ولو احتكمنا إلى استطلاعات الرأي لمعرفة الحظوظ المتاحة لكل مرشح على حدة لتبين لنا إجماع كافة الآراء المستطلعة على تزعم المرشح القومي \"أولانتا هومالا\" لسباق الانتخابات تليه مباشرة لورديس فلوريس، ثم في المرتبة الثالثة آلان جارسيا. ولأن المنافسة شديدة ومحتدمة بين المرشحين الثلاثة فإنه من غير المتوقع أن يحصل أولانتا، الذي ترشحه استطلاعات الرأي بالفوز في الانتخابات الرئاسية، على 50% من الأصوات اللازمة لحسم السباق في الجولة الأولى، ما يحتم عليه خوض جولة ثانية لحسم نتيجة الانتخابات. وتشير الاستطلاعات نفسها إلى أن حظوظ العضو السابق في البرلمان البيروفي \"لورديس فلوريس\" ستكون وافرة إذا ما خاضت الجولة الثانية من الانتخابات، إذ ترجح الاستطلاعات كفتها على منافسها الرئيس السابق \"آلان جارسيا\"، ما قد يؤهلها لأن تكون أول امرأة تصل إلى منصب الرئاسة في تاريخ بيرو. \r\n وإذا كانت استطلاعات الرأي في بيرو لا تتفق دائما مع توقعاتها الأولى، وهو ما يفرض علينا الحذر في التعامل مع نتائجها، فإن الثابت في جميع تلك التوقعات هو إجراء جولة ثانية من الانتخابات وخوض \"هومالا\" لمعركتها. ويعزى عدم صدقية استطلاعات الرأي التي تجرى في بيرو إلى عادة مترسخة لدى البيروفيين تجعلهم لا يحسموا خياراتهم إلا بأيام قليلة قبل بدء الانتخابات. كما أن استطلاعات الرأي بالكاد تشمل 20% من السكان الأكثر فقراً في البلاد. وبالرجوع إلى الحملة الانتخابية نكتشف أن التنافس الدائر هو قائم على أساس الشخصيات، وليس السياسات العامة التي ينادي بها المرشحون. ومع ذلك يبقى التخفيف من وطأة الفقر قاسما ًمشتركا ًبين جميع البرامج الانتخابية، لا سيما في ظل معدلات الفقر المرتفعة التي تشهدها البلاد والتي وصلت وفقا لتقرير صادر عن برنامج الأممالمتحدة للتنمية سنة 2006 إلى 54% من مجموع السكان. ولم تفلح نسب النمو التي عرفتها بيرو في السنوات الماضية، فضلا عن ارتفاع الصادرات، وتدفق الاستثمارات الخارجية وعائدات الضرائب من استئصال شآفة الفقر وتحسين المستوى المعيشي للمواطن البيروفي. وقد تعهد المرشحون الثلاثة للناخبين بخلق فرص عمل جديدة وإنعاش الاقتصاد، ثم توزيع عادل للثروة بين أفراد المجتمع. وبينما ركز \"هومالا\" بشكل لافت على تحسين الظروف المعيشية للفقراء، ذهب كل من \"جارسيا\" و\"فلوريس\" إلى التركيز على التوازنات المالية الكبرى للبلاد. \r\n وبالطبع لا يمكن الحديث عن أميركا اللاتينية دون الإشارة إلى الولاياتالمتحدة التي تمارس تأثيراً كبيراً على أغلب دول أميركا الجنوبية. وفي هذا السياق قامت واشنطن بالتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع بيرو في شهر ديسمبر الماضي بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين، وتنمية المبادلات التجارية. وفيما رحب المرشحان \"جارسيا\" و\"فلوريس\" بالاتفاقية استنادا إلى موقفيهما المساند لاقتصاد السوق وتحرير التجارة، انتقد \"هومالا\" الاتفاقية وتعهد بوقف العمل بها في حال انتخابه رئيسا للبلاد. وقدر ركز أولانتا هومالا، الضابط السابق في الجيش البيروفي والمتصدر لاستطلاعات الرأي على شريحة الفقراء والناخبين القرويين، معتبرا أن إعادة توزيع ثروات البلاد على السكان وإصلاح الحكومة أحد أهم أولوياته. والأكثر من ذلك أثارت وعوده بتأميم قطاعات أساسية من الاقتصاد البيروفي، خصوصا في مجال التنقيب عن المعادن والغاز الطبيعي، وإعلانه عن رغبته في إعادة كتابة دستور البلاد جدلا واسعا في أوساط الصحفيين والأكاديميين، وبشكل أخص رجال الأعمال الذين يتخوفون من نهاية عهد حريتي الصحافة والتعبير في ولايته. ويعتبر \"هومالا\"، الذي يدعمه الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز بعدم انضمامه إلى صف القادة اليساريين في أميركا الجنوبية، وجها معروفا على الساحة السياسية في بلاده، حيث سبق وأن قاد محاولة انقلابية فاشلة سنة 2000 على الرئيس ألبرتو فوجيموري. ولا يخفي \"هومالا\" انتقاداته اللاذعة إلى الولاياتالمتحدة ومعارضته لمساعيها الرامية إلى القضاء على زراعة الكوكايين، بالإضافة إلى رفضه لاتفاقية التجارة الحرة التي وقعتها بلاده مع واشنطن ودعمها الرئيس المنتهية ولايته \"أليخاندرو توليدو\". \r\n أما فيما يتعلق بالمرشحة الثانية \"لورديس فلوريس\" المحامية والنائبة السابقة في البرلمان البيروفي فتشير استطلاعات الرأي إلى تصدرها للحملة الانتخابية، إذ لم تتراجع وراء \"هومالا\" إلا مؤخراً. وقد تعهدت فلوريس بالاستمرار في نهج السياسات الليبرالية نفسها التي كان الرئيس المنتهية ولايته \"أليخاندرو توليدو\" يسير عليها، وهو ما جعلها تحظى بتأييد واسع من قبل الطبقة الوسطى ورجال الأعمال بالعاصمة ليما. وبتركيزها على منح القروض الصغيرة للمواطنين وتأمين التدريب الملائم لولوج سوق العمل تحاول \"فلوريس\" النأي بنفسها عن طبقة الأغنياء، لا سيما في ظل ما يتردد من أنها مرشحة رجال الأعمال. وينتقد المعارضون اختيارها للمصرفي الغني \"أرتورو وودمان\" كنائب لها، كما ينتقدون إنفاقها لأموال طائلة على حملتها الانتخابية ويجعلها فعلا في نظر الكثيرين مرشحة الطبقات الغنية في البلاد. غير أن ما يعاب عنها من صفات يجعلها أيضا المرشحة المفضلة في عين واشنطن والمستثمرين الأجانب، حيث من المتوقع أن تساند اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع الولاياتالمتحدة، وأن تتجاوب معها فيما يخص القضاء على الكوكايين، وتشجيع زراعات بديلة. \r\n من جانبه توجه المرشح الثالث ورئيس البلاد السابق \"آلان جارسيا\" إلى الناخبين الشباب مصوراً نفسه كسياسي محنك تعلم من أخطائه السابقة. وكمرشح لحزب التحالف الشعبي الثوري الأميركي يتذكر أغلب البيروفيون حكومته التي امتدت من 1985 إلى 1990 كواحدة من أسوأ الحكومات التي عرفتها البلاد، حيث اتسمت بالفوضى الاقتصادية وظهور متمردي \"الدرب المضيء\". وعندما ترك منصبه كرئيس للبلاد كان الاقتصاد متدهورا والتضخم مهولا وصلت نسبته إلى 7000%. وبالرغم من تأكيد أغلب البيروفيين على أنهم لن يصوتوا لصالح جارسيا تحت أي ظرف من الظروف، إلا أن هناك عددا متناميا من الناخبين يرون بأنه تغير عما كان في السابق. وربما يرجع ذلك إلى تعهده بالدفاع عن حقوق العمال والتقليص من الفجوة الاقتصادية، وفي الوقت ذاته الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى. \r\n \r\n هيذر مورفي \r\n \r\n محرر الشؤون الخارجية في صحيفة \"واشنطن بوست\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"