وتردد الإدارة الأميركية أن تواجد القوات في العراق هو أمر لا غنى عنه مهما كانت العواقب ومهما طال أمد بقائها هناك لتحقيق الهدف الأكبر وهو إلحاق الهزيمة بالجهاد العالمي. وعلى الرغم من أن الجهاديين لم يمارسوا نشاطهم بصورة فاعلة قبل الغزو الأميركي للعراق إلا انهم يقومون بذلك الآن ، فهم يساهمون في إذكاء جذوة المقاتلين البعثيين السنة مستخدمين سلاحين على درجة عالية من الفعالية وهما التفجيرات الانتحارية واثارة نزعة الغضب الديني. وقد استخدم السلاح الأول لإثارة العراقيين الشيعة ودفعهم إلى حرب عرقية ، في حين تم توظيف السلاح الآخر لاستقطاب المزيد من الانتحاريين. وعلى الرغم من أن المقاتلين الأجانب قليلو العدد إلا انهم يمثلون السبب الرئيسي في استعصاء المقاتلين المحليين على الهزيمة العسكرية ، وهم يتوافدون الى العراق سعيا لاستنزاف الولاياتالمتحدة وأملا في زيادة صفوفهم ، وربما كانوا ينظرون الى العراق أو السنة العراقيين على الأقل على أنه نواة خلافة اسلامية جديدة بيد ان ذلك الأمر يكتنفه قدر كبير من الغموض. ولا يبدو أن هناك املا كبيرا في أن تنجح القوات الأميركية في وضع نهاية للتفجيرات الانتحارية أو تخليص العراق من الجهاديين أو عمل فاصل ما بين السكان والمقاتلين السنة والشيعة أو نزع سلاح الميليشيات المتواجدة على الساحة أو درء اندلاع حرب أهلية . وهذا ليس مدعاة للقول بأن القوات الأميركية تزيد الأمور تأزما ولكن رحيل تلك القوات لن يتبعه بالضرورة تحسن الأحوال فسواء بقي جنودنا أو انسحبوا سيظل العنف في العراق وتبقى معه محاولات الاستقطاب. وعندئذ يكون السؤال الهام هو كيف يمكن أن يؤثر الوجود الاميركي في العراق على الكفاح الذي نخوضه ضد الجهاد العالمي خارج حدود العراق ؟ وهذا هو التساؤل الذي تتباين حوله آراء المحللين. فمن ناحية تسبب الاحتلال الأميركي للعراق وما صاحبه من اتهامات بممارسة التعذيب في إثارة كراهية المسلمين للولايات المتحدة في كافة جنبات العالم ، كما ان حرب العراق أدت الى توجيه موارد طائلة ناهيك عن الاستحواذ على اهتمامات القادة بعيدا عن مكافحة الجهاد العالمي خارج العراق وبعيدا عن تقوية الأمن الداخلي وإصلاح العسكرية الأميركية وإعادة هيكلتها. ورغما عن الثمن الباهظ الذي نتكبده جراء بقاء القوات الأميركية إلا ان هناك خطرين قد يترتبا على رحيل تلك القوات . أولهما انه قد يفتح الباب على مصراعيه لإقامة خلافة سنية جديدة ، غير أنه ليس واضحا ما إذا كان الجهاديون حريصين بالفعل على أن تكون لهم دولتهم والأقل وضوحا من ذلك هو قدرتهم على إدارة مثل هذا الكيان والدفاع عنه. والخطر الثاني أن سحب القوات سيعني تراخي العزم والإرادة الاميركية في عيون الأصدقاء والأعداء بما في ذلك الجهاديين أنفسهم في شتى أنحاء العالم. وربما ينظر إلى تحول الاستراتيجية الأميركية من الاحتلال وما يكلفه من ثمن باهظ لم يجد نفعا إلى المهمة الأكبر في التصدي للجهاد العالمي على أنها مناورة استراتيجية أكثر من اعتبارها تقهقرا وتراجعا. وتحت كافة الاعتبارات إذا ما عقدت الولاياتالمتحدة عزمها وارتأت أن تلك الاستراتيجية مضمونة العواقب لربما أصبح موضوع سحب القوات الأميركية وتوقيته أمرا بسيطا للغاية. وبدلا من القول بأن القوات الأميركية ستظل في العراق إلى أن تستقر الأوضاع الأمنية هناك ربما كان الأجدر بإدارة بوش أن تربط تواجدها في العراق بقدرات قوات الأمن العراقية والتي يمكن ان تبلغ أشدها مع نهاية 2006 . ولنكن صادقين مع انفسنا يجب ألا يغيب عنا أن بناء قوات أمن عراقية كبيرة ذات قوة فاعلة لن يضمن عراقا آمنا موحدا خاليا من الجهاديين المتسللين من الخارج وبعيدا عن النفوذ الإيراني. ومن غير المحتمل أن يتم وقف التفجيرات الانتحارية أو الأصولية الشيعية أو المقاومة السنية للهيمنة الشيعية أو اتجاه العراق نحو التقسيم ، بيد أنها ستمنح القوات الأميركية فرصة لتحسين وضعها الاستراتيجي في كفاحها الذي يأتي في المقام الأول . \r\n ديفيد غومبرت زميل رفيع في مؤسسة راند ومستشار الأمن الوطني والدفاع في سلطة التحالف المؤقتة السابقة. خدمة واشنطن بوست خاص بالوطن