\r\n والحقيقة أن الاستعمال العملي الوحيد الممكن، على أرض الواقع، لهذا النوع من القوة النووية التي يفترض أن إيران يمكن أن تصنعها يتمثل في ردع أي هجوم خارجي محتمل على من يمتلك هذا السلاح، ومن هنا يجمع معظم الاستراتيجيين على الطابع \"الردعي\" الحصري تقريباً للأسلحة النووية. ذلك أنه حتى الولاياتالمتحدة نفسها سيتعين عليها التعاطي مع إيران النووية بغير قليل من الحيطة والحذر، ليس من باب الخوف على نيويورك أو واشنطن، وإنما نظراً للدمار الذي يمكن لأي هجوم نووي أن يخلفه في أي مكان، ونظراً لأن حجم تفوق القوة الأميركية سيكون عامل ردع وخطراً في الوقت نفسه. والواقع أن الولاياتالمتحدة تتوخى الحذر في التعامل مع كوريا الشمالية لهذا السبب بالذات، وليس لأي سبب سياسي أو استراتيجي آخر. \r\n قد تصبح إيران، لو قدر لها أن تصبح قوة نووية إسلامية إلى جانب باكستان، والقوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط علاوة على إسرائيل، لاعباً دولياً وإقليمياً رئيسياً –وإن كان ذلك لوقت غير طويل على الأرجح. ذلك أنه من شبه المؤكد أن دولاً عربية عديدة إضافة إلى تركيا سترغب هي الأخرى في الحصول على قوة مماثلة، بالرغم من السلبيات والأخطار الكبيرة، والافتقار إلى تفوق حقيقي منتظر يمكن أن تحققه في هذا المجال. \r\n وليس امتلاك سلاح نووي هو نهاية المطاف فيما يتعلق بوزن دولة ما أو الاستقرار الإقليمي في المحيط الدولي القريب منها. ولعل أقرب مثال هنا حالة الهند وباكستان فما زالتا في وضع غير جيد في ما يخص علاقاتهما الثنائية ومع ذلك فكلتاهما تمتلك الأسلحة النووية. ولأن كلاً منهما تعرف ذلك فهما حريصتان على توخي الحذر الشديد حيال كل شيء قد يُؤول على أنه تهديد للطرف الآخر. أما بالنسبة للصين النووية، التي لها نزاع حدودي مع الهند، فربما تكون أيضاً قوة الهند النووية عامل استقرار إلى جانبها، غير أنه عامل باهظ الثمن جداً للطرفين في كل الأحوال. \r\n والحقيقة أن التجاذبات الحادة التي قامت حول برنامج إيران النووي خلال الأشهر الأخيرة تعزى في بالأساس إلى الدعاية أو عدم الدقة، قبل أن يتغير الموقف الأميركي على نحو مفاجئ. فلا التهديدات الأميركية والإسرائيلية، ولا الجهود الأوروبية من أجل التفاوض بشأن وقف البرنامج الإيراني أقنعت طهران بضرورة التخلي عن مساعيها النووية، ما دامت الولاياتالمتحدة مستمرة في إطلاق تهديدات تجعل الزعماء الإيرانيين يشعرون بالخطر، على مستقبل نظامهم. \r\n ويتمثل التغير في السياسة الأميركية الذي أعلنت عنه وزيرة الخارجية كندوليزا رايس في عرض يقوم على انضمام واشنطن إلى المفاوضات الأوروبية مع طهران في حال علقت إيران بشكل تام يمكن التحقق منه أنشطة تخصيب اليورانيوم، وفي حال قبلت روسيا والصين فرض عقوبات على إيران إذا رفضت طهران العرض الأميركي. \r\n وفي حال كان الجواب بالإيجاب، فمن المرتقب أن تجلس الولاياتالمتحدة إلى طاولة المفاوضات إلى جانب شركائها الأوروبيين وتلتقي بممثل إيران، وحينها سيتحقق الحوار الأميركي- الإيراني المباشر الذي طالما طالب به الإيرانيون، أنفسهم دون جدوى خلال السنوات الماضية. \r\n إلى ذلك، اقترحت رايس تقديم \"حزمة عروض\" تبين بوضوح الخيارات الإيجابية والسلبية إلى إيران كتعبير عن موقف مشترك للمجتمع الدولي، على أن تقوم طهران بالاختيار. وفي حال كان الاختيار \"إيجابياً\" وانضمت واشنطن إلى المحادثات، فمن المرجح أن يلي ذلك رفع للحظر الأميركي المفروض على إيران والساري منذ ستة وعشرين عاماً، كما يفترض أن يعقبه المزيد من المفاوضات بشأن ضمانات متبادلة تتعلق بالأمن الإقليمي، إضافة إلى المساعدة التي عرضها الأوروبيون على الإيرانيين بخصوص برنامج إيران النووي ومزايا ومحفزات كثيرة أخرى. \r\n ولئن وصفت وكالة الأنباء الإيرانية المقترح الأميركي بالدعاية، فإن الصحافة الفرنسية وصفت قبول كندوليزا رايس إجراء حوار أميركي- إيراني مباشر بأنه مرونة \"كبيرة\" و\"تليين\" إيجابي للموقف الأميركي، الذي كان حتى وقت قريب متشدداً بشكل لا غموض فيه في كل ما يتعلق بإيران. والحال أن المقترح الأميركي الجديد ليس سخياً من وجهة نظري الخاصة، إلى الدرجة التي يمكن أن يتخيلها المرء، ذلك أن إجراء المفاوضات المباشرة مرهون بقيام طهران بما يفترض أن يكون نتيجة للمفاوضات نفسها، ألا وهو ثني إيران عن مواصلة برنامجها النووي. \r\n وهناك تأويلان ممكنان لهذا التحول في الموقف الأميركي، يتمثل أولهما في افتراض أنه حقيقي ويمكنه أن يكلل بالنجاح، أما الثاني فهو أنه من المتوقع، أو المقصود منه، أن يبوء بالفشل. وبالتالي تمهيد الأجواء المناسبة لكسب تأييد الحلفاء الأوروبيين وبلدان أخرى بشأن فرض عقوبات ضد إيران وربما شن هجوم محتمل عليها مستقبلاً، بعد أن تبدو في الصورة كل السبل وكأنها قد استنفدت معها. غير أن ثمة تقارير أوروبية تفيد بأن الإسرائيليين، الذين يُعدون الأكثر اطلاعاً على استعدادات إيران للرد على هجوم أميركي أو أميركي-إسرائيلي محتمل، ليسوا قلقين عموماً بخصوص هذه المواجهة العسكرية. \r\n إلى ذلك، تنشر مجلة \"أميركان بروسبيكت\" في عددها المقبل مقالاً لثيودور سورونسون، المستشار السابق للرئيس جون كينيدي، وزميل آخر له هو آدام فرانكل، المسؤول السابق بوزارة الخارجية. ويتناولان في المقال أزمة إيران، وقد كتب على ما يبدو قبل إعلان وزيرة الخارجية رايس الأخير عن استعداد الولاياتالمتحدة للحوار مع طهران. \r\n ويعقد المقال مقارنة بين الأزمة الإيرانية الحالية وأزمة الصواريخ الكوبية في 1962، التي كان سورونسون مشاركاً فيها بطبيعة الحال. ويحذر من \"خيار القصف\" –حيث تعرض الرئيس كينيدي لضغوط من أجل اعتماده ولكنه رفض- موصياً بضرورة مواصلة المفاوضات التي آتت أكلها في الحالة الكوبية، كما هو معروف. \r\n غير أن سورونسون وفرانكل ختما مقالهما بالقول إن \"ثمة أخباراً مؤداها أن الرئيس بوش يريد حرباً مع إيران على خلفية أسلحتها النووية\". والحقيقة أن آخرين أشاروا إلى هذا الأمر من قبل، غير أن سورونسون رجل جاد وحسن الاطلاع على كل حال. هل هذا صحيح حقا؟ الواقع أننا إذا أخذنا التحول في السياسة الأميركية على محمل الجد، فسنجد أنه، في الحقيقة، ليس تحولاً البتة. \r\n \r\n ويليام فاف \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"تبربيون ميديا سريفيس\" \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n