بعد أن صوّتت اللجنة المركزية التابعة للحزب، وهامش طفيف، على عدم تقديم الانتخابات الرئاسية التمهيدية التي ستحرّض ارييل شارون، رئيس الوزراء، ضد منافسه الرئيسي، وهو بنيامين نتينياهو.وأظهر كلا الحدثين انتصاراً للعقل على الغريزة، وكان مسبب العنف هو انفجار في اجتماع حاشد ل «حماس» في قطاع غزة في الثالث والعشرين من سبتمبر (أيلول)، الذي تسبب في مقتل 21 شخصاً.ووفقاً لمزاعم كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فالسبب في الانفجار هو صاروخ من «حماس»، أسيء استخدامه، وهو ما تدعوه كل منهما «حادثة عمل»، لكن كما تصر «حماس»، فقد كان السبب هجوما من صاروخ إسرائيلي، وقد أطلقت بعدها حوالي 40 صاروخا باتجاه إسرائيل.ويقول خليل الشقاقي، وهو قائم على الاستطلاعات في رام الله عاصمة الفلسطينيين:«كانت تلك محاولة لتحويل الانتباه عن خطأ «حماس» الفاضح بسبب خشية الحركة من أن يتسبب ذلك بردة فعل شعبية سلبية».إلا أن إسرائيل، وكما وعدت أن تفعل إذا هوجمت بعد سحب المستوطنين والقوات من غزة، هاجمت من جديد بقوة مجددة، بما يتجاوز اثنتي عشرة هجمة جوية، وكان لتلك الهجمات أثر الصدمة والترويع اللذين كانا الهدف منها، فقد تراجع مقاتلو غزة وطلبوا استئناف وقف إطلاق النار، بسبب خشيتهم من ردة فعل شعبية أسوأ إذا استمر القصف الإسرائيلي، لكن إسرائيل لا تلين لمطلبهم، فقد شنت المزيد من الهجمات الجوية في ليلة السابع والعشرين، كما بدأت باستخدام سلاح المدفعية.ويقول الشقاقي ان المقاتلين أساءوا التقدير، بما أنهم فشلوا في حساب تصويت «الليكود» المرتقب، ولم يكن أمام شارون خيار سوى الاستجابة ل «حماس» بقبضة حديدية. فقد تم انتقاده بقسوة في الحزب لفك الارتباط مع غزة، ونجاح نتائجه سواء العنف أو الهدوء ربما يحدّد فرصه بمقاومة خصمه نتنياهو، الذي يتودد لمنتقدي فك الارتباط العديدين.هل يمكن أن خطأ «حماس» هذا كان في صالح شارون، وذلك بإتاحة الفرصة له بعرض صلابته، وتحويل الأصوات لصالحه؟..ربما.أو ربما أدرك كهنة «الليكود» أن الانقسام المحتمل (فقد يحاول شارون تأسيس حزب خاص به)، والانتخابات القريبة، هي ثمن باهظ تدفعه لكي يحظوا بفرصة الانتقام من رئيس الوزراء.وعلى أية حال، فإن استطلاعات الرأي بعد تصويت اللجنة أظهرت أن شعبية شارون بين أعضاء «الليكود» تزداد.وأحد الاستطلاعات المنشورة في صحيفة «هآرتز»، تصنّف شارون متقدماً على نتنياهو بحوالي 14 نقطة مئوية، وذلك بعد أن كانت النسبة تصل إلى ست نقاط مئوية قبل ثلاثة أسابيع.لكن حتى لو تلاشى العنف، فإن المعارك السياسية بدأت للتو.فانتخابات «الليكود» التمهيدية ستجري في أي وقت بين يونيو (حزيران)، نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2006.ونجاح شارون في هذه الانتخابات ليس مؤكداً على الإطلاق، وقد يحدث الكثير قبل هذه الانتخابات، وقد يغيّر الموالون ولاءهم عدة مرات.إلا أن ما يثير القلق بصورة أكبر، هو رد فعل إسرائيل الآخر والأقل عنفاً على صواريخ «حماس»، اعتقال أكثر من 400 ناشط من «حماس»و«الجهاد الإسلامي» في الضفة الغربية.وكان الكثير من رجال «حماس» الذين تم اعتقالهم، مرشحين محتملين للانتخابات المحلية المقررة في ديسمبر (كانون الأول).وفي بعض المناطق، تم فعلياً اعتقال كامل القائمة الانتخابية ل «حماس».ويبدو ذلك متوافقاً مع وعد شارون في وقت سابق من هذا الشهر، بأن إسرائيل ستفعل كل ما بوسعها لتعطيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقررة في يناير (كانون الثاني)، إذا اشتركت فيها «حماس»، فمن المتوقع أن تبلي فيها بصورة جيدة. فالمسح الذي أجراه مركز الشقاقي يمنحها من 30 35 في المئة من المقاعد، ويمنح السلطة الفلسطينية المتمثلة في «حزب فتح» الحاكم، 45 في المئة من المقاعد، لكن بدلاً من أن يضعف الفعل الإسرائيلي الإسلاميين، فقد يزيد من قوتهم عن طريق تشكيل التعاطف معهم بين الفلسطينيين.ويقول مسؤول فلسطيني كبير:«الآن، بعض الذين كانت لديهم النية بالتصويت لبعض مرشحي «حماس»، سيصوتون لكامل قائمة «حماس» الموجودة في السجن».وهذا سيصعّب على إسرائيل تحقيق ما كانت تصبو إليه منذ البداية: وهو نزع سلاح «حماس» ومقاتلين آخرين من قِبل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.وأعلن محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، الأسبوع الماضي، عن تحرك بسيط، لكنه مهم باتجاه ذلك الهدف، وهو اتفاق بألا تظهر جماعات الميليشيات بأسلحتها في الشوارع (وكان من المنوي أن يكون موكب «حماس» المشؤوم في غزة، صرخة أخيرة قبل أن يتم تنفيذ هذا الاتفاق).وفي اجتماع حاشد للسلام في رام الله هذا الأسبوع، جلس محمود عباس بصورة صريحة إلى جانب ياسر عبد ربه، وهو وزير سابق في السلطة الفلسطينية، ومؤلف مشارك لمبادرة جنيف، وهي خطة تم الاتفاق عليها قبل عامين من قِبل الإسرائيليين المحبين للسلام والفلسطينيين من دون وجود القوة لتنفيذها.ولم يكن بالإمكان رؤية أي رجل مسلّح مقنّع أو راية من رايات إحدى الفصائل، لكن كلما ضاق هامش «فتح» لصالح «حماس» في انتخابات يناير (كانون الثاني)، صعب على محمود عباس الاستمرار في السعي في عملية السلام.ويختتم المسؤول الفلسطيني بالقول:«ان شارون و«حماس»، يساعدان بعضهما بعضا بأفضل الطرق» \r\n \r\n