إن غالبية أسلافنا وأجدادنا الأميركيين، إنما سلكوا طريقهم إلى هذه البلاد، كما الطيور المهاجرة، بلا أوراق ولا جوازات سفر، جاءوا يحملون معهم حلمهم بالفرص اللانهائية التي تتيحها حريات هذه البلاد ووعدها. وكان طبيعياً أن تواجه كل موجة جديدة من المهاجرين مصاعب عديدة إثر وصولها، إلا أن كل هذه المصاعب تحل في نهاية المطاف، وسرعان ما ينصهر جميع المهاجرين في نسيج المجتمع الأميركي، حتى يصبحوا جزءاً لا يتجزأ منه. وهذا هو ما أكسب أميركا ثراءها وتنوعها الثقافي العرقي. بل إن هذه هي السمة -وليست قوتنا ولا جبروتنا العسكري- التي تضفي على أميركا مجدها وعظمتها، وتجعلها على اختلاف بيِّن مع «العالم القديم». ولشد ما رسخت هذه التقاليد، حتى أصبحت إحدى حقائق الحياة الأميركية، التي لا سبيل لإنكارها. \r\n \r\n غير أن النظرة النقدية لهذا التاريخ، تشير إلى حقائق أخرى وقصص حزينة مؤسفة، هي ما يمكن أن نطلق عليه إجمالاً «أصول الخطايا الأميركية». وتتمثل هذه الخطايا في جرائم الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي التي ارتكبت بحق المواطنين الأصليين، وكذلك الاستغلال الوحشي البشع للآلاف من الأفارقة، الذين راكموا بجهدهم وعرقهم ثروات هائلة لأسيادهم البيض في تلك القرون الأسيفة. ومن بين تلك الخطايا، احتلالنا غير المشروع للجزء الجنوبي الغربي من القارة، الناطق باللغة الاسبانية، مع العلم بأنه هو الذي جعل من أميركا هذا البلد القاري العملاق. وعلينا أن نضيف إلى هذا التاريخ المخزي كله، مشاعر العداء والكراهية العرقية التي تطفو إلى السطح في بعض الأحيان، مضيفة المزيد من العنت والعناء للمجموعات المهاجرة. وإذا ما تحدثت في هذا الأمر عن أسرتي وجاليتي، فما أكثر النماذج وأمرّها في الحلق! \r\n \r\n وانطلاقاً من هذه النظرة الواسعة إلى تاريخ الهجرة الأميركية، فإنني لأجد نفسي على تعاطف كبير مع دعاة حقوق المهاجرين الذين يجوبون الشوارع الأميركية اليوم. كيف لا؟ وكيف أستطيع أنا الذي أتيت مهاجراً إلى هنا، أن أغلق ذات الباب الذي ولجت منه في وجوه الآخرين؟! وبالنظر إلى وجود ما يقدر بنحو 12 مليوناً من العاملين بلا أوراق ثبوتية، وموجات تدفق المزيد منهم يومياً عبر الحدود، فإن من الواجب أن يقوم الحوار القومي الدائر الآن حول سياسات الهجرة، على الاعتراف بحقائق الواقع وخصائصه، فضلاً عن تكييف هذا الواقع وفقاً لحاجاتنا الراهنة. وحتى الآن، فإن هناك ثلاثة اتجاهات رئيسية في إطار البحث عن حل للمشكلة. \r\n \r\n فأولاً هناك من يدعو إلى تجريم المهاجرين غير الشرعيين، ومن يستخدمونهم معاً على حد سواء. وهذا منحى عاطل ولا إنساني من حيث المبدأ والأساس. وهناك من يسمون أنفسهم بالمعتدلين، من دعاة إنشاء برنامج للعاملين الزوار، يهدف إلى تقنين أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، ولكن دون أن يمنحهم ذرة أمل واحدة، في أن يصبحوا مواطنين أميركيين يوماً ما. وهذه وصفة أخرى للفشل ذاته. ثم هناك أخيراً من يدعون إلى ترشيد وعقلنة الحلول، بحيث تحفظ حقوق المهاجرين، وبحيث نستخلص في الوقت ذاته دروس التاريخ. على أن الواجب أن تبقى أبواب الهجرة مشرعة للحلم الأميركي نفسه، وتحت كل الظروف والأحوال. \r\n