\r\n ينبغي للديمقراطيين ان يضعوا ايديهم من جديد على عملية صنع السياسة الخارجية الامريكية ليس لمصلحتهم فقط, انما لمصلحة البلاد ايضا فالبقاء لفترة طويلة في خانة المعارضة يدفع ببعض الاطراف احيانا الى نوع من الانهزامية او الطوباية او الانعزالية او الى مزيج من الحالات الثلاث معا. فالهجوم الذي يشن على الاخطاء المحتومة التي يرتكبها الحزب اثناء وجوده في السلطة والذي يبدو في وقته هجوما مشروعا يمكن ان يقود الى رفص كامل للمبادىء السياسية التي يحملها الحزب المعارض وخصوصا في مجال السياسة الخارجية. فبعد ان دعم الجمهوريون في تسعينات القرن الماضي وتحت ادارة كل من رونالد ريغان وجورج بوش الاب السياسة التوسعية في المجال الدولي, عادوا فانحازوا الى موقف شبه انعزالي عندما واجهوا المواقف الميالة الى التوسع الدولي التي جاءت بها ادارة كلينتون الديمقراطية. وخلال ولايتي الرئاسة المتعاقبتين للرئيس وودرو ويلسون اخذ حزب ثيودور روزفلت المعروف بنزعاته الدولية بالتحول الى حزب انعزالي. وخلال السنوات التي شهدت ادارتا نيكسون وفورد, تحول حزب جون كنيدي الى حزب جورج ماكغفرن. \r\n \r\n نجحت السنوات الثماني لادارة بيل كلينتون في اخراج الديمقراطيين من صدمة حرب فيتنام واعادت الحياة الى نزع التدخل الليبرالي في الشؤون العالمية. لكن سنوات ادارة جورج بوش الراهنة اعادت الكثيرين الى الوراء. فقد تخلى الكلينتونيون الذين وجدوا انفسهم بمواجهة اخفاقات ادارة بوش من جهة وانتقادات الجناح اليساري في حزبهم من الجهة الاخرى عن ما كانوا يؤمنون به يوما او انهم طأطأوا رؤوسهم وامتنعوا عن التصريح بشيء. \r\n \r\n شهدت الفترة الاخيرة صدور بعض علامات النشاط في صفوف الكلينتونيين التي تظهر بأنهم ما زالوا قادرين على الامساك بزمام الامور من جديد اذا تمكن المرشح الديمقراطي المناسب من الفوز بانتخابات عام .2008 \r\n \r\n ان اهمية مجيء ادارة ديمقراطية في الانتخابات المقبلة لا تتعلق فقط بانقاذ الحزب الديمقراطي من السقوط في الانهزامية انما تحتمها الحاجة الى لملمة صفوف البلاد بمواجهة الاوقات العصيبة المقبلة. فقد كانت الظروف العالمية مختلفة على عهد آخر ادارة امريكية في البيت الابيض. وكان العالم يبدو في حينها مكانا قابلا للتسيير. اذا لم يكن على الديمقراطيين, مثلا, ان يتعاملوا مع عالم ما بعد احداث 11 ايلول. \r\n \r\n ولما كانت سياسة بوش الخارجية هي السياسة الخارجية الوحيدة التي عرفها الامريكيون, والديمقراطيون منهم بشكل خاص, منذ احداث ايلول, فإن الكثيرين باتوا يعتقدون بأن العالم كان يمكن ان يصبح قابلا للتسيير من جديد لولا وجود جورج بوش في سدة الرئاسة. كما انهم يعتقدون بأنه كان سيكون من السهولة بمكان استدعاء الحلفاء للانخراط في المعركة ضد »القاعدة« او ممارسة الضغط على ايران او ارسال جنودهم ليحلوا محل الجنود الامريكيين في العراق. كذلك بات البعض يعتقد بأن بالامكان معالجة التهديدات المحدقة بواسطة الدهاء الدبلوماسي او اللجوء الى »القوة الناعمة« ومن دون استخدام القوة العسكرية ولعل هناك من يعتقد بأن بعض تلك الاخطار يمكن ان تزول من تلقاء نفسها. \r\n \r\n لكن هذا ليس سوى خيال واهم. اذ يمكن ان يستطيع الرئيس القادم, سواء كان جمهوريا ام ديمقراطيا, العمل بشكل افضل مع الحلفاء ولعله سيكون اكثر ذكاء في التفاوض مع الخصوم. لكن حقائق العالم ستظل على ما هي عليه واولويات السياسة الخارجية الامريكية ستظل على حالها. \r\n \r\n فمخاطر انتشار الاسلحة النووية, لا توحد حلفاءنا الاوروبيين ولا تحفزهم للاستجابة على النحو الذي كانوا يستجيبون به للخطر السوفييتي ايام الحرب الباردة. وحتى »التعددية« التي يدعون اليها لن تكون كافية لدفعهم الى انفاق المزيد من الاموال لاغراض الدفاع او الى الكف عن شراء النفط من ايران. اما اتباع اسلوب اكثر ذكاء في التفاوض مع ايران فإنه قد يترك اثرا على موقفها من مواصلة برنامجها التسلحي. وقد لا يكون له اي اثر في هذا المجال. ولا يمكن للقوة الناعمة ان تحقق نجاحا ابعد من النجاح الذي تحقق في كوريا الشمالية او السودان. \r\n \r\n \r\n ان الاختيارات المفتوحة امام انه ادارة امريكية جديدة ليست, في الواقع, واسعة بالدرجة التي يتوهمها البعض. ولهذا السبب نجد ان الاستمرارية كانت اكثر حضورا على الصعيد التاريخي في سياسة امريكا الخارجية من التحولات المفاجئة. فلو كان للديمقراطيين ان يفوزوا في انتخابات عام ,2008 فإن موقفهم من عالم ما بعد الحادي عشر من ايلول قد يختلف قليلا عن موقف بوش لكنه لن يبتعد عنه كثيرا. وسيكون عليهم ان يقنعوا ناخبيهم بقبول المواقف التي لا تختلف كثيرا عن مواقف بوش التي ظل الناخبون الديمقراطيون ينتقدونها بشدة. \r\n \r\n على هذا الصعيد, لن يكون عام 2008 الا تكرارا لعام .1952 فقد ظل الحزب الجمهوري بعيدا عن البيت الابيض على مدى عشرين عاما, قبل ان يتم انتخاب الجنرال دوايت ايزنهاور لرئاسة الولاياتالمتحدة في اعقاب الحرب العالمية الثانية ومؤتمر ميونيخ والسنوات الاولى للحرب الباردة. فقد كان هناك الكثير من الجمهوريين الذين اعتقدوا ان كل المصاعب التي واجهها العالم وكل الاخطاء التي ارتكبت خلال تينك العقدين كانت سبب تقصير فرانكلين روزفلت والديمقراطيين. وشاعت الاتهامات التي تقول بأن روزفلت قد »خدعنا« وقادنا الى حرب مع اليابان. ثم قام بالتنازل عن اوروبا الشرقية في مؤتمر »يالطا« ثم جاء هنري ترومان ليتبنى استراتيجية الاحتواء الكارثية. كانت تلك هي السنوات التي ازدهر فيها منطق »الواقعيين« المناوئين للاحتواء امثال جو ماكارثي وروبرت تافت ووالتر ليبمان. ولكن ما ان اضطلع ايزنهاور والجمهوريون اخيرا بالمسؤولية وكان عليهم ان يسيروا عالم الحرب الباردة حتى انتهت سنوات الهجوم على »الاحتوائية الجبانة« وحل محلها تقبل مهزوز لتلك السياسة. \r\n \r\n سيكون من صالح امريكا ان تنتقل السلطة الى الحزب الاخر كما حدث عام .1952 لكن المهم هو ان تأتي انتخابات عام 2008 برئيس امريكي موثوق يعهد اليه الامريكيون باطمئنان بمقاليد السياسة الخارجية. وفي نهاية المطاف فإن مزايا الرئيس الشخصية ونظرة العالم له غالبا ما تكون اهم في نظر الجميع من الحزب المعين الذي ينتمي اليه. \r\n