وفي الحقيقة، لم تكن الحكومة العراقية تملك أي سلطة على ال140 ألف جندي امريكي الذين يحتلون البلاد، وتستمر واشنطن في تحديد الموازنة العراقية ودفعها، ولم يكن للمسؤولين العراقيين أي يد فيها. \r\n وأعلنت وسائل الاعلام بعد ذلك ان وضع طبقة التزيين "الديمقراطي" على كعكة "سيادة" العراق تم في يناير/كانون الثاني 2005. وأشادت صحيفة "تايمز" "بالنجاح الكبير الذي حققته أول انتخابات ديمقراطية عراقية منذ نصف قرن" في ما وصفتها ب"أحدث شهادة مدهشة على قوة الديمقراطية". \r\n وبرزت الاسطورة ذاتها عن السيطرة العراقية خلال الشهر الماضي مع التغطية الاعلامية لهجوم "التحالف" على تلعفر. وقد ذكرت "بي.بي.سي" ما يلي: \r\n "تم بنجاح الانتهاء من هجوم عراقي - امريكي كبير ضد أفراد المقاومة في شمال العراق، طبقاً لما ذكره القائد المسؤول عن العملية. وقال القائد العراقي اللواء عبدالعزيز محمد ان 157 من أفراد المقاومة لقوا حتفهم، وإن 683 مشتبهاً فيهم تم اعتقالهم خلال الهجوم الذي دام ثلاثة اسابيع في مدينة تلعفر". \r\n وبعد أيام فقط من اذاعة خبر مفاده ان العراقيين الآن يتولون توجيه قوات الجيش الامريكي، وهي فكرة سخيفة تماماً، استخدم الجيش البريطاني دبابة لهدم سجن كان بداخله اثنان من افراد القوات البريطانية الخاصة في البصرة، وكان الرجلان قد اعتقلا بعد ان اطلقا النار على ما يبدو على اثنين من رجال الشرطة العراقية وقتلا واحداً منهما. وطبقاً لرئيس مجلس محافظة البصرة، فإن الجنود البريطانيين قتلوا خمسة مدنيين خلال اقتحام السجن. \r\n ووصفت وسائل الاعلام البريطانية مداهمة السجن بأنها "عملية انقاذ" بعد ان "اختطفت" الشرطة العراقية الجنديين البريطانيين. وربما اعتقد المرء ان قوات مدنية تحرس مجتمعاً "ذا سيادة" و"ديمقراطياً" تملك الحق في اعتقال جنود يتخفون في زي مدني اطلقوا النار وقتلوا رجل شرطة، ولكن الأمر ليس كذلك وفقاً لضابط بريطاني كبير أوضح المسألة بقوله: "لقد قمنا بتذكير المسؤولين المحليين بأنهم لا يملكون الحق القانوني لاعتقال جنديين يتمتعان بالحصانة الكاملة". \r\n وقالت كارين ماكلوسكي، وهي دبلوماسية في البصرة: "لن يكون تقديم اعتذار للشرطة او الحكومة ملائماً لأن هناك أوامر لشرطة البصرة صادرة عن وزارة الداخلية بالافراج عن الجنديين ولم تنفذ الشرطة الأوامر". \r\n وقالت صحيفة "الجارديان" عن حادثة البصرة: "شملت العملية عدداً لا يزيد على 200 أو 300 شخص في مدينة يصل تعداد سكانها الى 1،5 مليون نسمة، ومن حسن الطالع ان أياً من الجنود البريطانيين لم يتعرض للقتل". \r\n ومن سوء الطالع ان "الجارديان" لم تذكر ان عدداً من المدنيين العراقيين لقوا مصرعهم. \r\n في مقالة للمعلق طوني بارسونز في "ديلي ميرور" تحدث عن "كيفية تعرض الجنود البريطانيين للخيانة من أهل البصرة الذين رحبوا في وقت من الأوقات بالقوات البريطانية كقوات تحرير.. وكيف نسي أهل البصرة سريعاً الجميل الذي اسداه اليهم البريطانيون، ولا أصدق أنني كنت الشخص الوحيد في البلاد الذي راقب اولئك الجنود البريطانيين الذين اشتعلت فيهم النار وهم يفرون من دباباتهم وانا اقول: يا لكم من اوغاد ناكرين للجميل". \r\n وكان المطلوب من "الأوغاد ناكري الجميل" بالطبع ان يشهدوا مقتل عدد من ابناء مدينتهم بأيدي جنود الاحتلال. \r\n وقد أخفق الصحافيون في ملاحظة ان الهجوم على السجن ومسألة الحصانة القانونية للجنود البريطانيين أسهما في تعرية المزاعم السابقة بشأن السيادة العراقية. وعلاوة على ذلك، عثرت على تلميحات في ثلاث صحف تشير الى ان عنصري القوات الخاصة البريطانيين كانا يحملان متفجرات وأجهزة لصنع القنابل في سيارتهما، وقد جاء في صحيفة "ذي ميل" ما يلي: "تم اعتقال الجنديين بعد توجيه الأسلحة لهما، ويزعم العراقيون انهم عثروا على متفجرات وأسلحة في صندوق سيارتهما". \r\n وبث تلفزيون البصرة المحلي صوراً للمتفجرات المزعومة على الرغم من ان هذه الصور لم يتم بثها على مستوى العراق. ولم تقم وسائل الاعلام البريطانية بأي محاولة للتحقيق في هذه المزاعم او توضيحها. \r\n وليس بمقدور الاعلام ان يتخيل ان الجيش البريطاني يمكن ان يكون ضالعاً في نشاطات غير شرعية أو سرية. وفي مقابلة مع توني بلير، ذكر كبير معلقي "بي.بي.سي" ورئيس تحرير الشؤون السياسية السابق اندرو مار في مطلع الأسبوع الماضي "ان 25 ألف مدني (هو رقم يعادل ربع عدد القتلى المدنيين العراقيين الموثوق به) لقوا مصرعهم في العراق "دون شك في عمليات مشروعة تماماً، قام بها الجنود الامريكيون والبريطانيون". \r\n دون شك! معروف ان غالبية الآراء القانونية تقول ان الاحتلال والغزو غير مشروعين بموجب القانون الدولي، وعلاوة على ذلك، وفي عام ،2004 ذكرت منظمة العفو الدولية ان ثماني حالات لقي فيها مدنيون عراقيون - من بينهم طفلة عمرها ثماني سنوات - مصرعهم برصاص الجنود البريطانيين جنوبي العراق. \r\n وتشمل أسباب "الجحود" الأخرى وسط أهل جنوب العراق فشل "التحالف" في واجبه القانوني في العناية، بصفته جيش احتلال - بالسكان المدنيين. وفي مايو/أيار ،2003 افادت وكالات الاغاثة ان المستشفى الوحيد الذي كان يعمل في أم قصر، جنوبي البصرة، كان يحتوي على 12 سريراً لخدمة 45 ألف نسمة، وان "الاطباء" المحليين الدائمين الخمسة هم في الواقع طلاب في السنتين الثالثة والرابعة من الدراسة بكلية الطب. \r\n وقال مارك كوكبيرن المتطوع مع شبكة الاغاثة وهو يصف المستشفى المذكور "ليس هناك أي مظهر من مظاهر النظافة والصحة، ولا توجد مرافق اساسية او عاملون مدربون، ولا توجد غرفة عمليات ولا ثلاجة، ولا يوجد شيء مطلقاً". وكان المرضى الذين يحتاجون لإجراء عمليات جراحية اساسية يضطرون لإجرائها دون مسكنات او تخدير، ويضطرون لوضع قطعة قماش بين اسنانهم للعض عليها في محاولة لتحمل وطأة الألم. \r\n ولم تذكر الصحافة البريطانية شيئاً من هذا، ولكنها تركز على "جحود" العراقيين وإغماض العين عن حقيقة "عملياتنا المشروعة تماماً". \r\n