\r\n الرئيس بوش الذي حقق الفوز على السيناتور جون ماكين في الانتخابات الاولية للحزب الجمهوري في عام 2000 وافق اخيرا على قبول طلب ماكين بأن تفرض الولاياتالمتحدة حظرا على المعاملة القاسية وغير الانسانية والمهينة بحق السجناء في السجون الاميركية‚\r\n كان ذلك هزيمة محرجة لادارة بوش التي ادت ممارساتها الى الاساءة لمبادىء الحرية والديمقراطية التي تفتخر بها اميركا‚ \r\n وما كدنا نغلق هذه الصفحة الا وفتحت ادارة بوش صفحة جديدة‚ فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن قيام الرئيس بوش بتخويل وكالة الأمن القومي التنصت على المواطنين الاميركيين داخل الولاياتالمتحدة من اجل ملاحقة ما تسميه بالنشاط الارهابي دون الحصول على اذن من المحاكم‚ \r\n ومن الذي يقلق بشأن هذا الاذن؟ فالرئيس كما ذكر قبل ايام ليس لديه النية لتغيير سياسته المتعلقة بالتنصت‚ الرئيس معروف بالعناد وفي الاصرار على مواقفه ولكن هناك اعدادا متزايدة من الاميركيين بدأت تعترض على مواقفه تجاه الحرية والقانون‚ \r\n لقد وقف مجلس الشيوخ في وجه اعادة اصدار «القانون الوطني» بسبب تعدياته الخطيرة على الخصوصية وتهديده للحريات المدنية‚ وعلق السيناتور راسل فينفولد على موضوع التنصت الذي سمح به الرئيس قائلا: هل تريد ان نتحدث عن الاساءات والتجاوزات لا يمكن للمرء تصور شيء اكثر سوءا عن سوء استخدام السلطة للتنصت على المواطنين دون الحصول على اذن وبعد تقديم ادلة هزيلة على وجود انشطة اجرامية او ارهابية او تجسسية‚ \r\n ان رؤية بوش للقيم الاميركية من زاوية حربه على الارهاب لا تختلف في شيء عن تلك النظرة الظلامية التي كانت سائدة في العصور الوسطى‚ فالسجناء يحشرون كالحيوانات في اقفاص في السجن المقام في خليج غوانتانامو حيث يهان السجناء وتنكر كافة حقوقهم كبشر‚ لا يهم اذا ما كانوا مذنبين ام بريئين فما الذي يعنيه ذلك للقيم الاميركية من وجهة نظر بوش؟ \r\n الإدارة الاميركية لجأت لاستخدام سياسة «القُطرية» على نطاق واسع حيث تعمد الى خطف بعض الاشخاص وارسالهم الى دول تقوم فيها انظمة لا تتورع عن استخدام التعذيب بحقهم‚ وخير دليل على ذلك المواطن الكندي السوري الاصل ماهر عرار الذي اختطف من احد المطارات الاميركية وارسل الى سوريا‚ ويعلق عرار على ما حدث بالقول «لقد كانت تجربة مخيفة‚ فبعد وقت قصير اصبحت اشعر انني لست آدميا»‚ \r\n ضربة اخرى وجهت للقيم الاميركية بعد ان تم الكشف عن قيام السي‚ آي‚ ايه بادارة شبكة من السجون السرية تحتجز فيها الاشخاص الذين يشتبه بتورطهم في الارهاب‚ فالدخول الى هذه السجون كالدخول الى الجحيم المحض‚ فجميع السجناء محرومون من اية حقوق‚ \r\n ان عدم القبول بسياسات وممارسات ادارة بوش بدأ يتنافى داخل المجتمع الاميركي‚ فالجميع الآن متفقون بأن بوش وفريقه قد تجاوزوا كل الحدود‚ ان تصرفات هذه الادارة ابعد ما تكون عن القيم الاميركية التي نحب والتي نفتخر بها كثيرا‚ \r\n جميع الرؤساء الاميركيين كان لهم اسلوبهم المتميز في التواصل والتلاقي مع الشعب الاميركي‚ فالرئيس جون كنيدي كان يعرف عنه الصدق والجدية في التعامل مع القضايا التي تهم المواطن‚ والرئيس جيمي كارتر كانت تصرفاته تتسم بالشفافية والتروي‚ اما الرئيس بيل كلينتون فقد رفع شعار «انا أحس بالأمن»‚ \r\n بعد هجمات 11 سبتمبر أظهر الرئيس الحالي بوش قدرا كبيرا من الصلابة والتشدد مما ساعده في رفع نسبة شعبيته الى اكثر من 85%‚ هذا الوضع تغير ولم يعد له وجود‚ فإثر هجمات 11 سبتمبر تراجع في الحياة الاميركية وبرزت بصورة اكثر وضوحا ورطة اميركا في العراق مما دفع شعبية بوش للتراجع الحاد‚ \r\n سياسة بوش في التخاطب مع الشعب الاميركي تقوم على عدم الاعتراف بارتكاب الاخطاء والظهور بمظهر القائد الحامي الذي لا يبدي اي قدر من الاستعداد للتراجع‚ هذا الاسلوب اصبحت تكلفته للادارة الاميركية اكبر من منفعته‚ \r\n الرئيس ادرك الورطة التي وقع فيها وبدأ بالتالي في شن حملة للعلاقات العامة‚ ففي مؤتمره الصحفي الاخير الذي جاء عقب القائه خمس خطب عن العراق خلال اسبوعين اخذ الرئيس بأسلوب يميل للتصالح معترفا بارتكاب اخطاء في شن الحرب وانه استخدم معلومات استخبارية غير صحيحة‚ وفي اعترافات نادرة لمح بوش الى ان بعض قراراته ادت الى خسارة الكثير من الارواح‚ بعدها تحدث الرئيس عن التضحية والمصاعب واستمرار العنف‚ \r\n يقول خبراء العلاقات العامة والاتصالات ان بامكان الجدية والتواضع ان تكسبا القائد محبة الناس له ولكن ليس بوسع بوش إلا أن يكون بوش‚ فالطابع الطاغي على شخصيته يبقى العناد والتشبث بمواقفه‚ فالرئيس لا يرى اي ضرورة للحصول على إذن من المحاكم المختصة كجزء من سلطته الممنوحة له بموجب التعديل الثاني‚ \r\n في الوقت نفسه ما يزال الرئيس يصر على موقفه الخاطىء وهو أن حرب العراق لم تكن خطأ وإن كان موقفه سليما في عدم الاسراع في المغادرة بسبب ما يحمله ذلك من مخاطر جمة لمصالح اميركا وحلفائها ولاستقرار المنطقة ككل‚ \r\n إن الكثير من الاحداث في العراق اصبحت بعيدة عن سيطرة الرئيس ولكن مواقفه على درجة كبيرة من الاهمية لأنها تكسبه دعم الرأي العام والكونغرس إذا أراد اعطاء اي فرصة للنجاح لاستراتيجيته في العراق‚ \r\n لا يتوقع الشعب الاميركي من رؤسائه أن يكونوا من فئة سوبرمان القادر على حل كل المشاكل ولكنهم يتوقعونهم في المقابل أن ينزلوا من علياءهم ليخاطبوا شعبهم باللغة التي يفهمها وألا يكون الرئيس في واد وشعبه في واد آخر وهو الشيء الحاصل حاليا‚ \r\n على الرئيس أن يبذل المزيد من الجهود لتغيير أسلوبه الذي يتعامل به مع الشعب الاميركي ويحضرنا في هذا العام مقطع من أغنية قديمة لماك ديفيس يقول فيها «يا إلهي كم من الصعب علي أن أكون متواضعا ولكنني أفعل كل ما في وسعي لأكون كذلك»‚ \r\n