\r\n \r\n \r\n فالصين والولاياتالمتحدة هما في أمسِّ الحاجة إلى بعضهما بعضاً، وتدرك حكومتا البلدين أن أي قطيعة في العلاقات بينهما سيكون له أثر كارثي عليهما معاً. وتتعدد الأسباب والدوافع التي تفضي إلى هذا النوع من التفكير لدى كل من الصين والولاياتالمتحدة، وتجعلهما مقتنعين بضرورة تمتين الأواصر بينهما لما فيه المصلحة المشتركة للشعبين. \r\n فعلى الصعيد الاقتصادي، تحتاج الصين إلى مواصلة نموها الاقتصادي وتوسيع قاعدة الاستفادة لتمتد إلى أكبر الشرائح الصينية، وهو ما يتطلب حسب التقديرات توفير ما لا يقل عن 25 مليون وظيفة كل سنة لتلبية الطلب المتنامي للوافدين الجدد على سوق العمل. كما تشكل التجارة مع الولاياتالمتحدة، التي تميل كفتها لصالح الصين، إحدى الدعائم الرئيسية التي تعتمد عليها بكين في استراتيجيتها الاقتصادية، وهو ما يجعل من مصلحة الصين الأساسية ضمان انتعاش الاقتصاد الأميركي ومنع دخوله مرحلة الركود، التي قد تؤدي بدورها إلى تراجع الطلب الأميركي عن البضائع الصينية، وبالتالي الإضرار بالاقتصاد الصيني. ولهذا السبب مازالت بكين تحتفظ بكميات كبيرة من الدولار الأميركي في بنكها المركزي. ومع أن البعض أبدى تخوفه من إمكانية إقدام الصين على بيع الدولار الذي في حوزتها لتتسبب في أزمة اقتصادية عالمية بالنظر إلى ارتباط الكثير من العملات بالدولار، إلا أن القليل فقط من المراقبين يعتقدون أن الصين قد تعمد إلى ذلك، اللهم إلا إذا شهدت العلاقات بين البلدين تدهوراً خطيراً على خلفية مشكلة تايوان. \r\n فمن شأن انهيار الدولار الأميركي أن يؤثر سلباً على الاقتصاد الصيني، وقد يؤدي إلى اندلاع اضطرابات سياسية في البلاد، وهو بالطبع ما تحاول السلطات تفاديه بكافة السبل. وفيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية تبدو الصين هذه الأيام منزعجة من الخطاب الياباني الجديد الذي يسعى إلى استعادة دور اليابان في منطقة شرق آسيا. وإذا ما استمر التحدي الياباني للصين في بعض القضايا الأساسية مثل تايوان والصواريخ الدفاعية، فضلاً عن استغلال حقول النفط والغاز قبالة السواحل الصينية، فإن بكين ستكون في حاجة إلى واشنطن لتهدئة اليابان والتخفيف من خطابها القومي المتصاعد. وفي المقابل إذا ما انتعشت العلاقات بين الصين واليابان نتيجة الحوار بين البلدين، فإن الولاياتالمتحدة ستكون أول المستفيدين لأنه يهمها رؤية منطقة شرق آسيا وهي تنعم بالاستقرار وتنأى عن الاضطرابات والقلاقل. \r\n ومن المتوقع أن تؤدي الأزمة الكورية الشمالية إلى تقريب المواقف بين الولاياتالمتحدة والصين في إطار مساعيهما المشتركة لإيجاد حل سلمي للأزمة. فلا أحد من البلدين يرغب في تدهور الوضع في كوريا الشمالية، لاسيما وأن ذلك يعني تحريك الولاياتالمتحدة لقواتها، كما يعني أيضا احتمال انهيار النظام في بيونج يانج ما سيطرح مشاكل لا حصر بالنسبة للصين. \r\n والحال أن القيادة الحالية في الصين منشغلة أكثر باستقرار مؤسساتها السياسية واستمرار النمو الاقتصادي، كما أنها في حاجة مُلحة للتصدي لمظاهر الفساد وسوء الإدارة لتلبية احتياجات السكان المتنامية. لذا يفضل قادتها عدم الدخول في مواجهات خارجية، ولا يميلون إلى المغامرة في السياسة الخارجية. وتحرص الصين على ألا تدخل في صراع من أي نوع مع الولاياتالمتحدة على الأقل إلى غاية تنظيمها للألعاب الأولمبية المقرر عقدها في بكين عام 2008، لاسيما وهو الحدث الذي ينظر إليه الكثير من المسؤولين الصينيين باعتباره فرصة سياسية لاستعراض الإنجازات الصينية في الفترة السابقة. وبالطبع يمكن لهذا التصور الوردي للعلاقات بين الصين واليابان أن ينهار إذا ما استمرت النزاعات التجارية في التفاقم بين البلدين من دون أن تجد لها حلاً في الأفق القريب. \r\n \r\n