدخل العسكري. \r\n وفي هذا الإطار يلجأ المحرضون على الحرب ضد إيران إلى مجموعة من المغالطات كتشبيه أحمدي نجاد بهتلر -مقللين بذلك من الجرائم المروعة التي ارتكبها النازيون في حق شعوب الأخرى. وهي لعبة قديمة فعندما تتم مقارنة أي قائد بهتلر فذلك يكون إيذاناً بقرب شن الحرب، وبأن الاستعدادات العسكرية جارية على قدم وساق. هذا ما تعلمناه من تجارب التاريخ السابقة بدءاً من جمال عبدالناصر قبل حرب السويس، ومروراً بصدام حسين قبل حرب الخليج الأولى (1990-1991)، ثم قبل الحرب الأخيرة في 2003، وأخيراً ضد ميلوسوفيتش خلال حرب كوسوفو. ورغم اقتناعنا الراسخ بأنه لا أحد من هؤلاء الزعماء كان ديمقراطياً كبيراً، لكن هل يخولنا ذلك أن نضعهم في نفس السلة مع هتلر؟ ألا يعد ذلك في حد ذاته مساساً خطيراً بضحايا النازية الذين لا يمكن مقارنة محنتهم بما لحقها من مآسٍ أخرى؟ ولم يسلم من هذا التشبيه رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين قبل اغتياله على يد أحد المتطرفين اليهود. \r\n لستُ هنا بصدد التقليل من حجم الخطر الذي تطرحه إيران النووية على السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ولا بصدد الموافقة على تصريحات أحمدي نجاد غير المقبولة حول إسرائيل ورغبته في مسحها من على الخريطة، أو تأييد المؤتمر الأخير الذي رعاه في طهران حول الهولوكوست. فقد قرر \"معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية\" الذي أترأسه في باريس النأي بنفسه عن أشغال المؤتمر وانتقدنا مسألة إنكار المحرقة اليهودية التي انصبت حولها المناقشات. ولا أود هنا أيضاً تصوير التدخل العسكري واستخدام القوة على أنه شر مطلق في جميع الأحوال، إذ لاشك أن هناك حالات تستدعي التدخل العسكري كحل نهائي مثلما كان عليه الأمر، حسب رأيي، خلال التدخل العسكري ضد العراق لدى احتلال صدام حسين للكويت في 1991. لكنني أسجل اعتراضي هنا على الحرب الأخيرة ضد العراق، أو تلك التي يروج لها البعض ضد إيران لأنهما تفتقران إلى مبررات مقنعة في ظل وجود أساليب أخرى سلمية لحل الصراعات السياسية بدل اللجوء إلى القوة العسكرية. \r\n لكن ما الفائدة التي ستجنيها أميركا من قصفها المنشآت النووية الإيرانية؟ صحيح أنها ستلحق دماراً جزئياً بالبرنامج النووي الإيراني، كما ستؤخر حيازة إيران لقنبلتها النووية لبعض الوقت، إلا أن ذلك سيزيد من تمسك الإيرانيين بالسلاح النووي وسيقوي عزيمتهم أكثر. يُضاف إلى ذلك \"الأضرار الجانبية\"، أو بصريح العبارة المجازر التي سترتكب ضد المدنيين في حال قصف المواقع النووية وما سيساهم فيه ذلك من التفاف الإيرانيين حول النظام وتقديم دعم غير مشروط لخططه. ناهيك عما سيؤدي إليه شن حرب على إيران من تأجيج صراع الحضارات ومده بزخم إضافي بدل تكريس شرق أوسط يسوده السلام وفي الوقت ذاته خالٍ من الإرهاب والأسلحة النووية. ومن المهم الإشارة إلى أن جميع تلك الأهداف التي سبق وأُعلن عنها عند غزو العراق من نشر للديمقراطية في الشرق الأوسط، ستذروها الرياح في حال الهجوم على إيران، وستتحول المنطقة إلى ساحة للفوضى وعدم الاستقرار. وفي الوقت الذي بدأ فيه أحمدي نجاد يواجه صعوبات كثيرة على الصعيد السياسي الداخلي ستتصاعد شعبيته بعد تعرض بلاده للقصف، وسيتقوى مركزه داخل النظام السياسي الإيراني. \r\n وإن كان المنطق يجعلنا نستبعد أي مغامرة عسكرية جديدة من قبل الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط في ظل إخفاقها الواضح في العراق، إلا أنه لا يمكن استثناء الأسوأ مع إدارة الرئيس بوش. فقد ينتهي الأمر بالرئيس الأميركي إلى تصديق دعايته الخاصة التي أطلقها والنظر إلى أحمدي نجاد باعتباره هتلر جديداً يسعى إلى إبادة اليهود. لكن على فرض أن الرئيس الإيراني \"هتلر جديد\"، فكيف يمكن التقليل من مخاطر مواجهة بلد قد يملك من الإمكانيات ما كانت تملكه ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية؟ في اعتقادي أنه ليس هناك من سبيل إلى إعادة إدماج إيران في حظيرة المجتمع الدولي وإقناعها بالكف عن تهديد جوارها سوى بالجلوس إلى طاولة الحوار واستبعاد الحديث نهائياً عن شن حرب قد تكون عواقبها وخيمة على الجميع. \r\n \r\n