\r\n بمعنى أن الثنائي بوش روف وظفا الأسلحة نفسها الخاصة بأكثر أعدائه تشدداً في العالم الإسلامي. قيل إنه كان يتعين على جميع سكان الكرة الأرضية امتلاك حق التصويت في انتخابات الولاياتالمتحدة الرئاسية، لأن النتيجة تخصنا جميعاً، لاسيما وأنها المرة الأولى منذ الإمبراطورية الرومانية التي تسيطر فيها قوة واحدة فقط على كل ما تبقى من قوى، حيث تمثل الأحادية سر سلطتها والحرب الاستباقية. \r\n \r\n \r\n غوايتها الدائمة جميع هذه العناصر الميالة إلى الحرب، استدعيت بشكل واضح من قبل الحكومة الأميركية الحالية، إذ يقول بوش: «الولاياتالمتحدة هي النموذج الوحيد الباقي في حيز الوجود من أجل التقدم البشري» وتقول كوندوليزا رايس: «يتعين على الولاياتالمتحدة الانطلاق من الدور الحاسم لمصالحها القومية» ونسيان «مصالح مجتمع دولي خادع». \r\n \r\n \r\n الغطرسة تسبق الدمار والتشامخ هو مقدمة الانهيار، على حد التعبير الوارد في الإنجيل. لكن هذا التحذير القديم لن يجد آذاناً صاغية أبداً من قبل أقوياء الأمس أو اليوم.ومأساة العراق تثبت ذلك أكثر مما ينبغي، حيث راحت أسباب شن الحرب تتلون مع تلون الأحداث والتطورات، إلى درجة أصبح من المتعذر معها معرفة السبب الحقيقي لها. \r\n \r\n \r\n صحيح أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كثفت التضامن العالمي وبررت الحرب ضد أفغانستان وعناصر «القاعدة»، لكن الهجوم على أسامة بن لادن الفار لم يكن سبب حرب العراق، وإنما امتلاك أسلحة دمار شامل من قبل نظام صدام حسين، وذلك ضد سيل التحذيرات التي أطلقها مفتش الأسلحة التابع للأمم المتحدة هانز بليكس، الغارق في عملية تفتيش دقيقة وصارمة، \r\n \r\n \r\n وضد القرار 1441 الصادر عن مجلس الأمن، الذي ميز بشكل واضح بين مسألة «الاهتمام بالموضوع» المقرة والمسألة غير المقرة المتعلقة ب «احتلال بلد»، لكن بوش أطلق «كلاب الحرب» لإثبات ما هو غير موجود، أي أسلحة الدمار الشامل الخاصة بصدام. \r\n \r\n \r\n وعندما تبخر هذا الدافع، استدعى بوش قضية الإطاحة بصدام كدافع للحرب. لكن لماذا صدام وليس آخرين غير مرغوب بهم كذلك؟ ترى ألا يتعلق الأمر بحقول النفط، التي تمثل أساس القوة الأميركية في الشرق الأوسط وامتداده باتجاه البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي وصولاً إلى القوة الصينية الناشئة؟ وهل هي حرب تكتيكية أم استراتيجية؟ من يدري، لا أحد ولم يعد ذلك مهماً. \r\n \r\n \r\n فمهما كانت الأسباب التي دفعت بوش للذهاب إلى الحرب، فإن كل تلك الأسباب تتبدد اليوم أمام نتيجة تثبت صحتها في كل مرة أكثر من سابقاتها. بوش يخسر حرب العراق أو ربما يكون قد خسرها بالفعل، ومن هنا تأتي المحاولة اليائسة للرئيس الأميركي، في «فورت براغ» في التاسع والعشرين من يونيو 2005، للرجوع إلى سبب منطقي للغاية وأصلي، \r\n \r\n \r\n لكنه ينطوي على الكثير من المخاطر ويفيد بأن الولاياتالمتحدة موجودة في العراق للحيلولة دون تكرار مأساة 11 سبتمبر، وبما انه ثبت بالدلائل أن صدام لم يكن له أي علاقة بذلك الاعتداء الفظيع، فإنه بوسعنا التساؤل: لماذا تذوب، في هذه اللحظة بالذات، في سبب واحد فقط اعتداءات القاعدة الإرهابية والغزو اللاحق واحتلال العراق؟ الإجابة بسيطة ومحزنة في آن، إذ لم يعد لدى بوش من ذخيرة سوى التخويف لمواصلة الاحتلال الكارثي للعراق. \r\n \r\n \r\n ثمة من يعتقد بأن تحرير العراق من صدام وإجراء انتخابات (في بلد محتل عسكرياً، هما سببان كافيان لتبرير الحرب. وحتى لو سلمنا بهاتين الدعابتين، فإن هناك حقيقة ساطعة تبقى ماثلة تفيد بأن العراق لا يعيش بسلام. فلقد أقام الإرهابيون، الذين أبقاهم صدام خارج العراق، قواعد لهم في بلاد الرافدين، وخسائر الجيش الأميركي تفوق حتى تاريخه 1800 قتيل وعشرة أضعافهم من الجرحى. والجيش الأميركي برمته تقريباً إما موجود في العراق أو في الطريق إلى العراق أو تاركاً العراق. \r\n \r\n \r\n فلقد تحول العراق إلى بالوعة للقوة المسلحة الأميركية. وفي حال اندلاع نزاع خطير في نقطة أخرى من الكرة الأرضية، فإن الولاياتالمتحدة ستجد نفسها تواجه صعوبات للاهتمام به، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجيش الأميركي جيش طوعي، لكن إلى متى يمكنه البقاء كذلك؟ وبلدان «الائتلاف» البوشي تنسحب واحدة تلو الأخرى. لقد حان وقت التغيير. \r\n \r\n \r\n يصرح السيناتور الديمقراطي جوزيف بيدين دائماً بالقول: «لا نملك عناصر كافية لمكافحة التمرد» ويضيف أنه سيرسل إلى بوش مكالمات الجنرالات الأميركيين الذين يطالبون بالمزيد من القوات في العراق. ويؤكد سيناتور آخر جمهوري وهو تشوك هيغل قائلا: «اننا نخسر في العراق» \r\n \r\n \r\n ويحذر ادوارد كيندي، وهو جمهوري من ماساشوسيتس قائلا: «اننا نغرق في مستنقع العراق»، لكن نائب الرئيس ديك تشيني يدعي زوراً بأن التمرد «يلفظ أنفاسه الأخيرة».ترى الى متى ستستمر «حشرجات» تمرد كرس نفسه كلياً لاجتياح العراق؟ من خمسة الى 12 عاماً، كما يقول متفائلاً وزير الدفاع دونالد رامسفيلد المفتقر للكياسة دائماً. \r\n \r\n \r\n مغامرة نابليون \r\n \r\n \r\n ليس في وسع المواطن المكسيكي إلا ان يتذكر المغامرة الإمبراطورية لنابليون الثالث في بلادنا فالاحتلال الفرنسي كان قد أبقى الحاكم النمساوي في العرش بصورة خادعة، وراح الماريشال أكيلس بازيني يعلن النصر تلو الآخر، لكن المقاومة بقيادة الرئيس بينيتو خواريز تمكنت في نهاية المطاف من طرد القوات الأجنبية وأعدمت هابسبورغ البريء. \r\n \r\n \r\n لكن خواريز كان يملك مفتاحاً لفترة ما بعد الاحتلال تمثل في إقامة جمهورية ليبرالية، في حين يفتقر العراق لأي مشروع، والجميع يؤكد انه سواء مع وجود القوات الأميركية أم عدم وجودها، فإن الانقسامات العراقية ستؤول إلى التعبير عن نفسها بطريقة تنازعية. \r\n \r\n \r\n الأكراد يريدون دولة تتمتع بالحكم الذاتي والسيطرة على نفط كركوك وتركيا تخشى من كردستان المجاورة لها، والسنة يشعرون بأنهم مستبعدون من السلطة العائدة اليوم إلى منافسيهم الشيعة وهؤلاء ينظر إليهم على أنهم متعاونون مع الولاياتالمتحدة. هل تستطيع الولاياتالمتحدة البقاء في العراق من دون أن تتورط فعلياً في النزاعات الداخلية في البلاد، واضعة بذلك أمن الولاياتالمتحدة الخاص ضمن دائرة الخطر؟ إن الأوهام لا تحل مكان الواقع أبداً. \r\n \r\n \r\n «لقد هزم العدو في معركة تلو الأخرى» في فيتنام، على حد تعبير الرئيس ليندون جونسون في فبراير 1968 محتفلاً قبل الأوان، على غرار بوش، بنصر وهمي، فلم يكن قد مضى شهران فقط على ذلك الإعلان حتى اضطر جونسون إلى التخلي عن إعادة ترشيح نفسه والمحنة الطويلة للخروج الأميركي من فيتنام بدأت. أما بوش فإنه يرتكب اليوم الخطأ ذاته، حيث يعلن انتصارات خادعة، بينما لا توجد إلا هزائم منتظرة. \r\n \r\n \r\n أسامة بن لادن لا يزال طليقاً، والقاعدة لا تزال نشطة، وقادرة على توجيه الضربات والإرهابيون يدخلون، كما يحلو لهم إلى العراق، وفراغ السلطة في العراق ينعكس بجرائم الشوارع، والجريمة المنظمة في ازدياد وجهود إحياء الخدمات العامة التعليم والاتصالات تفشل بصورة دائمة، حيث تعيش البلاد في حرب ضد احتلال لأجل غير مسمى. \r\n \r\n \r\n كيف يمكن وضع حد لهذا النزاع مع الاحتفاظ بماء الوجه؟ بحيث لا يستطيع بوش الإعلان عن النصر والتنحي عن السلطة، لا تسمح له بذلك لا شخصيته العنيدة ولا قناعاته العمياء ولا التزاماته مع السلطات المزيفة لليمين الأميركي، ذلك ان الخروج يتطلب مخرجاً مشرفاً إلى حد ما. من يستطيع الحلول مكان الولاياتالمتحدة في العراق ويتمتع بسهولة أكبر لترتيب مرحلة انتقالية إن لم تفض إلى ديمقراطية فورية فعلى الأقل إلى حوار بين الخصوم المتأصلين الداخليين من سنة وشيعة وأكراد، \r\n \r\n \r\n فضلاً عن جميع التحالفات العشائرية والشخصيات المحلية النافذة في بلاد الرافدين؟ لو عاد الأمر لي، لقلت إنها الأممالمتحدة وهي تتصرف باسم المجتمع الدولي وباسم المبادئ ذاتها التي طالما أسيء استعمالها من قبل إدارة بوش، بدءاً بمبدأ التعددية ومروراً بالشرعية الدولية والدبلوماسية وليس انتهاءً بفنون التوسط والتحكيم بين الأعداء. فالولاياتالمتحدة لم تعد قادرة على تطبيق سياسة بهذه المواصفات، على الأقل، طالما بقي بوش في البيت الأبيض. \r\n \r\n \r\n ومن يدري ما الذي سيحدث بعد عام 2008.هل تستطيع الأممالمتحدة تحقيق ذلك؟ ربما، رغم أن التشكيلات العراقية ستنظر من حيث المبدأ إلى تلك الخطوة على أنها مجرد استبدال ولايات متحدة توسعية ودينية وشوفينية ومتجاهلة لثقافات الغير بقوة أمم متحدة «غريبة» الهوى إلى حد كبير. \r\n \r\n \r\n ولذلك فإني أسترجع، باهتمام كبير، الاقتراح المقدم من قبل أحد القادة الأوروبيين البارزين في حلف الناتو والذي يشير إلى ضرورة أن تكون قوة الأممالمتحدة في العراق مؤلفة فقط من قيادة وقوات من العالم الإسلامي. وأعتقد أن هذه هي فكرة جديرة بأن تُوضع موضع التنفيذ. ذلك أن جيشاً إسلامياً هو وحده القادر على لمّ شمل الإخوة العراقيين من دون ضغينة أو معارضة. \r\n \r\n \r\n في يناير 1968، قال جونسون: «لقد رأينا التغيير في المد والجزر» وذلك للاحتفاء بنصر موهوم في فيتنام، نصر سقط بعد ضجة أسابيع قليلة وتقطع إلى أشلاء على يد القوات الثورية الفيتنامية وهوشي منه وهجوم «تيت». أما بوش فلقد أعلن في مايو 2003 أن «المهمة قد أنجزت»، محتفلاً بتفاؤل أعمق بنهاية حرب لم تكن إلا في بداياتها. \r\n \r\n \r\n لقد تحولت الولاياتالمتحدة إلى رهينة لأخطاء بوش، لكن العالم لا يجب أن يكون كذلك، ويتعين على المجتمع الدولي وخصوصاً أصدقاء الأمة الأميركية العظيمة التأثير لخير الجميع حتى تتخلى الولاياتالمتحدة عن الحرب الخاسرة في العراق وتعود إلى الحل القائم على الموضوعات الملحة والمؤجلة الخاصة بالتعايش الوطني والعالمي. \r\n \r\n