وعلى امتداد البلدات والقرى الرومانية تتحدث العائلات عن التغييرات التي ستلحق بنمط حياتها وعاداتها الأثيرة بعد لحاقهم بالركب الأوروبي. وفي هذا الإطار تقول \"جاتو\" إنه ربما سيتعين على الرومانيين التخلي عن العديد من عاداتهم القديمة مثل الطريقة التقليدية المتبعة في قتل الخنازير حيث تقوم العائلات في الأرياف بتكبيل الحيوان ليدفع بقضيب حاد عبر العنق حتى يخترق القلب، ثم يتم الاحتفاظ بالدم المتدفق لصنع السجق الروماني التقليدي. ويدرك الرومانيون جيدا أنه ما إن يحل تاريخ انضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي الموافق ل1يناير المقبل حتى تصبح تلك العادات جزءا من الماضي لأن الانضمام إلى النادي الأوروبي الغني والمزدهر يحتم التقيد الدقيق بالقوانين والتشريعات الأوروبية التي لا تنظم فقط طريقة قتل الحيوانات، بل قد تمتد أيضا إلى نظافة الشواطئ. \r\n \r\n وكلما اقترب موعد الانضمام الرسمي كلما أظهرت التجربة الرومانية بأن التوسع الأوروبي لا يسهم فقط في تغيير الاتحاد نفسه، بل يسهم أيضا في تغيير الدولة المنضمة إلى حظيرته. وعلى غرار دول أوروبا الثماني التي دخلت الاتحاد الأوروبي سنة 2004، تبدو رومانيا منشغلة في إنهاء تركة ثقيلة من الحكم الشيوعي دام نصف قرن من الزمن، وفي بناء مؤسسات تحظى بتأييد الاتحاد الأوروبي. ولتحقيق هذا الغرض تصارع رومانيا من أجل تبني اقتصاد السوق على الطريقة الأوروبية، والقضاء على آفة الفساد المستشرية في المجتمع الروماني. ورغم استعداد المواطنين لبذل المزيد من التضحيات لضمان مقعد على الطاولة الأوروبية، إلا أنهم مازالوا يقاومون بعناد الضغوط الأوروبية الداعية إلى وقف التمييز ضد الأقلية الغجرية التي تعيش في البلد. \r\n \r\n وإذا كانت دول أوروبا الغربية نفسها قد سئمت متابعة المشروع الأوروبي الرامي إلى خلق دولة مترامية الأطراف تمتد على مجمل القارة الأوروبية، إلا أن رومانيا البالغ عدد سكانها 22 مليون نسمة تعتبر انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي قضية وطنية تلهب حماس أغلب المواطنين. وقد أظهرت جل استطلاعات الرأي التي أجريت في هذا السياق أن حوالى 70% من الرومانيين يؤيدون التحاق بلادهم بالفضاء الأوروبي ويعتبرونه قطعا نهائيا مع حقبة الاتحاد السوفييتي البائد وعوْدا حميدا إلى الجذور الأوروبية لرومانيا. لذا تنتشر على امتداد البلاد أسماء المتاجر التي تلتقط الأجواء الحماسية مثل يوروفيت، ويوروفراكما وغيرها، كما تنتشر أيضا أعلام الاتحاد الأوروبي التي ترفرف بجانب العلم الروماني على أسطح الإدارات العمومية. ولا يختلف كثيرا موقف الرئيس الروماني تريان باسيسكو عن رأي مواطنيه، حيث قال في لقاء أجري معه كؤخرا: \"يعتبر معظم الرومانيين أن انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي هو بمثابة لحظة حاسمة في تاريخهم وانعطافة مهمة ستعيد رومانيا إلى أحضان أوروبا، لذا فنحن مصرون على التقيد بالتزاماتنا\". \r\n \r\n وللتعبير عن مدى تحمس الشعب الروماني للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تم وضع ساعة رقمية في الساحة الرئيسية بالعاصمة بوخارست لعد الأيام المتبقية للانضمام الرسمي. ولم يخف المسؤولون الرومانيون تفاؤلهم إزاء التحاق بلادهم، إلى جانب جارتها بلغاريا، إلى الاتحاد ليصل عدد أعضائه إلى 27 دولة، وليمتد شرقا إلى حدود البحر الأسود. بيد أن الانضمام بكل ما يعنيه من مليارات الدولارات التي سترصد للتنمية الاقتصادية والاستثمارات اللازمة لذلك قد تتأخر لسنة إضافية إذا ما قرر قادة الاتحاد الأوروبي بأن الدولتين المرشحتين لم تحرزا التقدم المطلوب في اتجاه إرساء آليات شفافة وحديثة في مباشرة الحكم وإدارة شؤون مواطنيهما. ويعني ذلك بالنسبة للكثير من الرومانيين ضرورة التصدي لآفة الفساد التي تنهك الاقتصاد وتنفر الاستثمار. فقد اشتهرت رومانيا طيلة السنوات السابقة بتفشي ظاهرة الرشاوى بدءا من الصفقات الحكومية الكبيرة وليس انتهاء بوضع بعض المال في يد قاطع التذاكر للحصول على تذكرة منخفضة الثمن. وفي هذا السياق يقول \"مارسيل دانيال جيميز\" وهو حارس ليلي في بلدة تارجو موريس: \"إن المستوى المنخفض للمعيشة في رومانيا إنما يرجع إلى الفساد المتفشي في البلاد\". ويضيف بأنه: \"في الوقت الذي يسمح فيه الفساد للمسؤولين بالاغتناء، مازال المواطنون الذين يكدون ليل نهار من أمثالي يعيشون في مجمعات سكنية كئيبة\". ويتوقع \"جيميز\" أن تتحسن ظروفه الحياتية ما أن تنضم رومانيا إلى الاتحاد الأوروبي، حيث ستتدفق الاستثمارات القادمة من أوروبا الغربية وسيتم خلق فرص عمل جديدة. لكن الوضع سيكون سيئا بالنسبة للمسؤولين الذين تعودوا تلقي الرشاوى، إذ من المتوقع أن تقطع القوانين الأوروبية الجديدة الطريق على الممارسات الفاسدة. وتماشيا مع المناخ الجديد المضاد للفساد أعلن مسؤولون من وزارة مناهضة الفساد في الشهر الماضي التي أحدثت بضغط من الاتحاد الأوروبي عن فتحهم تحقيقاً حول ثروة أحد النواب البارزين في البرلمان الروماني هو أندريان ناستاس، الذي تقلد منصب رئيس الوزراء بين 2000 و2004. ويحقق المسؤولون في كيفية حصول النائب على ثلاث شقق، فضلا عن مبالغ مالية كبيرة ومجوهرات باهظة الثمن تقدر قيمتها بمليون دولار. \r\n \r\n وبالإضافة إلى الفساد الذي يطالب الاتحاد الأوروبي بالقضاء عليه يبرز أيضا موضوع الغجر الذين ما زالوا يعانون من التمييز داخل المجتمع الروماني. ورغم قيام الحكومة الرومانية، تحت ضغوط أوروبية، بسن تشريعات تحظر التمييز ضد الأقلية الغجرية، إلا أن إيونيل بانديلي، الذي ينتمي إلى الأقلية نفسها، أكد أنه لم يشهد أية تغيير في التعامل مع شعبه وقال: \"الجميع يتحدث عن تحسين التعامل مع الغجر، لكننا لم نرَ شيئا من ذلك\". ولتأكيد كلامه أطلع إيونيل المراسل على شريط فيديو يظهر فيه أفراد من الشرطة الرومانية يخلون عائلته بالقوة من محل صغير لبيع الخضار والفواكه تمتلكه العائلة، وتعرضها لضرب مبرح وغير مبرر. وما لم تعالج رومانيا الاختلالات الداخلية خاصة فيما يتعلق بالأقلية الغجرية والعمل على ضمان حقوقها المدنية، فإن ذلك سيضر بصورتها لدى الاتحاد الأوروبي وقد يؤثر سلباً على قرار انضمامها في شهر يناير المقبل. \r\n \r\n \r\n كيفين سوليفان \r\n \r\n محرر الشؤون الخارجية في صحيفة \"واشنطن بوست\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"واشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز\"