في تلك الدراما الملحمية كان ترومان على حق بلا أي جدال. فما حدث وقتها كان أن قام ماك أرثر، القائد العام للقوات الأميركية في كوريا والجنرال الذي لا يشق له غبار والذي أبلى بلاء عظيما في الحرب العالمية الثانية - قام بتحدي ترومان على الملأ وكان يتعين بالفعل إقالته. \r\n \r\n \r\n ويقدس معظم الأميركيين عن حق ذلك المبدأ الذي كان على المحك وقتها ، ألا وهو تكريس سيطرة المدنيين على القيادة العسكرية. غير أن الوضع الآن مختلف تماما. \r\n \r\n \r\n بادئ ذي بدء فإنه من الواضح أن الجنرالات المتقاعدين الذين وصل عددهم الآن إلى ستة، مع وجود احتمالية أن ينضم إليهم المزيد - هؤلاء الجنرالات من الواضح أنهم يتحدثون بالتأكيد بلسان عدد كبير من زملائهم السابقين وأصدقاء. \r\n \r\n \r\n وتابعين لهم لا يزالون موجودين داخل نطاق الخدمة. ففي العالم الضيق لجنرالات كبار ما زالوا في الخدمة وجنرالات متقاعدين، يكون هناك دائما حوار خاص متبادل بين الطرفين. والمتقاعدون حديثا يظلون على صلة وثيقة بالأصدقاء القدامى الذين كانوا في الغالب مرؤوسيهم . فهم يساعدون بعضهم بعضا، ويعلمون ماذا يجري في الأوساط العسكرية. \r\n \r\n \r\n و قد أوضح الجنرال المتقاعد غريغ نيوبولد الذي كان يشغل منصب مدير العمليات في قيادة الأركان المشتركة أثناء التخطيط لحرب العراق- أوضح جليا هذا الأمر في مقالة غير عادية يمكن أن تُوصف بأنها عاطفية نُشرت في مجلة «تايمز» أخيرا، عندما قال إنه يكتب ب «تشجيع من بعض هؤلاء الذين لا يزالون في مراكز عسكرية قيادية». \r\n \r\n \r\n وواصل الجنرال «تحديه لكل هؤلاء الذين لا يزالون في الخدمة كي يمنحوا الفرصة لهؤلاء الذين لا يستطيعون التحدث أو الذين ليس لديهم فرصة للبوح بما في دواخلهم». \r\n \r\n \r\n هؤلاء الجنرالات ليسوا من الحمائم الجدد أو الذين تحولوا إلى معسكر الديمقراطيين بعدما كانوا ضمن الجمهوريين. إنهم أصحاب مهنة وكل فرد منهم يتمتع بأكثر من 30 سنة خبرة في المجال العسكري. \r\n \r\n \r\n وقد أقسم هؤلاء بعد حرب فيتنام، كما كتب وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول، في مذكراته على أنه «عندما يأتي دورنا لتولي زمام الأمور، فإننا لن نُجبر على دخول حرب تُبنى على أسباب غير مكتملة». \r\n \r\n \r\n ولكن، كما يعترف بذلك نيوبولد نفسه، فإن الأمر حدث ثانية. ففي التعليقات العلنية للجنرالات المتقاعدين يستطيع المرء أن يستشعر وجود إحساس خافت بالذنب يفيد بأنهم على الرغم من معرفتهم، عندما كانوا ضباطا في مقتبل الشباب، أن الجنرالات إبان حرب فيتنام لم يقفوا ضد وزير الدفاع وقتها روبرت ماكنمارا والرئيس ليندون جونسون- على الرغم من معرفتهم تلك فإنهم ارتكبوا الخطأ ذاته. \r\n \r\n \r\n ثانيا من الواضح أيضا أن الهدف ليس رامسفيلد فحسب. فنيبولد يلمح إلى هذا. والآخرون أكثر وضوحا في أحاديثهم الخاصة. غير أن الشخصين الوحيدين في الحكومة اللذين يتمتعان بسلطات أكبر من وزير الدفاع هما الرئيس ونائب الرئيس اللذان بدورهما لا يمكن إقالتهما بالطبع. \r\n \r\n \r\n وميثاق الشرف العسكري المتعارف عليه والذي لا توجد حاجة لمناقشته يمنع بشكل طبيعي أي هجوم علني على القائد الأعلى للقوات المسلحة عندما تكون القوات في حالة حرب. \r\n \r\n \r\n ( هناك استثناءات لتلك القاعدة بالطبع). هذا الموقف قد وضع الرئيس بوش وإدارته في موقف متأزم للغاية في وقت يبدو فيه الوضع في أفغانستان والعراق وقد أخذ يزداد تدهورا. \r\n \r\n \r\n وفي حال انصياع بوش إلى انتفاضة العسكر، فإنه سوف يظهر وكأنه قد ركع أمام الضغوط التي تأتي مما وصفهم رامسفيلد بشكل تعوزه اللباقة ب«اثنين أو ثلاثة جنرالات متقاعدين من أصل ألوف آخرين لا يبدون أي تذمر». \r\n \r\n \r\n ولكن في حال أن يُبقي بوش على رامسفيلد، فإنه سيخاطر بمواجهة مزيد من حالات الاستقالة من قبل جنرالات يستمعون إلى دعوة نيوبولد المفاجئة لهم بأنهم، باعتبارهم ضباطا حلفوا اليمين على الالتزام بالدستور. \r\n \r\n \r\n وباعتبار أنه ينبغي لهم التحدث الآن باسم القوات في أوقات الخطر ويحمون مؤسستهم العسكرية التي يشعر هو أنها تواجه خطر السقوط مرة أخرى في حالة التفكك والفوضى التي وقعت فيها أثناء حقبة ما بعد حرب فيتنام. \r\n \r\n \r\n وفي مواجهة تلك المحنة، كان رد الفعل الأول لبوش تماما كما توقعه منه أي شخص يعرفه. فقد أكد على « التأييد الكامل» لرامسفيلد، بل أنه زاد على ذلك بالإشارة إلى وزير دفاعه باسم «دون» مرات عديدة أثناء خطابه. \r\n \r\n \r\n ( لقد جاء هذا الأمر في تناقض واضح مع تعليقات الرئيس الفاترة حيال مستقبل جون سنو، وزير خزانته الذي يواجه هو الآخر موجة كبيرة من الانتقادات. لقد استوعبت واشنطن الدرس). \r\n \r\n \r\n وفي النهاية، فإنني أرى في تغيير وزير الدفاع خطوة مهمة للغاية. إنني لم أصل إلى تلك الخلاصة بسبب أخطاء الماضي، أو ببساطة بسبب أن « أحدا ما يجب أن يتحمل مسؤولية ما جرى». \r\n \r\n \r\n عدد كبير من الأشخاص الذين يقفون بجانب رامسفيلد هم أيضا متورطون بشدة في الأخطاء التي وقعت بسبب العراق وأفغانستان. عدد كبير من هؤلاء لا يزال في السلطة وبعضهم لا يزال يرتدي الزي العسكري. \r\n \r\n \r\n غير أن السبب الرئيسي والأكثر إلحاحية هو أن الدولة تحتاج إلى وزير دفاع جديد. فببساطة لا يمكن تعديل الاستراتيجيات الخاطئة في كل من ا لعراق وأفغانستان طالما ظل رامسفيلد موجودا ويشغل مركزا محوريا في هرم القيادة. \r\n \r\n \r\n إن «المفك« الشهير لرامسفيلد والذي اعتاد أن يستخدمه في بعض الأحيان في إدارة سياسة الوزارة بشكل يقوم على التدخل فيما لا يعنيه- هذا «المفك» يجهض الآن أي إعادة تقويم شاملة للإستراتيجية الأميركية، وهو التقويم الذي تمس إليه الحاجة الآن في منطقتي الحرب في أفغانستان والعراق. \r\n \r\n \r\n لقد أدرك ليندون جونسون ذلك الأمر في 1968 عندما أقال وزير دفاع آخر كان يتبع الأسلوب ذاته في إدارة الأمور وهو ماكنمارا وحل محله كلارك إم. كليفورد. وفي خلال أسابيع قام كليفورد بإعادة تقويم كل نواحي السياسة العسكرية للدولة وبدأ العملية الشاقة الخاصة بالتخلص مما وضعته الوزارة من التزامات على عاتقها. \r\n \r\n \r\n واليوم ما زالت تلك القرارات محل خلاف وجدل كبيرين. نعم هناك قدر كبير من الاختلافات بين الموقفين، غير أنه في حينها كان هناك أمر ما واضحا كل الوضوح وكذلك هي الحال الآن. هذا الأمر هو أنه في حال عدم رحيل وزير الدفاع فإن السياسة لن تتغير ولن تكون هناك إمكانية لتغييرها. \r\n \r\n \r\n رد الفعل الأول الذي صدر عن البيت الأبيض لن يكون نهاية القصة. ففي حال أن يتحد عدد أكبر من الجنرالات ، وهو الأمر الذي سيحدث بالتأكيد، وفي حال أن يكون بعض منهم في الخدمة الفعلية في الوقت الحالي، كما يبدو الآن، وفي حال ألا يتحسن الوضع في كل من أفغانستان والعراق ( وليس هناك سبب للأسف للاعتقاد بأنه سيتحسن). \r\n \r\n \r\n - في ضوء كل تلك المعطيات، فإن العاصفة ستتواصل ولن يكون رامسفيلد هو الوحيد الذي ستطيح به العاصفة. السؤال الوحيد الذي يفرض نفسه في هذا الصدد هو: هل سيكون التحرك متأخرا للغاية لدرجة أنه لن يكون هناك أي أمل لإنقاذ أي شيء في العراق وأفغانستان؟ \r\n \r\n \r\n \r\n عن: « تروث أوت» \r\n \r\n السفير الأميركي السابق لدى الأممالمتحدة \r\n \r\n