ففي حديث له خلال هذا الأسبوع ب''معهد أميركان إنتربرايز'' قصد به نائب الرئيس ديك تشيني أن يخرس أصوات بعض المعارضين والمنتقدين لسياسات الإدارة في العراق -من أمثال عضو الكونجرس والقائد العسكري السابق جون مورتا، الذي دعا إلى التعجيل بالانسحاب الأميركي من العراق- قال تشيني ''إن العراق يمثل جزءاً من خطة أوسع، تستهدف فرض الإسلام الراديكالي على منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وجعل العراق قاعدة تنطلق منها الهجمات والضربات الإرهابية المعادية للأمم الأخرى''، واستطرد ديك تشيني متسائلاً في إطار ذلك التعليق بقوله ''وفي ضوء الالتزامات التي قطعناها على أنفسنا، ومع العلم بمدى خطورة العدو الذي نواجهه وسوء نواياه، فإن على الذين يطالبون بانسحابنا الفوري من العراق، أن يجيبوا على هذا السؤال السهل البسيط: هل ستكون بلادنا وغيرها من بلدان العالم الحر، أفضل حالاً وأكثر أمناً، أم عكس ذلك تماماً، فيما لو تركنا العراق تحت رحمة وقبضة الزرقاوي وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري؟ وهل سنكون أكثر أم أقل أمناً، إذا ما تولى حكم العراق، محاربون متطرفون أشداء، عازمون على إلحاق الدمار والأذى ببلادنا؟''. \r\n وفي التعليق على ديك تشيني، نقول إنه ما من شك أن يجدّ المتطرفون الجهاديون في السيطرة على دولة مثل العراق، لتحويلها إلى قاعدة يشنون منها هجماتهم وضرباتهم الإرهابية علينا وعلى الآخرين. ولكن ما أبعدهم الآن عن تحقيق طموح كهذا في بلد مثل العراق. صحيح أن تنظيم ''القاعدة'' بقيادة أبو مصعب الزرقاوي وغيره من التنظيمات والجماعات الإرهابية الأخرى، قد أراق دماء الجنود الأميركيين، وروى بها تراب العراق، علاوة على ما ألحقه من أذى وضربات موجعة بالحكومة الوطنية الناشئة للتو، وبالجماعات الشيعية. إلا أن الحقيقة التي لا مراء فيها أن هذه التنظيمات والجماعات، تفتقر إلى الأسلحة الثقيلة والقوة البشرية اللازمة للسيطرة على العاصمة بغداد، فضلاً عن السيطرة على رقعة شاسعة ومترامية من البلاد، يقطنها الشيعة والأكراد الذين يفوق عددهم عدد المسلمين السنة بنسبة أربعة إلى واحد على الأقل، كي يتمكنوا من إدارة العراق وفرض نفوذهم عليه! وعلى الرغم من أنه لا يستبعد أن يواصل المتمردون بقاءهم وعملياتهم وهجماتهم المضادة علينا -مثلما هو الأمر الآن، بهروبهم وتخفيهم من قواتنا والقوات العراقية- إلا أنه من المستحيل عليهم أن يحققوا نصراً عسكرياً ساحقاً، في المعارك الكبيرة التي تتطلبها السيطرة على العاصمة العراقية بغداد وغيرها من المدن الرئيسية الأخرى. وليس من سبيل واحد لتحقيق هدف كهذا، إلا بدخول حشود ومجموعات كبيرة من المقاتلين والمجاهدين الأجانب، تعد بالآلاف، عبر الحدود العراقية. ولكن ما أبعد هذا السيناريو عن التحقق والتحول إلى واقع فعلي. إلى ذلك نقر أن الجزء الغربي من العراق سيظل معقلاً رئيسياً للمتمردين والمجاهدين، طالما تمتع هؤلاء بنظم إنذار مبكر بالخطر، عالية الدقة والكفاءة، وطالما كانت لهم كل هذه المقدرة على التخفي والفرار التي عرفوا بها. وربما تطلب كشفهم وتنظيف المنطقة منهم تماماً، سنوات وسنوات من العمل الاستخباراتي الدقيق والمستمر، من قبل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية العراقية. وعليه نكون قد وصلنا الآن إلى الخطر الأعظم في العراق، المتمثل في احتمال نشوب حرب أهلية فيه. ويتعاظم احتمال نشوب هذه الحرب، فيما إذا لم يتمكن الشيعة والأكراد، من التوصل إلى وفاق مع السنة العراقيين. ولكن هبْ أن هذا الاحتمال قائم وكبير، فما الذي تستطيع القوات الأميركية فعله لتجنبه، سوى تأجيله وإبطائه لبعض الوقت لا أكثر؟ \r\n أما فيما يتعلق بالأقاويل والعبارات التي ترددها الإدارة الآن عن ''العراق الجهادي'' فهي عبارات تدعو للسخرية والهزء بحق. ولنذكر كم أسرفت الإدارة في الاستخفاف بخطر الجهاديين في العراق، أيام دقها طبول الحرب وتأهبها ولهاثها لغزو العراق! وليس أدل على ذلك من علم وزارة الدفاع ''البنتاجون'' المسبق بوجود أبو مصعب الزرقاوي في العراق قبل شن الغزو الأميركي عليه، وأنه كان يجوب البلاد طولاً وعرضاً، استعداداً للتمرد المضاد الذي شنه على قواتنا، إثر الغزو مباشرة. ولك أن تنظر اليوم كيف تنظر الإدارة إلى الزرقاوي باعتباره الشيطان الأعظم هناك! \r\n لكن وبإطالة مأزقنا الراهن في العراق، إنما نؤكد اتهامين يوجههما إلينا الجهاديون. أولهما أننا عازمون على احتلال أراضي الغير ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم، إن بقينا. وأما رحيلنا المفاجئ، فيؤكد اتهامهم الثاني القائل، إننا مجرد نمر من ورق... وإننا لا نحتمل الموت ولا الهزائم، مما يغري ويستقطب أعداداً إضافية وكبيرة من المتطرفين والمجاهدين ضدنا، ويشعل نار الإرهاب والتطرف والعنف على نطاق العالم كله. \r\n وبعيداً عن مثل هذه الاتهامات والاستفزازات، فإن علينا أن نخطط جيداً لانسحابنا وخروجنا من العراق -وألا نتهور فيه كما فعلنا في الغزو- شريطة أن تصب خطة الانسحاب وتوقيت تنفيذه، في خدمة مصالحنا الاستراتيجية والقومية أولاً. وعلينا ألا نؤجل الانسحاب خوفاً من تداعياته وعواقبه. \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست \r\n