ومع هذا التألق الجديد والكسب الاوروبي لبلير تطل سحابة سوداء قادمة من الشرق‚ قد يعتقد اناس كثيرون في فرنسا وفي مناطق اخرى من الاتحاد الاوروبي وبأعداد متزايدة ان بلير محق فيما ذهب اليه حول الاقتصاد الاوروبي ولكن قليلا من الناس في فرنسا وفي دول الاتحاد الاوروبي الاخرى وهم في تناقض مستمر يعتقدون ان بلير محق في حرب العراق مما يهدد طموحاته بقيادة الاتحاد الاوروبي نحو التغيير‚ في مايو الماضي وبعد فوزه الثاني في الانتخابات البريطانية هبطت شعبيته الى ادنى مستوياتها فقد انخدع فيه البريطانيون واصبح اعضاء حزبه في البرلمان اكثر الناس تذمرا وسخطا فجأة وبضربة واحدة انطلق حرا وتمكن من اكساب لندن شرف استضافة دورة الالعاب الاولمبية اقتطع مبالغ ضخمة من قمة مجموعة الثماني وادار تفجيرات لندن بكفاءة نالت استسحان الجميع حتى خصومه السياسيين‚ وخلال ذلك تفوق على جاك شيراك بلا رحمة خادعا اياه باجراء استفتاء شعبي حول الدستور الاوروبي‚ مستفيدا من الاهانة الشخصية التي تلقاها شيراك من الناخبين الفرنسيين قبل اثارة المعارضة حول الخصومات البريطانية وتحويلها الى مناقشات حول دعم الزراعة‚ وبينما يلعق شيراك جراحه جاء وزير داخليته الطموح ومنافسه العنيد نيكولاس ساركوزي ليصب الملح على هذه الجراج عندما يقول: من مارغريت تاتشر الى توني بلير - 30 عاما - اصبحت بريطانيا مرشدا وهاديا للعالم وهي اطراء صريح لساكن 10 داو ننغ ستريت واساءة مغلفة لساكن قصر الاليزيه وبغض النظر عن دوافع ساركوزي فان الكثيرين يعتقدون أن بلير قد تمكن من تحديد اوجاع الاقتصاد الاوروبي التي تعوق نموه وبالتالي الفشل في توفير فرص عمل جديدة‚ وليس من السهل الاجابة عليه عندما يسأل عن الاسباب التي تدفع الآخرين لدعم «نموذج اجتماعي» فشل في توفير فرص العمل ل 20 مليون عاطل عن العمل او عندما يتساءل عن جدوى السياسة الزراعية المشتركة التي تدلل ابقار اوروبا بينما يموت المزارعون الافريقيون جوعا لكن مع كل هذه البلاغة حول هذه المواضيع فهو غير قادر على اقناع القليل جدا من سكان هذه القارة وحتى مواطنيه بحرية على العراق ويدور هنا جدل مرير حول مدى ارتباط موجة التفجيرات الاخيرة بحرب العراق وهو الامر الذي يعارض فيه فليبان بلير وجها لوجه‚ ان اجابة بلير التي يقول فيها ان احداث 11 سبتمبر سبقت الحرب على العراق وليس لحرب العراق اي يد فيها لا تعتبر اجابة عن هذا السؤال‚ \r\n \r\n وعندما يقول بلير انه مستعد للقيام بأي شيء لهزيمة الارهاب وعندما يتحدث بكل حماس «للتحرك الى الامام» لوضع «خط تحت الحرب» فانه لم يأت بجديد سوى المراوغة المضللة للتهرب من السؤال الكبير: هل احتلال العراق رد فعل حكيم - او حتى عقلاني - على المتمردين الاسلاميين والتهديدات الارهابية؟ ورغم ان بلير معروف بحنكته ودهائه في خداع اعدائه (مثل شيراك) وكثيرا ما اوقع نفسه في تناقضات عديدة حتى اصبح من الصعب تعقب تراجعاته وتملصه من مواقفه‚ فبعد ايام من «لا» الفرنسية المؤكدة اخبر بلير مجلس العموم البريطاني انه لا جدوى الآن من القيام باستفتاء عام هنا‚ وقبل شهر من ذلك قال لروبرت ميردوخ من صحيفة «صن» المعروفة ببغضها لأوروبا «حتى اذا صوت الفرنسيون ب «لا» فاننا سنقوم باجراء استفتاء عام‚ هذا وعد الحكومة»‚ \r\n \r\n اما عن العراق فهو عادة ما يقول شيئا ثم يقول ضده بعد فترة قصيرة دون الانتباه لذلك او حتى افتراض ان شخصا آخر قد يلاحظ ذلك‚ ففي عام 2004 قال لمجلس العموم اذا استسلمت الى الانتقادات «لكان صدام حسين وابناؤه يحكمون العراق حتى اليوم‚ لذلك قررت ان اقف ذلك الموقف» وقد شعر بالانسحاق الكامل عندما وقف احد النواب العماليين ليقول له كيف توفق بين كلامك هذا وما قلته في فبراير 2003؟ «لقد منحنا صدام فرصة نزع ا سلحته طوعيا من خلال الاممالمتحدة‚ انا اكره نظامه لكن حتى الآن يمكنه المحافظة عليه بالانصياع لطلبات الاممالمتحدة»‚ ومع كل هذه المرونة وقدرات المراوغة وفقدان الذاكرة المتعمد التي ابداها حول موضوع الاستفتاء فقد وقف موقفا قويا مطالبا بسرعة دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي‚ وقد جاء الرد من المانيا «بما انه ليس المسؤول عن هذه الصفقة او ما يترتب عليها فليقل ما يشاء وان دخول تركيا في الوقت الحالي او المستقبل المنظور يعتبر في حكم المستحيل ومن الاكرم للانسان ان يقول الحقيقة»‚ في مستوى ما من درجات شعوره ووعيه قد يدرك بلير ذلك لكنه لا يمكن ان يعترف به لأن ذلك سيكون ضد النظرة الاميركية للعالم المنغلق داخلها حاليا‚ ولأن هذه النظرة تدعم بشدة دخول تركيا للاتحاد الاوروبي على الاقل لأنها تدعم المصالح الاستراتيجية الاميركية المستقبلية‚ \r\n \r\n في الحقيقة لقد برر بلير اعتقادا فرنسيا قديما وراسخا قاله ذات يوم ديغول «في اي مأزق ستختار بريطانيا اميركا ضد اوروبا - لأن ذلك ما قاله له تشيرشل - وستكون حصان طراودة لأميركا»‚ \r\n \r\n لقد فعل بلير ما توقعه ديغول وبذلك تكون قد قضى على كل آماله وطموحاته لقيادة اوروبا‚ احيانا قد تكون الحظوظ افضل من الذي يقف مع الحق لكن في النهاية هنالك حدود لما يمكن ان يحققه الحظ ويبقى الحكم السليم وامانة العقل والفكر‚ \r\n