\r\n فها نحن نرى وزيرة خارجيتنا كوندوليزا رايس وهي تحملق في خراب لبنان وفي قرابة مليون لاجئ لبناني حسب الإحصاءات الرسمية وهم يتعرضون للقصف بالقنابل العنقودية "الإسرائيلية" ثم تعلق بسعادة بأننا "نشهد آلام مخاض ولادة شرق أوسط جديد". \r\n \r\n وها نحن نرى رئيساً أمريكياً- جورج دبليو بوش- يحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن يبدأ بتنفيذ "التغيير المؤسساتي" الذي يجعل العراق منارة للحرية وحرية التعبير، وقبل أن ينقضي وقت طويل على هذه الدعوة المضحكة نقلت الأممالمتحدة عن وزارة الصحة العراقية المعدل الحقيقي للقتلى في العراق والذي يصل إلى 100 قتيل على الأقل يومياً، وربما أصبح المعدل الآن ضعف هذا العدد. \r\n \r\n وقد أفادت ثلاجات حفظ الجثث مجهولة الهوية في العراق بتسلم 3،149 قتيلاً خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، وأن العدد زاد على 14،000 قتيل منذ بداية السنة، ويؤكد كبار المسؤولين في الحكومة العراقية أن تفكك العراق وتقسيمه إلى مقاطعات سنية وشيعية وكردية أصبحا أمراً لا مفر منه بحيث تحمي كل إقليم ميليشياته الخاصة به، أما العراق كدولة قادرة على البقاء فقد تم تدميره تماماً مع توقع المزيد من التخريب في المرحلة القريبة المقبلة. ولكن الرئيس المغفل يشيد بالعراق باعتباره نموذجاً للدعاية لأحسن حالة لبناء أمريكا دولة ما، ويدعو رئيس وزراء العراق إلى واشنطن ليعلن اقتراب النهضة العراقية وليتزامن ذلك مع حملة الانتخابات النصفية خلال العام الحالي في الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n وها نحن أمام كونجرس يرد بغضب عندما يصرح رجل أمريكا في العراق، رئيس الوزراء نوري المالكي، بما هو بديهي وهو أن هجوم "إسرائيل" على لبنان خطير، وأن المجتمع العالمي لا يقوم بما يكفي لإيقاف تدمير "إسرائيل" للبنان. \r\n \r\n واندفعت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي لإصدار بيان قالت فيه إنه ما لم يتنصل المالكي من تعليقاته التي انتقد فيها "إسرائيل" ويشجب الإرهاب فمن غير الملائم تكريمه بدعوته لحضور جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب، وطالب عشرون عضواً ديمقراطياً أيضاً بعدم السماح للمالكي بدخول مبنى الكونجرس. \r\n \r\n وفي الواقع، لست متأكداً تماماً مما إذا كان الكونجرس غير مستقبل للحقيقة، ولا سيما إذا كانت الحقيقة تفهم كتهديد بسحب التأييد من اللوبي "الإسرائيلي" في الانتخابات المقبلة. وبالنسبة للكونجرس فمن المعروف أن نحو 98 في المائة من أعضائه يشتريهم اللوبي "الإسرائيلي" ويدفع المقابل. \r\n \r\n وقد وصف توم هايدن ما تعنيه هذه الصفقات على أرض الواقع أخيراً عندما أعلن الأسباب التي تجعله يشعر بأن من الضروري من أجل مستقبله السياسي في لوس أنجلوس أن يقف إلى جانب من يمطرون بيروت بالقذائف والصواريخ. \r\n \r\n وما نشاهده الآن هو الانهيار المتزامن لدولتين - هما العراق ولبنان - بتشجيع من تحالف الحزبين الحاكم في أمريكا. ويقول ويسلي كلارك الآن إنه زار وزارة الدفاع (البنتاجون) في عام 2001 وقيل له إن قائمة الدول المزمع قصفها ضمت العراق وبعده سوريا، ثم لبنان وليبيا وإيران والصومال والسودان كجزء من خطة حملات عسكرية تستمر خمس سنوات. وبعد ضرب دولتين تبقى خمس دول أخرى في انتظار هذا المصير. \r\n \r\n وكان الهجوم على لبنان مخططاً له بالتفصيل قبل عام على الأقل، وقد استغلت "إسرائيل" أسر حزب الله جنديين في 5 يوليو/تموز الماضي، ولكن أي مبرر كان سيكفي في كل الأحوال لشن العدوان. وفي عام 1982 كذبت "إسرائيل" كذباً صريحاً عندما زعمت وهي تغزو لبنان أنها كانت ترد على إطلاق قذائف عبر الحدود، على الرغم من عدم إطلاق قذائف عليها منذ ما يزيد على عام آنذاك. \r\n \r\n وبوجود بوش ورايس وواضعي السياسة الحاليين والحاشية المحيطة بهم، أصبحت واقعية المعتوه هي السائدة. \r\n \r\n و"واقعية المعتوه" هي مفهوم أطلقه عالم الاجتماع التكساسي الكبير سي. رايت ميلز في عام 1958 عندما نشر كتاب "أسباب الحرب العالمية الثالثة" وهي السنة أيضاً التي أرسل فيها الرئيس الأمريكي الراحل دوايت أيزنهاور قوات مشاة البحرية "المارينز" إلى لبنان لدعم حليف أمريكا المحلي آنذاك الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون. \r\n \r\n وقد كتب ميلز في كتابه ذاك: "في واقعية المعتوه، يتحد خطاب أخلاقي طنان مع انتهازي يزحف وسط مخاوف وطلبات كثيرة مبعثرة.. ويحل توقع الحرب الكثير من مشكلات الواقعيين المعتوهين.. وبدلاً من الخوف المجهول والقلق بلا نهاية، يفضل بعض رجال الدوائر العليا تبسيط كارثة معروفة.. وهم لا يملكون حلولاً لتناقضات الشرق الأوسط وأوروبا والشرق الأقصى وإفريقيا إلا بإنزال المارينز..". \r\n \r\n وبالنسبة لأفراد النخبة "الإسرائيليين" الذين اعتادوا بيع التعنت لنظرائهم في واشنطن، فهم أنفسهم الآن واقعيون معتوهون حتى النخاع. فالجنرالات "الإسرائيليون" يجأرون متبجحين بإطلاقهم عشرين صاروخاً على جنوببيروت مقابل كل صاروخ يسقط في "إسرائيل"، ويندهشون عندما يبدأ الناس الحديث عن حقيقة أن الرد بالانتقام من السكان المدنيين - وهو ما تفعله "إسرائيل" حتى الآن - يمثل جريمة حرب. \r\n \r\n وتحاول "إسرائيل" بطريقة نظامية تدمير لبنان ككيان اجتماعي واقتصادي فاعل، وإعادة احتلال الجنوب حتى نهر الليطاني. وقد صرح رئيس اتحاد لبنان الصناعي، تشارلز أربيد، لوكالة الصحافة الفرنسية الأسبوع الماضي بأن استراتيجية "إسرائيل" هي تدمير سلسلة التصنيع برمتها بدءاً من الإنتاج حتى التوزيع. وقد دمرت الطائرات "الإسرائيلية" بطريقة منهجية الجسور والمطارات والشاحنات والموانئ والطرق. \r\n \r\n ويعيد جيش "إسرائيل" الآن الهراء الجنوني المعتاد عن استئصال "بذرة الإرهاب" كما فعل تماماً في عام ،1982 عندما أعلن كبير الواقعيين المعتوهين هنري كيسنجر بعد ذلك الهجوم أنه يستطيع أن يرى "بداية جديدة" تظهر من تحت الركام. وربما كان ذلك صحيحاً، فالذي نهض من تحت الركام كان حزب الله. والواقعيون المعتوهون وحدهم هم الذين يعتقدون أن بمقدورهم إيقاف تلك الدورة الحتمية. \r\n \r\n