غير أنه يتعين علينا أن نعرف أن الاستمرار في التحرك بالخطوة البطيئة على الصعيد الدبلوماسي سيكون هو الطريق الأكيد لتجدد المواجهات بين طرفي الصراع. \r\n \r\n وهناك تحديان ضخمان يحدان من تنفيذ ما يمكن أن يكون مجديا خلال الشهور القادمة. الأول، هو \"فجوة التوقعات\" الكبيرة. فعلى الرغم من انسحاب إسرائيل من غزة إلا أن هناك نوعاً من عدم التيقن تجاه نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون. وما يغذي هذا الشعور لدى الكثيرين هو ماضي الرجل كصقر من صقور إسرائيل، والتضارب الذي يتسم به خطابه. فنحن نراه يسعى إلى إقناع المجتمع الدولي بأن إخلاء غزة هو الخطوة الأولى في سلسلة من الخطوات، ثم يقول بعد ذلك لمؤيديه من الجناح اليميني الإسرائيلي إن هذا الانسحاب هو آخر الانسحابات. \r\n \r\n بصرف النظر عن نوايا شارون، فإنه ليس هناك شك في أن الرجل يريد الآن أن يفعل القليل، وأن يفعله ببطء. فالانسحاب من غزة في نظره ليس خطوة يراد بها تمهيد المسرح للتوصل لاتفاقية لإنهاء الصراع - حيث لا يؤمن بذلك – أو حتى إعادة إسرائيل إلى ما وراء حدود تقارب خطوط عام 1967 - وهو ما يرفضه تماما. \r\n \r\n أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فهو يعمل وفقا لإيقاع ساعة سياسية مختلفة. فالفلسطينيون المقتنعون بأن شارون يقوم بتسليم غزة الآن، كي يتشبث بالضفة الغربية بعد ذلك، سوف يلحون في طلب العودة إلى محادثات الوضع النهائي ولكن الإسرائيليين سوف يرفضون ذلك. وإذا ما بدأت المفاوضات فإن الفلسطينيين سيطالبون بالحصول على نتائج وفقا للخطوط التي تمت مناقشتها عامي 2000 و2001، في حين أن الإسرائيليين سيصرون على التوصل إلى ترتيب مؤقت يظل قائما لمدة طويلة، أو قد يقومون بتنفيذ مثل هذه الترتيبات من جانب واحد. \r\n \r\n خلاصة الأمر: بعد فك الاشتباك سيكون من المستحيل تجاهل الفجوة الجوهرية التي تفصل الاستراتيجيتين الإسرائيلية والفلسطينية، وسوف يكون من الصعوبة أن تتم معالجتها، ومن الحماقة في نفس الوقت ألا تتم تجربتها. \r\n \r\n أما التحدي الثاني فيتمثل في السباق الانتخابي سواء في إسرائيل أو في فلسطين، حيث الاحتمال الأكثر ترجيحا من غيره بكثير، هو أن يؤدي ذلك السباق إلى إنتاج مواقف سياسية جديدة أو التشجيع على التطرف في المواقف الحالية، بدلا من الاتجاه نحو القيام بجهد دبلوماسي جسور وشجاع. فشارون يواجه معركة طاحنة داخل حزبه، حتى قبل انطلاق الانتخابات الوطنية التي يجب أن تعقد قبل نوفمبر 2006. ونظرا لأن استقالة وزير المالية الإسرائيلي \"بنيامين نتنياهو\" سوف تمنح خصوم شارون قائدا بارعا، فإن المنتظر هو أن يقوم شارون خلال الشهور القادمة بتعزيز قاعدته السياسية لا إضعافها، وأن يتحرك إلى اليمين لا إلى اليسار، على أن يقوم بما يقدر عليه لاسترضاء قاعدته الانتخابية وليس لتخفيف غضب الفلسطينيين. والجانب غير المرغوب فيه لإخلاء مستوطنات غزة هو احتمال أن يؤدي ذلك الانسحاب إلى توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس. \r\n \r\n والرئيس الفلسطيني محمود عباس يواجه تحدياته السياسية الخاصة. فانتخابات المجلس التشريعي مقرر لها أن تجري في يناير القادم، ومنظمة فتح في حالة من الارتباك والفوضى، والسخط الشعبي يتصاعد ضد الفساد ومظاهر الخروج على القانون، والصراع على السلطة والنفوذ مع حماس يزداد حدة. لذلك يمكن القول إن عباس لن يكون في وضع يسمح له بالقيام بمبادرة جسورة في الشهور القادمة ولكنه سيطلب من شعبه أن يمنح الدبلوماسية فرصة. \r\n \r\n الخلاصة، أن التحرك بسرعة سوف يضر مستقبل شارون.. وأن التحرك ببطء سوف يضعف موقف عباس. \r\n \r\n لذلك لا مفر من التوصل إلى اتفاق بين الجانبين على القيام ببعض الخطوات العملية والمجدية في نفس الوقت، مثل انسحاب إسرائيل من المدن التي أعادت احتلالها، وقيامها برفع نقاط التفتيش، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، على أن يتعهد الفلسطينيون مقابل ذلك بتحسين أدائهم الأمني. وسوف يتطلب ذلك أيضا عدم الإقدام على أية خطوات قد تؤثر سلبا على مسائل الحل النهائي بل وقد تعوق حلها، وتعوق بالتالي إنشاء دولة فلسطينية قادرة على النمو والحياة. \r\n \r\n والمهلة الهادفة إلى إتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية يمكن أن تستمر في حالة واحدة فقط وهي أن يتمكن الفلسطينيون من رؤية ما الذي ينتظرهم في آخرها بوضوح. لذلك السبب يجب على الولاياتالمتحدة أن تقوم بتحديد الخطوط العريضة للحل الدائم والشامل للقضية الفلسطينية بمساعدة من الدول العربية والمجتمع الدولي. \r\n \r\n إن الانسحاب من غزة خطوة فارقة، ولكنها وعلى الرغم من كل ما انطوت عليه من ألم ودراما، لا تمثل سوى مجرد بداية. \r\n \r\n روبرت ماللي \r\n \r\n مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية والمساعد الخاص للرئيس السابق بيل كلينتون للشؤون العربية- الإسرائيلية. \r\n \r\n آرون ميلر \r\n \r\n مفاوض ومستشار سابق في الشؤون العربية- الإسرائيلية بوزارة الخارجية الأميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n