\r\n وتشخيص هذه المسؤولية لا يعني إقصاء السوريين والأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين وآخرين كثيرين، يتحملون اللوم عن المأساة الجارية الآن على أرض لبنان. فكلهم استخدموا الانقسامات الدينية والثقافية الموجودة داخل المجتمع اللبناني لمصلحتهم الخاصة. قبل ما يقرب من 15 شهرا كنتَ تقرأ وتسمع عن ثورة الأرز، وهي تسعى إلى إنقاذ لبنان من العنف الذي عمها في الفترة الأخيرة، ومن الهيمنة السورية، بينما تطلق مسارا صوب نظام ديمقراطي. واليوم أنت تقرأ وتسمع عن مثلث الحرب، الذي يربط حزب الله وحماس وإسرائيل معا، منهيا الأمل نهائيا بتحقيق تلك الآمال. لكن التاريخ في الشرق الأوسط لا يتبع خطوطا مستقيمة، ضمن آفاق قابلة للتوقع. بعد بداية واعدة في الأممالمتحدة، حينما خففت فرنسا والولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي من جهودها لجلب سورية إلى القضاء بسبب قتلها لرئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في فبراير. وفي ذلك الفراغ عادت الأحزاب اللبنانية تتعامل مع دمشق، ثم النظام الإيراني. \r\n \r\n كذلك فشلت الأممالمتحدة وإدارة بوش في الضغط على اللبنانيين كي يتحملوا مسؤولياتهم في نشر الجيش على المناطق الحدودية مع إسرائيل، بعد انسحاب الأخيرة منها عام 2000. بدلا من ذلك تحرك حزب الله مع الصواريخ التي جهزتها سورية وإيران له ليملأ تلك المنطقة. وهناك جرت عمليته الاخيرة التي أدت إلى قتل واختطاف جنود إسرائيليين خلال هذا الشهر. \r\n \r\n لا تريد دمشق وطهران ان يتعدى نزيف الدم حدود لبنان واسرائيل، كما ان لاسرائيل اسبابها الخاصة للسعي الى حصر الصراع خلال هذا الصيف داخل بلد اشجار الأرز والشواطئ الرملية. اما بعد مرور عام من الآن عندما تصبح الامكانيات النووية لإيران اكثر خطورة، فإن الوضع سيكون مختلفا. \r\n \r\n الحملة العسكرية الاسرائيلية لن تقضي على «حزب الله» كقوة. إلا ان التوصل الى وقف لإطلاق النار عبر التفاوض ربما يؤدي الى خطوتين مهمتين. أولا، وضع قوة عسكرية دولية على حدود لبنان مع سورية لمراقبة نقل الصواريخ والوحدات الاستخباراتية السورية المتخفية الى داخل الاراضي اللبنانية. ثانيا، حمل الجيش اللبناني على السيطرة على حدود البلاد في الجنوب وجعل لبنان دولة حقيقية مرة اخرى. الهجمات العسكرية الاسرائيلية لن تستطيع تحقيق هذه الأهداف، إذ ان الإرادة اللبنانية المتحدة والدعم الدولي هما الكفيلان بتحقيق هذه الأهداف. ويمكن القول ان اندلاع العنف في الآونة الأخيرة جاء نتيجة تفكك القوى السياسية في الشرق الاوسط، اكثر منه نتيجة إعادة تجمع العرب والإيرانيين في حركة تطرف اسلامي جديدة خطرة. وبفقدان السيطرة على «حزب الله»، كما فقدت السيطرة على الفصائل الفلسطينية المسلحة خلال عقد السبعينات، تظهر الحكومة المركزية اللبنانية مجددا ثمن عدم التوصل الى قرار وموقف حاسم. \r\n \r\n موقف مصر والأردن والسعودية وليبيا، وحكومات سنية اخرى، يوضح الخوف القوي من تطور «حزب الله» الى ميليشيا شيعية محلية تابعة تعمل لصالح ايران، اذا كانت اسرائيل تعتبر لدى العرب بمثابة طاعون، فإن «حزب الله» وإيران يعتبران في نظرهم كوليرا. الأنظمة العربية القديمة في كل الحالات مدانة. فالنظام السياسي العربي الذي تشكل حول أفكار ونفوذ عبد الناصر وياسر عرفات وصدام حسين وآخرين يموت الآن ببطء وعنف ولكن بعناد. الهزات التي حدثت في المنطقة خلال السنوات الثلاث الاخيرة، بما في ذلك أحداث لبنان الأخيرة، لا يمكن احتواؤها والسيطرة عليها من خلال اللجوء الى التحدي الانتحاري او التزام الصمت والسكون. \r\n \r\n غريزة البقاء أقوى وأكثر رسوخا في المجتمعات من غريزة استمرار الكراهية والدمار، وهذا ينطبق حتى على منطقة الشرق الاوسط، مثلما اثبت لبنان مرة اخرى. \r\n \r\n * خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست» \r\n \r\n خاص ب«الشرق الأوسط» \r\n