فأولا، من الواضح أن الجنرالات المتقاعدين الذين يبلغ عددهم حتى الآن ستة يتكلمون بالنيابة عن الكثير من زملائهم السابقين وأصدقائهم والذين كانوا تحت امرتهم وما زالوا داخل الجيش. وفي العالم الصغير الخاص بالجنرالات المتقاعدين وغير المتقاعدين الذين كانوا تحت امرتهم، يساعد بعضهم البعض، وهم يعرفون ما يجري ويتبادلون غالبا الحوار ما بينهم، وبفضل ذلك تتشكل الحكمة التقليدية. فالجنرال غريغ نيوبولد الذي كان مديرا للعمليات الخاصة بهيئة رئاسة الأركان خلال فترة التخطيط للحرب في العراق، قالها بشكل صريح جدا في مجلة «تايم» التي صدرت الأسبوع الماضي إنه يكتب «مع تشجيع بعض الضباط الكبار الذين ما زالوا يحتلون مناصب متقدمة». واستمر قائلا بأن «الأمر يتعلق بمواجهة أولئك الذين ما زالوا في الخدمة كي يعبروا عن آراء من لا يستطيعون التعبير عن أصواتهم أو أنهم لا يملكون الفرصة للتحدث». \r\n \r\n وهؤلاء الجنرالات هم ليسوا من الحمائم أو من الديمقراطيين السريين. بل هم أناس أصحاب حرفة، وكل منهم له خدمة تزيد عن 30 سنة في الجيش، والذين أقسموا بعد حرب فيتنام، حسبما جاء في مذكرات كولن باول «انهم لن يسمحوا بحرب يدخلونها بدون حماس ولأسباب نصف مطبوخة». نعم يعترف نيوبولد أن ذلك حدث مرة أخرى. \r\n \r\n وفي تعليقات الجنرالات المتقاعدين العلنية، يمكن للمرء أن يتحسس شعورا بالذنب من أنهم تعلموا كضباط شباب من أن جنرالات مرحلة الحرب الفيتنامية قد فشلوا في الوقوف في وجه وزير الدفاع روبرت ماكنمارا والرئيس ليندون جونسون، لكنهم فعلوا نفس الشيء بالنسبة للحرب في العراق. \r\n \r\n ثانيا، كان واضحا أيضا أن المستهدف هو ليس رامسفيلد فقط. وإذا كان نيوبولد قد نوه بذلك فإن الجنرالات الآخرين أكثر صراحة في جلساتهم الخاصة. لكن الشخصين اللذين هما أعلى مرتبة من رامسفيلد في الحكومة هما الرئيس ونائب الرئيس. وهما لا يمكن طردهما، ويمنع القانون العسكري مهاجمة القائد العام للقوات المسلحة الذي هو الرئيس بوش. لكن هناك استثناءات لهذه القاعدة، فإضافة إلى ماك أرثر، هناك الجنرال جورج ماكليلان في مواجهة لينكولن، وهناك الجنرال سينغلوب الذي طرد من منصبه بعد أن هاجم الرئيس جيمي كارتر حول السياسة الخاصة بكوريا. لكن تحديات من هذا النوع نادرة جدا ولم يكن أي منها ذا طابع جماعي، مثلما هو الحال الآن. \r\n \r\n وقد وضع هذا الأمر، الرئيس بوش وادارته في موقف غاية في الصعوبة في وقت يبدو فيه الأمن في العراق وأفغانستان متدهورا. واذا ما أذعن بوش لتمرد الجنرالات فإنه سيبدو خاضعا لضغوط من جانب من وصفهم رامسفيلد باعتبارهم «اثنين أو ثلاثة من الجنرالات المتقاعدين من بين آلاف». ولكن اذا ما أبقى رامسفيلد فإنه يخاطر بمزيد من حالات الاستقالة، ربما قريبا، من جنرالات يهتمون بدعوة نيوبولد من أنهم كضباط أقسموا على الدستور وعليهم الآن أن يتحدثوا صراحة باسم القوات التي تتعرض الى الأذى، وإنقاذ المؤسسة التي يشعر انها في خطر التراجع الى فوضى ما بعد حرب فيتنام. \r\n \r\n وفي مواجهة هذا المأزق، كان رد فعل بوش على وجه التحديد ما يتوقعه كل من عرفه: فقد أصدر تأكيدات قوية ب «دعم كامل» لرامسفيلد، بل وخرج عن طوره عند الاشارة الى وزير الدفاع باسم الكنية المحبب مرات عدة في تصريحاته (وهذا في تعارض جلي مع تعليقاته الفاترة حول مستقبل وزير خزانته جون سنو عندما وجهت اليه سهام النقد. وقد أدركت واشنطن دلالة ذلك). \r\n \r\n وفي النهاية، فإن قضية تغيير وزير الدفاع تبدو لي ساحقة. ولم اتوصل الى هذه النتيجة ببساطة اعتمادا على أخطاء سابقة، ببساطة لأن «شخصا ما يجب أن يتحمل المسؤولية». فهناك الكثير من الأشخاص الى جانب رامسفيلد كانوا مسؤولين مسؤولية عميقة عن الأخطاء في العراق وأفغانستان. وما يزال الكثير منهم في مواقع السلطة. والسبب الرئيسي لحاجة البلاد الى وزير جديد للدفاع أكثر إلحاحا بكثير. وببساطة، فإن الاستراتيجيات الفاشلة في العراق وأفغانستان لا يمكن أن تحدد ما دام رامسفيلد في مركز المسؤولية عن القيادة. ان «مفك البراغي» الطويل لدى رامسفيلد الذي يستخدمه أحيانا لتوجيه وإدارة السياسة التفصيلية يهدد، في الوقت الحالي، إعادة التدقيق الشاملة للاستراتيجية التي هي أساسية على نحو مطلق بالنسبة لمنطقتي الحرب. \r\n \r\n وقد أدرك ليندون جونسون هذا في عام 1968، عندما أبعد وزيرا مماثلا للدفاع هو ماكنمارا عن البنتاغون وأبدله بكلارك كليفورد. وفي غضون أسابيع، أعاد كليفورد النظر في كل مناحي السياسة وبدأ العملية المديدة المؤلمة لمعالجة الأوضاع. واليوم ما تزال تلك القرارات موضع نزاع حاد، وهناك الكثير من الفوارق بين الوضعين. ولكن شيئا واحدا كان واضحا يومئذ، وهو واضح اليوم: ما لم يجر استبدال وزير الدفاع لن تتغير السياسة ولا يمكن أن تتغير. \r\n \r\n ورد الفعل الأول للبيت الأبيض لن يكون نهاية القصة. فإذا ما ظهر مزيد من الجنرالات الغاضبين، وسيظهرون، واذا كان بعضهم في مهمات نشطة، وهو ما يبدو ممكنا، واذا لم يتحسن الوضع في العراق وأفغانستان (وليس هناك مبررات كثيرة تجعل المرء يفكر على هذا النحو مع الأسف)، فإن هذه العاصفة ستستمر الى أن تدمر ليس دونالد رامسفيلد فقط. والسؤال الوحيد هو: هل سيحدث هذا متأخرا، بحيث انه لن يكون هناك أي أمل في إنقاذ شيء ما في العراق وأفغانستان؟. \r\n \r\n * السفير الأميركي السابق لدى الأممالمتحدة \r\n \r\n خدمة «واشنطن بوست» خاص ب «الشرق الأوسط» \r\n