\r\n \r\n هذا العمدة، الذي يُدعى نجم عبد الله الجبوري، ينتمي إلى العرب السُنة وكان ضابطا في جيش صدام حسين وليس من السكان الأصليين لمدينة تلعفر. وقد عينه في الصيف الماضي رئيس شرطة الموصل برتبة بريغادير جنرال ليحل محل رئيس الشرطة المحلية هناك والذي كان مواطناً شيعياً يغض الطرف عن أنشطة وحدات كوماندوز كان أفرادها من الذين تحوم حولهم الشكوك في انتمائهم للمقاومة، وكانوا كلهم من السُنة. وقد نسف هؤلاء مراكز الشرطة هناك وأجبروا معظم رجال الشرطة الذين لم يلقوا حتفهم على مغادرة المدينة. وبناء على توصية أميركية تمت ترقية الجبوري لاحقاً إلى منصب عمدة. \r\n \r\n ومنذ ذلك الحين عمل الجبروي بجد وبتعاون شديد مع الكولونيل إتش آر مكماستر، قائد فوج الفرسان بالجيش الثالث الأميركي، وليفتنانت جنرال كريستوفر هيكي، الذي يقود سرية الفرسان والتي تتخذ من تلعفر قاعدة لها. ولا يريد العمدة الجبوري أن تغادر تلك القوات عندما تنتهي فترة خدمتها في مارس المقبل. \r\n \r\n ويثير كل من نجاح الفوج العسكري الأميركي وقلق العمدة من مغادرة أفراده سؤالين مهمين يتعلقان باستراتيجية أميركا في العراق. \r\n \r\n السؤال الأول يدور حول ما إذا كان الأسلوب الأميركي المتعلق بفترة خدمة الجنود في العراق واستبدالهم بعد حلول عام بالنسبة للجنود وبعد سبعة أشهر بالنسبة للمارينز يدور حول ما إذا كان هذا النظام قد يُفسد الحرب التي تشنها أميركا على حركة المقاومة العراقية. \r\n \r\n إن تقليص فترة خدمة الجنود كما فعلت أميركا في فيتنام يساعد على تخفيف حدة التوتر ويساعد عائلات الجنود ويحافظ على الروح المعنوية للقوات. ولكنه يعني أيضا أن الجنود وأفراد المارينز الجدد على منطقة ما يتعين عليهم أن يتعرفوا من جديد على ما تعرف عليه واكتشفه الجنود القدامى بالفعل بعد جهد جهيد، فضلا عن أنه أسلوب يؤدي إلى اضطراب العلاقات الشخصية، مثل تلك التي كونها العمدة الجبوري مع مكماستر وهيكي، وهو نمط من العلاقات لا يمكن الاستغناء عنه في العراق. \r\n \r\n وأثناء تناولهم فناجين الشاي الساخن الجميل، يمزح الجبوري مع ماكماستر وهيكي ويداعبهما بالقول: «إن خروجكم من العراق الآن يشبه أن يترك الجراح العملية التي يقوم بها وهو لا يزال في منتصفها.» \r\n \r\n ويقول العمدة العراقي مفسرا موقفه في هذا الصدد:» نحن لا نشك في أن هناك عددا كبيرا من الضباط الجيدين في الجيش الأميركي، غير أنني خلال الأشهر الفائتة كونت علاقة مع الكولونيل هيكي أستطيع بفضلها أن أفهم ما سيقوله قبل أن ينطق به هو، وكذلك هو الحال بالنسبة له. لقد مررنا معا بأوقات عصيبة قبل أن نكوّن مثل تلك العلاقة الوثيقة. يمكنك الانتهاء من المهمة ثم تذهب. فالحل غير المكتمل ليس بالحل الجيد». \r\n \r\n السؤال الثاني يتعلق بما إذا كان القادة الأميركيون قد أرسلوا إلى العراق ما يكفي من الجنود لتكرار النجاح الذي حققه الجيش الثالث في تلعفر وذلك في المدن الأكبر وفي باقي أنحاء البلاد. يقول الجبوري إن سلاح الفرسان في تلعفر قام «بأفضل عملية في العراق من دون إحداث مثل ذلك الدمار الذي وقع في مدن مثل الفلوجة». \r\n \r\n تلعفر يسكنها 250 ألف نسمة وهي مدينة بعيدة نسبيا وهادئة ويسهل احتواؤها. فقد طوق فوج الفرسان في الجيش الثالث، الذي يتكون من نحو 4700 جندي، المدينة وخلصوها من رجال المقاومة تماماً، وذلك بتمشيط المدينة بناية تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يصعُب القيام به في المدن الأكبر مثل بغداد والموصل. بل أن الأمر الأكثر صعوبة يتمثل في منع المقاتلين الذين يخرجون من تلعفر من الاحتماء في أماكن أخرى. \r\n \r\n لقد مُنح ليفتنانت جنرال دافيد إتش بيتراوس، الذي قاد الفرقة 101 المحمولة جواً والتابعة للجيش الأميركي، تقديرات عالية بسبب نجاحه في إعادة بناء منطقة الموصل بعد الغزو الذي تم في 2003، غير أن العلاقات بين أفراد المجتمع احتقنت بعد أن غادرت وحدته المدينة وحل محلها لواء أصغر في قوامه. \r\n \r\n وفي الوقت الذي يتبين فيه أن حجم العنف في تلعفر هو أقل بكثير مما كان عليه الوضع في الصيف الماضي، فإنه لا توجد سوى دلائل بسيطة للغاية للتصالح بين الجماعات العرقية المتنافسة في المدينة. فالنظام تفرضه القبضة العسكرية القوية الموجودة في المدينة. \r\n \r\n وقد وصل ماكماستر وقواته الصيف الماضي إلى تلعفر في الوقت الذي كانت فيه المدينة قد تعرضت إلى 140 هجمة بمدافع هاون ومواد تفجيرية متطورة وطلقات نارية في شهر يونيو وحده. أما اليوم فقد تقلصت تلك الهجمات إلى معدل هجمة واحدة في اليوم في المتوسط أو 30 هجمة في الشهر. ويعاني سكان تلعفر، الذين هم معظمهم من التركمان، من الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة. فبعد التخلص من حكومة صدام حسين، بدأ بعض أفراد الشيعة في اضطهاد السُنة الذين يمثلون الغالبية في المدينة مما دفعهم إلى الرد وتجمعوا سويا وقرروا إرسال الأموال إلى حركات التمرد التي تسيطر عليها الجماعات السُنية في مختلف أنحاء العراق. وفيما تسلل إلى المدينة بعض المقاتلين الأجانب الذين لا ينتمون إلى سكانها، إلا أن معظم المقاتلين كانوا من العراقيين. \r\n \r\n وكانت أعمال الخطف والاغتيال هي السمات الرئيسية للحياة في تلعفر حيث كانت الشوارع تعج برؤوس الضحايا التي كان يُرمى بها إلى داخل قلب المدينة المزدحم مروريا. يقول الجبوري إن شابا تم قتله وتفريغ أحشائه وإعادة ملئها بالمتفجرات في أحد شوارع المدينة، وعندما جاء والده ليأخذ جسد الابن انفجرت العبوات الناسفة وأردته قتيلاً. \r\n \r\n وقبل أن يعاودوا الهجوم في مارس الماضي، أقدم الأميركيون على تحضير أرض المعركة جيدا. فقد بنوا سورا مرتفعا من التراب والرمل حول المدينة وصل حجمه إلى 33 أميال وقاموا بإغلاق الطرق بهدف عزل الأحياء التي تشهد أسوأ الأحداث الإرهابية. \r\n \r\n ويقول ماكماستر إن تلعفر مدينة صغيرة بشكل غير معتاد وجوده في المدن العراقية الأخرى، الأمر الذي يُسّهل تطويقها من خلال ذلك السور. وتقف المدينة في مواجهة طرق التهريب والتسلل التي تمتد من الأراضي السورية وتصل إلى الموصل ومناطق شمال العراق، وهو الموقع الذي كان يشجع المقاتلين على استخدامها كمعسكر تدريب ومناطق إيواء. وبعد تشييد السور، قامت القوات الأميركية بصحبة قوات الجيش والشرطة العراقية بإخلاء سكان المدينة وإرسالهم إلى معسكر عبر نفق سيطر الأميركيون عليه جيدا.ثم انضمت القوات الأميركية بعد ذلك إلى القوات العراقية في عملية تفتيش شملت جميع المنازل العراقية اُستخدمت خلالها نيران المدفعية والهجمات الجوية ضد عناصر المقاومة. وقد ساهمت الصور الحية التي التقطتها طائرات من دون طيار مع الإرشادات التقليدية التي قدمها السكان في حُسن اختيار الأهداف التي تم رصدها. \r\n \r\n وعلى الرغم من أنه كان هناك قدر كبير من الدمار الشامل عانت منه المدينة أثناء تلك الهجمات، إلا أن ذلك الدمار لا يُمكن مقارنة حجمه بما لحق بمدينة مثل الفلوجة في نوفمبر 2004 نتيجة ما تعرضت لها المدينة وقتها من هجوم مركب من قوات الجيش والمارينز. وقُتل مئات من المقاتلين، بحسب تصريحات العمدة الجبوري، وتم القبض على المئات منهم أثناء محاولاتهم الهرب من المدينة. \r\n \r\n ثم بدأ بعد ذلك الأميركيون والعمدة والرئيس الجديد لقوات الشرطة ووحدة من الجيش العراقي العمل الطويل المتمثل في إشاعة الهدوء بين سكان المدينة الذين أصابهم الهلع، وعملوا على استعادة النظام والأمن بشكل تدريجي. \r\n \r\n ولكن ما مدى النجاح الذي حققوه؟ \r\n \r\n يقول العمدة: «فلتذهب وترى بعينك ما حدث في المدينة. الأطفال يجرون وراء الضباط الأميركيين. إنهم يعرفون أسماءهم. هؤلاء الرجال هم بالفعل أبطال بفضل ما حققوه في تلعفر!». ويقول الضباط الأميركيون إن النجاح في إجلاء المتمردين من الشوارع قد تسبب في زيادة ثقة أفراد القوات العراقية بأنفسهم، وأخذت قدراتهم في التحسن بشكل ملحوظ. \r\n \r\n و قد التقى أخيرا عدد من القادة السنة والشيعة مع العمدة في القلعة القديمة بالمدينة، في اجتماع هو الأول من نوعه منذ أعوام عدة. وقالوا عقب الاجتماع إنهم سيلتقون مجددا في موعد سيتم تحديده مستقبلا من أجل مواصلة الحوار. \r\n \r\n غير أنه في الوقت نفسه ظلت أبواب المحال مغلقة في المنطقة الرئيسية التي تفصل بين الأحياء السنية والشيعية حيث يخشى ملاك تلك المحال من فتحها مرة أخرى. فالسكان لا يزالون خائفين من مغادرة أحيائهم. \r\n \r\n و بذل ماكماستر مجهودا كبيرا من أجل طمأنة العمدة على أن اللواء الأول للوحدة المدرعة الأولى الذي سوف يحل محل فوج الفرسان يقوده صديق له «يتمتع بقدرات رائعة كضابط تناسب تماما طبيعة المهمة المنوط به», على حد تعبيره. \r\n \r\n خدمة «لوس أنجلوس تايمز» \r\n \r\n خاص ل«البيان» \r\n \r\n