وقد جاءت تصريحات \"هو جيناتو\" خلال الزيارة التي قام بها وفد \"الصداقة\" الياباني الذي وصل إلى بكين قبل عشرة أيام. ولأن التقاليد الآسيوية تركز على العادات المرتبطة بالحفاظ على ماء الوجه سيكون من الصعب على اليابان أن ترضخ للمطالب الصينية وأن يتوقف مسؤولوها عن الذهاب إلى المزار الشهير. ومن نافلة القول إن مثل هذه السياسة تدق إسفيناً يقود إلى توسيع الهوة بين القوتين في ظل التنافس المحموم بينهما للاستئثار بالموارد والنفوذ في محيطهما الإقليمي. \r\n ويقول بعض المسؤولين الصينيين في مجالس خاصة إن المشاعر المعادية لليابان، التي عادة ما تخضع لمراقبة وضبط شديدين، تم تأجيجها ربما بشكل مقصود لتصل حد رشق الجماهير المتظاهرة أهدافا يابانية في مدن الصين الرئيسية مثل بكين وشنغهاي وغيرها بهدف التشويش على مطالبة اليابان بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. ولم تتوقف الأمور عند ذلك الحد، بل استمر الطرفان طيلة السنة الماضية في تبادل الخطابات المستفزة، ما يزيد في تأزيم العلاقات بينهما. ففي مؤتمر صحفي نادر عقده الشهر المنصرم وزير خارجية الصين \"لي زاوكسينج\"، استشهد فيه بكلام دبلوماسي ألماني وصف زيارة المسؤولين اليابانيين لمزار \"ياسوكوني\" بأنها \"غبية ولا أخلاقية\". وعندما أقدمت اليابان على الاستدعاء الرسمي للسفير الصيني في عاصمتها للتعبير له عن احتجاجها بشأن تصريحات رئيس الدبلوماسية الصينية رفض السفير الامتثال، وهو ما يشكل خرقاً سافراً للقواعد والأصول الدبلوماسية. \r\n وخلال الأسبوع الماضي فقط صرح سكرتير الحكومة اليابانية \"شينزو آبي\" أمام مجموعة من الصحفيين اليابانيين بأنه \"لا توجد أية قواسم مشتركة بين الصين واليابان\". وفيما يمكن إدراج تصريحات \"آبي\" في إطار محاولته لدغدغة مشاعر اليابانيين استعدادا للحلول مكان رئيس الوزراء الحالي \"جونيشيرو كيوزومي\"، تصدرت تصريحاته تلك عناوين صحيفة صينية تتداولها النخبة المثقفة، حيث جاء العنوان البارز على الشكل التالي \"شينزو آبي يتجرأ على الصين ويتهمها بمحاولة زعزعة استقرار آسيا\". \r\n ويقر المسؤولون الصينيون بوجود مشكلة حقيقية تسمم العلاقات الثنائية بين الطرفين القويين في آسيا لكن دون معرفة السبيل لتحسين العلاقات. ويشار هنا إلى أن اليابان حليفة الولاياتالمتحدة في المنطقة، والصين الشريك الاقتصادي المهم لأميركا، تمتلكان أكبر اقتصاد وأهم القدرات العسكرية في آسيا. لكن منذ أن صعدت الصين في العقد الأخير كقوة اقتصادية إقليمية انخرط البلدان، اللذان لم ينجحا في حل عدواتهما القديمة التي ترجع إلى اعتداء اليابان على الصين في الحرب العالمية الثانية، في تنافس محموم لبسط سيطرتهما على آسيا. وقد شهدت كل من الصين واليابان في الفترة الأخيرة اتجاهاً متزايداً صوب الخطاب القومي. وهو اتجاه يتضح بصورة أكبر لدى اليابان التي كانت تعتبر دائما دولة مسالمة. وبينما تشهد العلاقات الاقتصادية بين الدولتين تداخلاً كبيراً تعرف الروابط الوجدانية والسياسية تدهوراً تدريجياً ليس مستبعداً أن يمتد إلى العلاقات الاقتصادية أيضاً. \r\n ولعل أكثر ما يثير مخاوف المراقبين هو تسرب الفتور إلى العلاقات غير الرسمية بين البلدين وإلحاق الضرر بها. فقد واجهت الأوساط الليبرالية والأكاديمية، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية وجماعات المواطنين التي تسهم في التقريب بين البلدين بطرق غير رسمية العديد من الصعوبات في ظل الأجواء المتوترة حالياً. وفي هذا الصدد يقول \"جين لينبو\" من المعهد الصيني للعلاقات الدولية في بكين إنه \"قبل ثلاثين سنة كان ينظر للزيارات الشعبية على أنها مفيدة لتطور العلاقات بين الدولتين، كما كانت تعتبر رمزاً للمشاعر الثنائية المتقاربة\" لكنه يؤكد اليوم \"أنه من غير الواقعي أن نطلب من المنظمات غير الحكومية إصلاح العلاقات بين الطرفين\". وكدليل على فتور العلاقات غير الرسمية لم يشارك هذه السنة في سباق الماراثون الذي تنظمه الصين في التاسع من أبريل كل عام وسط الأعلام المرفرفة وعلى إيقاع رقصات التنين الفلكلورية سوى وفدين من اليابان خلافا للمرات السابقة. وقد صرح أحد المشاركين \"كاندو تيسو\"، نائب مدير فرع طوكيو لجمعية الصداقة الصينية- اليابانية أنه \"بالرغم من أن العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام في الآونة الأخيرة، فإنه يمكن للصين واليابان بناء مستقبل زاهر\"، مؤكداً في الوقت نفسه أن أغلبية اليابانيين لا يؤيدون الذهاب إلى مزار \"ياسوكوني\" المثير للجدل. وعلى صعيد متصل عبر الزعيم الجديد للحزب الديمقراطي الياباني \"إيشيرو أوزاوا\" يوم الاثنين الماضي عن معارضته لزيارة المزار في محاولة منه لتحدي الحزب \"الليبرالي الديمقراطي\" الحاكم. لكن المحللين يستبعدون إقدام السياسيين في اليابان على تحدي المشاعر الشعبية والوقوف ضد زيارة المزار، لأن ذلك سيبدو كأنه رضوخ للشروط الصينية. \r\n وخلال الزيارة التي قامت بها إلى الصين جمعيات الصداقة بين البلدين بزعامة رئيس الوزراء الياباني السابق \"روتارو هاشيموتو\" لتعزيز العلاقات بين الطرفين، أقرت جمعيات الصداقة بمشروعية موضوع المزار، لكنها طالبت بعدم الإشارة إليه في الخطابات الرسمية. غير أن \"هو جينتاو\" ما أن بدأ كلامه حتى ألمح إلى الموضوع الشائك، حيث قال: \"إذا التزم رئيس الوزراء الياباني بعدم زيارة مزار ياسوكوني، فإنني مستعد من جانبي الانخراط في حوار حول أفضل السبل لتطوير العلاقات الثنائية بين بلدينا\". ويبدو أن موقف الصين إزاء الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني عقب انتصاره الساحق في الانتخابات السابقة هو مزيد من الانتظار على أمل التعاطي مع خلفه. وهو ما أكده أحد المراقبين الصينيين عندما قال إن بلاده \"مستعدة للانتظار عشرين سنة، أو أكثر إن لزم الأمر\" حتى يظهر زعيم في اليابان يحترم مشاعر الشعب الصيني. \r\n \r\n روبرت ماركاند \r\n \r\n مراسل \"كريستيان ساينس مونيتور\" في بكين \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"