\r\n ابتدأ الزرقاوي كأحد اتباع بن لادن وانتهى به المطاف كمنافس له. بن لادن التزم الهدوء واختفى في مكان ما ربما يكون في باكستان اما الزرقاوي فقد قاد «الجهاد شخصيا» في العراق. في النهاية بلغت به الجرأة حد توجيه الهجمات ميدانيا بنفسه. \r\n \r\n لكن الزرقاوي العقل المدبر للهجمات الثلاث التي شنت على العاصمة الأردنية عمان في نوفمبر مما أدى الى مقتل 60 شخصا. وقبل وفاته ذكرت اسرائيل انه كان مسؤولا عن شن بعض الهجمات الارهابية على حدودها. اما في العراق فقد كان الزرقاوي مسؤولا بصورة مباشرة عن مقتل آلاف العراقيين. \r\n \r\n ان ما ذكره رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن «تصفية» أبومصعب الزرقاوي لا يعني بالضرورة تصفية التمرد العراقي. مثل هذه التمردات تستفيد في العادة من وجود قياديين يتمتعون بجاذبية جماهيرية ولكن الزرقاوي بحق اعتبر اميرا لاتباعه المتعطشين لاراقة الدماء. \r\n \r\n الذي لا يخفى على أحد ان هذه التنظيمات الدموية يمكن ايضا ان تنتعش دون وجود امثال هؤلاء القادة أو حتى بعد اختفائهم ولنتذكر على سبيل المثال تلك الآمال العريضة التي ظهرت في أواخر 2003 عندما ألقى الأميركيون القبض على صدام حسين. اذلال صدام حسين عند اعتقاله قصد منه ابلاغ رسالة للعراقيين تقول ان النظام القديم قد اندثر وان هناك نظاما جديدا سيظهر عما قريب. هذا الشيء لم يحدث. فمنذ 2003 والتمرد يزداد عنفا ودموية وانتشارا وتعقيدا. \r\n \r\n ان اسلم رهان يمكن للمرء ان يأخذ به هو انه ودون الزرقاوي فإن العنف في العراق سيستمر الى ان يتم التخلص من المسببات التي تجعل هذا التمرد دائم الاشتعال. \r\n \r\n ما هي اسباب هذا التمرد وهذا العنف الذي يحركه؟ هناك الكثير من الاسباب. كان الزرقاوي يمثل التيار العنفي للجهاد الذي يتحكم فيه الغضب الديني فمن وجهة نظر هؤلاء الجهاديين هناك حرب قائمة بين الاسلام والكفار متمثلا بالغرب الذي تقوده أميركا وهي حرب تورطت بها من وجهة نظرهم بعض الأنظمة الاسلامية التي تحولت الى صنائع وطراطير يستخدمها الغرب ويتلاعب بها وبالتالي اصبحت في حكم الانظمة المرتدة عن الاسلام. هذا الفرع الجهادي جذب اليه الكثير من المتطوعين حيث تدفقوا الى العراق من كافة انحاء العالم كما حدث ابان الغزو السوفياتي لافغانستان. مثل هؤلاء الناس العقائديون ربما تتأثر عملياتهم وانشطتهم ولكن تمردهم سيستمر بالتأكيد. \r\n \r\n الجهاديون في العراق لعبوا دورا محدودا للغاية وليس الدور الرئيسي في العنف. كان يحلو للولايات المتحدة الحديث عن دور الاجانب في العمليات الانتحارية والحقيقة الواضحة للعيان هي ان معظم المتمردين هم من العراقيين وليسوا من الاجانب. بعضهم قد يحب منطق القاعدة ولكن الكثيرين منهم كانت لهم اسبابهم الأخرى. هذه الاسباب تتراوح ما بين اسباب قومية كالغضبة العربية ضد الغزاة الاجانب والاحتلال الاجنبي خاصة في صفوف حكام العراق السابقين من أهل السنة. \r\n \r\n بالنسبة للكثيرين من السنة فإن الديمقراطية التي يبشر بها جورج بوش تعني حكم الاغلبية مما يعني خسارة الامتيازات الكثيرة التي كانوا يتمتعون بها ونقل السلطة الى الغالبية الشيعية، هناك اعداد متزايدة من اهل السنة بدأت تبتلع رسالة القاعدة القائلة ان الشيعة هم من المرتدين عن الاسلام، وان العراق بسبب خيانتهم له سوف يدور في فلك الجار والعدو التقليدي له ايران. الأكثر من ذلك ان العنف يغذي نفسه بنفسه، فتدمير الضريح الشيعي في سامراء في فبراير الماضي ربما على يد رجال الزرقاوي دفع الشيعة العراقيين للتخلي عن ضبط النفس وبدأوا بشن اعمال انتقامية ضد السنة. عمليات القتل على أسس طائفية اصبحت شيئا عاديا في العراق على يد الطائفتين مما يوسع دائرة العنف التي لن تنتهي بموت الزرقاوي. \r\n \r\n على أية حال يمكن استخدام مقتل الزرقاوي من اجل دفع العراق في اتجاه افضل. فمن الممكن اتخاذ هذا الحدث من اجل ابعاد شبح العجز السياسي والعسكري الذي لازم الحكومات العراقية التي تعاقبت بعد الغزو خاصة الحكومة العراقية الحالية التي يرأسها السيد المالكي. فلقد تصرف المالكي بصورة اكثر حسما من سلفه حيث تمكن من تشكيل ائتلاف تتضمن احزابا سنية. وخلال زيارته الأخيرة لجنوب العراق هاجم قادة الميليشيات الشيعية على تحديهم الحكومة المركزية. وباستنكاره الأعمال الأميركية في العراق خاصة المتعلقة منها بمجزرة مدينة الحديثة وبوعوده بوضع معظم الأقاليم العراقية تحت السيطرة العسكرية العراقية جعل من الصعب على المتمردين تصويره على انه صنيعة للمحتلين. فبعد الاعلان عن مقتل الزرقاوي ملأ المالكي الحقائب الوزارية التي كانت شاغرة مثل وزارة الداخلية ووزارة الدفاع. الادعاء بأن قوات الأمن العراقية ساهمت في ملاحقة الزرقاوي سيضيف المزيد من المصداقية للحكومة. فالعراقيون على كافة اعراقهم ومذاهبهم اصبحوا يحنون وبشدة الى القانون والنظام الذي افتقدوه طويلا. \r\n \r\n الأميركيون والعراقيون الراكضون خلفهم لن يتمكنوا قريبا من تخفيف معاناة العراقيين فهذا الشيء لا يزال في خانة التمنيات. فلا مقتل الزرقاوي ولا تحقيق أي اختراق على الجبهة السياسية سيوقف التمرد وستستمر عمليات القتل والاقتتال بين افراد الشعب الواحد وهذه العملية لا تزال للأسف مستمرة. \r\n \r\n لا يوجد للعراق اي تجارب ديمقراطية بل له خبرة طويلة في العنف السياسي، وقلب الامور على عكس ما هي موجودة عليه الآن يتطلب الكثير من الوقت والتكاليف المادية والمزيد من حصد الارواح. \r\n \r\n الأميركيون بدأوا يضيقون ذرعا بالأوضاع القائمة ومثل هذا الشيء لن يكون سوى وصفة للفشل. وبفضل تسرع بوش في تبني سياسات تثبت لاحقا فشلها واهماله بدأ الجهاديون يستعيدون الأرض التي فقدوها في افغانستان والصومال. \r\n \r\n انه لأمر جيد ان يقتل البعض من امثال الزرقاوي ولكن ذلك لا يمكن ان يشكل نصرا لا للعراق ولا للحرب على الارهاب. \r\n