\r\n والحقيقة أن ما قاله ويلكرسون سوف يذكر الصحفيين أنهم لم ينقبوا بما يكفي في أعماق الموضوع، وأن الخطوط الخارجية لذلك الصراع الشرس كانت معروفة على نطاق واسع، ولكن الصراع ذاته لم يجر كشف وقائعه بالشكل المطلوب.\r\n فتكذيبات الإدارة بما في ذلك تكذيبات وزارة الخارجية ذاتها كانت تنشر بشكل روتيني على أساس أنها تمثل الحقيقة، وأن ما يحدث في أروقة الإدارة لا يزيد على كونه مجرد احتكاكات، على الرغم من أن الجميع أصبح يعرف الآن أنها كانت حرباً حامية الوطيس. وهجوم ويلكرسون الشرس على ما أطلق عليه ''عصابة تشيني- رامسفيلد'' كان مقصوداً به أن يكون دفاعاً شاملاً عن رئيسه السابق. ففي خطاب صاخب ألقاه أمام مؤسسة ''نيو أميركان فاونديشين'' الأربعاء الماضي قال ويلكرسون إن بوش ''لم يكن ملماً بالعلاقات الدولية كما لم يكن مهتما بها كثيرا أيضا''. وبعد ذلك دخل ويلكرسون في صميم الموضوع. ففي معرض مدحه لكتاب جورج باكر الجديد الرائع عن العراق، قال ويلكرسون إنه كان بإمكانه، أن يعطي جورج بوش قدرا هائلا من المعلومات الأكثر تفصيلا وتحديدا، عن الكيفية التي قامت بها عصابة تشيني- رامسفيلد بإرباك النظام''. \r\n وأضاف ويلكرسون أن ''دونالد رامسفيلد قد أُعطيَ رخصة مفتوحة كي يتهكم على وزارة الخارجية بألفاظ غاية في البذاءة''. \r\n وطرح ويلكرسون سؤالا هو: ''ما الذي سبب كل ذلك؟''، ثم رد عليه بتقديم إجابة غريبة ''إنها مستشارة الأمن القومي... التي اتخذت قراراً محسوباً ببناء علاقة وثيقة مع الرئيس بدلا من القيام بوظيفتها''. \r\n يقول البعض إن تلك الأقوال التي أدلى بها ويلكرسون، تعكس إلى حد كبير أفكار الرجل الذي خدمه بإخلاص لمدة 16 عاما كاملة \r\n ( كولن باول).\r\n وليس قصدي من إيراد ذلك القول إنني سوف أدافع عن تشيني أو رامسفيلد، لأن الرجلين في الحقيقة ارتكبا أخطاء فادحة سواء في العراق أو في غير ذلك، ولأن الضرر الذي لحق بدور أميركا العالمي خلال الأربع سنوات الماضية سيستغرق عقدا بأكمله حتى يمكن إصلاحه. أما قيام ويلكرسون بوصف الأخطاء الرئيسية في السياسة بأنها كانت نتيجة لعملية تعاني من ''خلل وظيفي'' فيعتبر غير دقيق. \r\n ففي النهاية فإن الرؤساء يحصلون على الاستشارات التي يريدونها من المستشارين الذين يقومون باختيارهم. وبوش بالطبع كان على علم بأن هناك رأيين في إدارته بشأن معظم المسائل الحيوية، وأنه هو الذي يجب أن يتخذ القرار في النهاية. \r\n وفي رأيي أن ويلكرسون (وربما رئيسه السابق باول)، كانوا يبحثون في المكان الخطأ عن إجابة لسؤال خطأ هو الآخر. فكلا الرجلين لم يقولا لنا ماذا كانا سيفعلان لو كان بأيديهما إدارة موضوع العراق أو غيره من الموضوعات، كما لم يقولا لنا شيئا عن السبب الذي دفع الرئيس لتجاهل معظم نصائحهم. \r\n أما نظرية ''الشر'' التي يطرحها ويلكرسون فإن قراءتها قد تشكل متعة وتعكس بالتأكيد مشاعر باول، ولكنها لا تشرح لنا السبب الذي يجعل بطلا قوميا مثله، يحظى باحترام عالمي بسبب لباقته ونزاهته الشخصية، وتزيد شعبيته بثلاثين نقطة كاملة عن شعبية رئيسه، يفقد مثل هذا العدد الكبير من المعارك الكبرى. \r\n والسؤال هنا لماذا ترك باول منصبه؟ هل تركه لأن الأمور كانت تمضي بشكل سيئ.. وإذا ما كان الأمر كذلك فهل يعتقد أن رحيله سيؤدي إلى جعل الأمور تمضي بشكل جيد؟ ولماذا لم يحدد بشكل دقيق ما إذا كان ولاؤه للرئيس أم أن ولاءه للوطن في المقام الأول. وهو ما يضعنا وجهاً لوجه أمام مفارقة أكثر عمقا تتمثل في ذلك الهجوم الساحق الذي شنه ويلكرسون على كوندوليزا رايس، على الرغم من أنها منذ أن جاءت إلى الوزارة أحدثت تحسينات كثيرة على أدائها في الكثير من القضايا التي عانت منها أميركا في فترة ولاية بوش الأولى، مثل كوريا الشمالية وإيران والبوسنة وكوسوفو، وكذلك في العلاقات مع بعض من كبار الحلفاء الأوروبيين. \r\n ليس القصد من ذلك القول إن الأمور بشكل عام قد أصبحت أفضل في فترة الولاية الثانية لبوش: فالاضطراب والإشارات المختلطة لا زالت هي الحاكمة في مجالات غاية في الأهمية مثل موضوعي الأممالمتحدة والصين. \r\n وهناك أيضا موضوع العراق. ولكن الأشياء تمضي نحو التحسن في وزارة الخارجية كما أن كوندوليزا رايس المنضبطة للغاية تسعى لمعالجة الأضرار التي حدثت خلال الأربع سنوات الماضية. \r\n ولاشك أن تطورات الأحداث هي التي دفعتها والرئيس في هذا الاتجاه، وهو ما كان سهلا بعد ذهاب كل من ''دوغلاس فيث''، و''بول وولفوفيتز''. ومما لا شك فيه أن رحيل باول - وهذه ربما تكون أكثر المفارقات على الإطلاق إيلاماً- قد فتح الباب أمام سياسات أكثر براجماتية نوعا ما، وهي سياسات كان بوش وأفراد ''العصابة'' يعارضونها دوماً. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست'' \r\n