لكن بينما كان العنف محصورا على الأقل في منطقة دارفور بالسودان، بدأ يمتد في الفترة الأخيرة إلى البلدان المجاورة، وهو ما ينذر باتساع دائرة العنف واستمرار معاناة المدنيين العزل. فقد تفجرت أزمة دارفور خلال الأسابيع الأخيرة وهي تهدد اليوم بجر دول المنطقة الهشة إلى أتون حرب إقليمية بعدما شمل الصراع كلا من تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. وهو الصراع الذي ينخرط فيه خليط قاتل من جماعات التمرد والقوات الحكومية والميليشيات المسلحة، ثم المدنيين. \r\n وقد علق \"إيان إيجلند\"، المسؤول عن الشؤون الإنسانية في الأممالمتحدة المنتهية ولايته عن الوضع قائلاً \"إنه ليس تدهورا متسارعا، بقدر ما هو سقوط غير منظم في بحر من العنف يمتد من دارفور إلى شرق تشاد، ثم إلى شمال جمهورية أفريقيا الوسطى\". فخلال الشهر الماضي فقط أرغم 60 ألفا من سكان دارفور على النزوح من ديارهم هرباً من المجازر التي ترتكبها الميليشيات العربية المعروفة باسم \"الجنجويد\". ويقول عمال الإغاثة، وموظفو الأممالمتحدة، فضلاً عن المراقبين المستقلين بأن ميليشيات \"الجنجويد\" تدعمها حكومة الخرطوم، رغم نفي السودان المتكرر لهذه التهمة. وفي ظل العنف المتصاعد تم إخلاء مئات عمال الإغاثة من شرق تشاد بسبب الأعمال القتالية بين القوات الحكومية والمتمردين المناوئين للحكومة، في الوقت الذي توغلت فيه الميليشيات العربية عميقاً داخل تشاد لتنفيذ هجمات أسفرت عن نزوح ما يقرب عن 100 ألف تشادي من ديارهم في شرق البلاد. \r\n وليس الحال بأفضل من ذلك في جمهورية أفريقيا الوسطى التي تعرضت لهجمات من قبل جماعات متمردة ورجال العصابات، حيث ارتكبت العديد من الفظائع طيلة الشهور الأخيرة أرغمت عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الفرار من بلادهم واللجوء إلى تشاد القريبة. وفي هذا السياق يقول \"جيورجت جاجنون\"، نائب مدير القسم المهتم بأفريقيا في منظمة \"هيومان رايتس ووتش\" \"لقد أصبحت الصراعات الداخلية في دارفور وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى متداخلة على نحو كبير بسبب تواجد الجماعات المسلحة والأسلحة والسكان المدنيين على الحدود المشتركة للدول الثلاث\"، مضيفا \"وبالطبع تستغل الحكومات تلك الجماعات المسلحة في الدول المجاورة لشن حرب بالوكالة على بعضها البعض\". والواقع أن القادة في الخرطوم وفي نظيرتها التشادية \"نجامينا\" لم يكفوا عن تبادل التهم فيما بينهم وإلقاء المسؤولية على بعضهم البعض في إذكاء نيران الاضطرابات التي عصفت بدارفور منذ 2003، حيث توجه كل دولة اللوم إلى جارتها لدعمها الجماعات المتمردة التي تحارب القوات الحكومية في كلا البلدين. \r\n وقد تأججت أعمال العنف في الأسابيع القليلة الماضية إلى درجة تم فيها سحب المئات من عمال الإغاثة مخلفين وراءهم أعدادا كبيرة من اللاجئين السودانيين يواجهون ظروفا قاسية للغاية. \"هلين كو\"، المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة تقول في هذا الإطار \"لا شك أن الأثر الإنساني على اللاجئين سيكون مؤلماً في حال استمر القتال بين الأطراف المتصارعة\". ومنذ الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر الماضي تم نقل حوالي 500 من عمال الإغاثة من مدينة \"أبيشي\" الواقعة شرق تشاد، حيث كانت معظم وكالات الإغاثة الدولية مستقرة، إلى العاصمة نجامينا، بينما مازال حوالي مئة من عمال الإغاثة ينتظرون نقلهم بدورهم من مدينة \"جويريدا\" إلى أخرى في شمال تشاد. ويعترف المسؤولون عن أعمال الإغاثة أن وضعية اللاجئين أصبحت تنذر بالخطر في ضوء انتقال وكالات الإغاثة من شرق البلاد، حيث يكثر النازحون إلى مناطق أخرى أقل عنفاً. ويقول \"جوزيف أجيتون\" من لجنة الإنقاذ الدولية التي قلصت عدد عمالها في المنطقة: \"لم نر بعد تدهوراً في وضعية اللاجئين، أو وقوع وفيات على نطاق واسع، لكننا نعرف بأنه يمكن للأوضاع أن تسوء بسرعة بسبب غياب المساعدات الضرورية\". \r\n وقد أصبحت الهجمات تتكرر على نحو دوري في مخيم \"جوز أمير\" للاجئين الذي يبعد بحوالي ستين كيلومترا عن الحدود الشرقية لتشاد إلى درجة يعيش فيها اللاجئون السودانيون والمواطنون التشاديون الذين يقطنون في المنطقة المجاورة في جو حقيقي من الرعب الدائم من الميليشيات العربية التي تشن الهجمات على شرق البلاد. فقد انضم العرب التشاديون إلى ميليشيا الجنجويد في شن هجماتهم، حيث قاموا بمحاصرة القرى التشادية الواقعة إلى الشرق من مدينة \"جوز بيدا\" التي تبعد بحوالي مائة كيلومتر عن الحدود الشرقية للبلاد. وبالنسبة للأهالي الذين يفرون من قراهم إلى أخرى بعيدة فإنه عادة ما يكون عليهم تركها مجدداً بعد وصول الميليشيات المسلحة، ما يجعلهم يقيمون خيمهم في مناطق جرداء لا توفر أيا من أسباب الحياة والاستقرار. وهكذا وصلت \"هوايي إسماعيل\" إلى مكان مفتوح يبعد ب25 ميلا عن مدينة \"جوز بيدا\" مع أكثر من 600 آخرين هربا من هجمات الميليشيات المسلحة قائلة \"إننا لا نملك ما نأكل، ولا يوجد حولنا في هذه الخلاء سوى الموت\". وقد فرت إسماعيل هوايي ومن معها من الأهالي بعدما أُحرقت قريتهم الحدودية على يد رجال عرب يمتطون الجمال والخيول ويحملون بنادق الكلاشنيكوف في مطلع شهر نوفمبر الماضي وأوقعوا 14 قتيلاً من رجال القرية. \r\n \r\n مراسل \"كريستيان ساينس مونيتور\" في تشاد \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n